انتخابات ملتهبة.. بين التأكيد على إجرائها في موعدها والتحديات التي تعصف بشرعيتها.. تعرف على واقعها المضطرب

انفوبلس..
رغم تحديد موعد رسمي للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني المقبل، تزداد الشكوك حول إجرائها في موعدها، وسط أزمات سياسية متصاعدة كاستقالات المحكمة الاتحادية وتصاعد الخلافات بين بغداد وأربيل. لكن قوى سياسية تؤكد جاهزية المفوضية وتمسكها بالاستحقاق، معتبرة الانتخابات ضرورة لاستقرار البلد ودستوريته.
ومع تأكيد المفوضية المستقلة على استعدادها الكامل من الناحية الفنية لإجراء الاقتراع، إلا أن إجراءها في موعدها بات محل شك.
ويقول عضو تحالف العزم عزام الحمداني، إن “الظروف مهيئة لإجراء الانتخابات، ولا يوجد أي تأجيل، وهناك إجماع داخل القوى السياسية، ومن جميع المكونات على ضرورة إجراء الانتخابات وبموعدها المقرر”.
ويضيف الحمداني، أن “القوى التي تطالب بتعديل الانتخابات هي أحزاب قليلة، ولا تشكل جزء كبيرا من القوى الرئيسية الفاعلة، كما أن الوقت غير كاف لتعديل القانون، لآن هذا الأمر يحتاج لتفاهم، وعقد جلسات البرلمان، وهذا صعب في ظل المعطيات الحالية”.
ويتابع أن “الظروف الإقليمية الحالية، وأوضاع المنطقة تتطلب إجراء الانتخابات، للحفاظ على استقرار البلد واحترام العملية الديمقراطية، لذلك ستجرى الانتخابات بموعدها دون تأجيل، وقانون الانتخابات الحالي منصف للجميع”.
يشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون (انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل)، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي.
وكان النائب علي يوسف قد أعلن في 27 آذار مارس الجاري، عن حراك نيابي لإجراء تعديل بسيط على بعض فقرات قانون الانتخابات في العراق.
وأقر نواب بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي حياله، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.
من جانبه، يرى عضو تحالف الفتح علي الفتلاوي، أنه “بعد انتهاء الحرب في الشرق الأوسط، واستقرار أوضاع المنطقة، فإنه لا يوجد ما يمنع من إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، واحترام السياقات الدستورية”.
ويلفت الفتلاوي، إلى أنه “عدم وجود ما يمنع إجراء الانتخابات بموعدها، والظروف الفنية مهيئة والمفوضية مستعدة، والقوى السياسية متفقة على ضرورة احترام العملية الديمقراطية”، مشددا على “ضرورة التعامل مع المرحلة المقبلة وتحدياتها، وهذه تحتاج إلى برلمان فعال”.
ويشير إلى أنه “من الصعب الحديث عن تعديل قانون الانتخابات، بسبب عامل الوقت، وصعوبة عقد جلسات البرلمان بانتظام”.
وبسحب مصادر مطلعة، فقد حسمت قوى الإطار التنسيقي موقفها من تعديل قانون الانتخابات، بعد سلسلة اجتماعات مغلقة سبقت عطلة عيد الأضحى، وجرى خلالها التوافق على إعادة صياغة فقرة توزيع الأصوات داخل القوائم، بما يمنح رئيس القائمة 80 بالمئة من الأصوات، مقابل 20 بالمئة توزع على باقي المرشحين.
ويقترح أحد التعديلات المطروحة تحويل المحافظة إلى دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظات كبرى مثل بغداد والبصرة والموصل، التي تقسم إلى دائرتين انتخابيتين، في محاولة لمعالجة التفاوت في الكثافة السكانية وتوزيع المقاعد، كما يتضمن تحديد عدد المرشحين في كل قائمة بما يتوافق مع عدد المقاعد المخصصة للدائرة، للحد من ظاهرة “الترشيح الواسع” الذي يستخدم أحيانا كأداة لتجميع الأصوات دون نية فعلية للفوز.
ويهدف المقترح الذي تقدم به النائب رائد المالكي، إلى تعزيز حضور القوى الناشئة داخل البرلمان، من خلال تخصيص 30 بالمئة من المقاعد في كل دائرة للمرشحين الأفراد الحاصلين على أعلى نسب تصويت، تفوق 1.5 بالمئة، مقابل 70 بالمئة، توزع على القوائم الانتخابية، كما يتضمن التعديل المقترح إعادة ضبط معادلة “سانت ليغو” الانتخابية، عبر خفض معامل القسمة من 1.7 إلى 1.5، بهدف توسيع قاعدة التنافس ومنح فرص أكبر للمرشحين خارج الأحزاب الكبرى.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي أحمد الياسري، أن “الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، ولا توجد إشارات على تأجيلها”.
ويوضح الياسري، أن “هذه الدورة البرلمانية الحالية هي الأضعف، وستنتهي الدورة، دون ان تذكر لها انجازات، وهي الأسوأ في تاريخ الدولة العراقية، ولا يعقل ان تنتهي الدورة البرلمانية بتعطيل، بعد ان بدأت بانسداد”.
ويشير إلى أن “البرلمان الحالي لا يستطيع تعديل قانون الانتخابات، والدورة البرلمانية انتهت شكليا، وستجرى الانتخابات بقانونها الحالي، ولكن من المرجح ان تكون نسبة المشاركة عالية، وستكون هي الفيصل، بسبب تأثير العوامل الخارجية”.
ويردف أن “نتائج الانتخابات المقبلة ستكون صدى للتحولات السياسية التي طرأت على المنطقة بعد حرب غزة، والتمنيات بأن تنتج الدورة القادمة نخبة برلمانية تمتص الفترة المتبقية من عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والأهم أن يقلل عدد مقاعد الإطار التنسيقي، حتى لا نكون جزءا من الصراع في المنطقة، كون الحرب بين إسرائيل وإيران لم تنته بشكل كامل”.
وصوت مجلس الوزراء في 9 نيسان أبريل الماضي، على تحديد يوم 11 من شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 2025، موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية.
ومؤخرا برزت العديد من الأزمات، أبرزها إيقاف الحكومة الاتحادية لرواتب الموظفين في إقليم كردستان، إلى جانب تقديم 9 أعضاء من المحكمة الاتحادية العليا لاستقالتهم، ما شكل أزمة كبيرة، لاسيما وأن المحكمة هي الجهة المسؤولة عن التصديق على نتائج الانتخابات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو المشهد السياسي في العراق معقداً أكثر من أي وقت مضى. فبين تأكيد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على الجاهزية الفنية الكاملة، وتصاعد الأزمات السياسية والدستورية، يقف العراقيون أمام استحقاق مفصلي يهدد بتعطيله صراع الإرادات وتنازع المصالح.
وتبرز أهم التعقيدات على النحو التالي:
أولاً: تحديات قانونية تهدد شرعية العملية الانتخابية
تُعد استقالة تسعة من أعضاء المحكمة الاتحادية العليا واحدة من أبرز العقبات أمام الانتخابات المقبلة. فهذه المحكمة هي الجهة الدستورية الوحيدة المخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات، وأي خلل في تشكيلها أو فقدان النصاب القانوني فيها، يعني عملياً استحالة إضفاء الشرعية على مخرجات العملية الانتخابية، ما يضع البلاد أمام فراغ دستوري خطير.
وتأتي هذه الاستقالات في وقت حساس، ما يطرح تساؤلات حول خلفياتها السياسية، واحتمال ارتباطها بخلافات غير معلنة حول شكل المرحلة المقبلة، أو محاولة قوى معينة فرض وقائع دستورية تعيق التداول السلمي للسلطة.
ثانياً: عُقدة قانون الانتخابات وتجاذبات المصالح
يمثل قانون الانتخابات الحالي (رقم 12 لسنة 2018 المعدل) نقطة خلاف جوهرية بين الأطراف السياسية. فبينما تطالب بعض القوى الناشئة والمعارضة بتعديله لتوسيع فرص المنافسة وتقليص سطوة الكتل الكبرى، تسعى قوى أخرى إلى الإبقاء عليه بصيغته الحالية، بل واقتراح تعديلات تمنح قادة القوائم نسبة أكبر من الأصوات، وتعيد العمل بنسخة معدلة من معادلة "سانت ليغو".
في هذا السياق، يبرز مقترح النائب رائد المالكي الذي يهدف إلى تخصيص 30% من المقاعد للمرشحين الأفراد، وتخفيض معامل القسمة إلى 1.5، وهو ما يُقرأ كمحاولة لتوسيع قاعدة التمثيل وتمكين المستقلين، لكنه يصطدم بعقبات سياسية وإجرائية، لا سيما أن البرلمان شبه معطل، والدورة الحالية تلفظ أنفاسها الأخيرة.
ثالثاً: التناقض بين الخطاب السياسي والواقع العملي
رغم ما تعلنه قوى سياسية عدة عن التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك. فاستمرار الخلافات بين بغداد وأربيل، وعودة أزمة رواتب موظفي الإقليم، وغياب التوافق حول تعديلات القانون الانتخابي، كلها مؤشرات على هشاشة التوافق الوطني.
وبحسب مراقبين، فإن الحديث عن "إجماع سياسي" على موعد الانتخابات قد لا يعكس حقيقة الانقسامات الحاصلة، بل يُستخدم كغطاء لتهدئة الشارع والرأي العام الدولي، في وقت لم تُحل فيه الملفات الخلافية الكبرى، ولم تُؤمَّن الضمانات الدستورية الكافية لسير العملية بسلاسة.
رابعاً: العامل الإقليمي.. بين الاستقرار الظاهري والمخاطر الكامنة
يشير بعض الساسة إلى أن استقرار المنطقة بعد جولة الحرب الأخيرة في غزة يوفر مناخاً مناسباً لإجراء الانتخابات. إلا أن هذا الطرح لا يخلو من التبسيط، فالمشهد الإقليمي لا يزال عرضة للتقلبات، خصوصاً في ظل التوتر المستمر بين إيران والولايات المتحدة، والغموض الذي يكتنف مستقبل الملف النووي الإيراني، وانتقال الصراع إلى مستويات أكثر تعقيداً.
ويرى مراقبون أن نتائج الانتخابات المقبلة لن تعكس فقط إرادة الداخل، بل ستكون صدى مباشراً لتوازنات الخارج، خصوصاً أن العراق بات نقطة التقاء لمشاريع إقليمية ودولية متصارعة. وبالتالي، فإن شكل البرلمان القادم سيحدد مدى انخراط بغداد في صراعات المنطقة، أو قدرتها على النأي بالنفس.
خامساً: ضعف البرلمان الحالي وأثره على الاستحقاق المقبل
يتفق كثير من المتابعين، ومنهم الباحث السياسي أحمد الياسري، على أن البرلمان الحالي هو الأضعف في تاريخ العملية السياسية العراقية، حيث فشل في تمرير قوانين استراتيجية، وعجز عن حسم ملفات سيادية، وهو ما يعزز القناعة الشعبية بضرورة تجديد الطبقة السياسية.
كما أن محدودية أداء البرلمان، وضعف الثقة الشعبية به، سيجعل من نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة عاملاً حاسماً في تحديد شرعية النتائج. فارتفاع نسبة المشاركة سيمنح البرلمان المقبل قوة تمثيلية، بينما ستؤدي نسب الإحجام إلى تعميق أزمة الشرعية، وربما فتح الباب أمام مقاطعة واسعة قد تستغلها أطراف داخلية وخارجية لتقويض الاستحقاق الانتخابي برمته.
وبين الاستعداد الفني للمفوضية وتضارب المواقف السياسية، تقف الانتخابات العراقية المقبلة على مفترق طرق حاسم. فالظروف الموضوعية لا تخلو من التحديات، لكن الإرادة السياسية الحقيقية وحدها القادرة على إنقاذ هذا الاستحقاق. وإذا ما فشل السياسيون في تجاوز خلافاتهم، فقد يجد العراق نفسه أمام أزمة شرعية جديدة تعمّق الانقسام، وتفتح الباب أمام احتمالات أكثر خطورة على استقرار البلاد ومستقبلها الديمقراطي.