تشريع "قانون المغيبين".. استثمار انتخابي ومحاولة لاستغلال المناخ السياسي العالمي
حراك سُني لتمرير القانون

حراك سُني لتمرير القانون
انفوبلس/..
في خضم الجدل المستمر حول ملف "المغيبين" في العراق، برزت تحركات برلمانية من بعض الكتل السنية لتشريع قانون يُعرف بـ"قانون المغيبين". يهدف هذا القانون إلى معالجة قضايا الاختفاء القسري التي يُزعم حدوثها خلال وبعد العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش". تسعى هذه الكتل إلى تمرير القانون بصيغة مشابهة لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، الذي شمل إعفاءات واسعة النطاق للمحكومين. يُذكر أن قانون العفو العام أثار جدلاً واسعًا عند إقراره، حيث تضمن إعفاءات للمحكومين بالإعدام أو بعقوبات سالبة للحرية، مع استثناءات محددة.
تأتي هذه المحاولات في ظل اتهامات متبادلة بين الأطراف السياسية، حيث يرى البعض أن إثارة ملف "المغيبين" قد يُستخدم كورقة ضغط سياسي وانتخابي، مع توجيه اتهامات إلى جهات سياسية وعسكرية ساهمت في تحرير المدن من سيطرة "داعش". في المقابل، تؤكد الكتل الساعية لتشريع القانون أن الهدف هو تحقيق العدالة والكشف عن مصير المفقودين.
ومن الجدير بالذكر أن البرلمان العراقي كان قد حاول في عام 2019 إقرار قانون تحت مسمى "حماية الأشخاص من الاختفاء القسري"، إلا أن المشروع تعثر بسبب خلافات سياسية.
تُثير هذه التحركات تساؤلات حول توقيتها ودوافعها، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، ومدى تأثيرها على المشهد السياسي والأمني في البلاد.
استغلال عودة ترامب
وفي ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تبرز تساؤلات حول توقيت طرح "قانون المغيبين" في العراق، وما إذا كان هذا التزامن يعكس استغلالًا للسياسات الأمريكية تجاه البلاد.
وخلال ولايته الأولى، انتهجت إدارة ترامب سياسة عدائية تجاه العراق، ويرى مراقبون أن بعض الكتل السياسية قد تسعى لاستثمار هذه السياسات الأمريكية من خلال إثارة ملفات حساسة، مثل "المغيبين قسريًا"، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية.
ويُعتقد أن طرح مثل هذا القانون في هذا التوقيت قد يكون محاولة للضغط على أطراف سياسية وعسكرية معينة، خاصة تلك التي لعبت دورًا بارزًا في تحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم "داعش".
ربط القانون بآليات العفو العام
تسعى بعض الكتل النيابية إلى استغلال ملف الاختفاء القسري سياسياً، عبر ربطه بآليات العفو العام، رغم عدم وجود أدلة موثقة تثبت حالات تغييب قسري ممنهج بعد عمليات التحرير
وفي إطار التحركات المستمرة لإثارة ملف "المغيبين قسريًا"، شهدت الأوساط السياسية السنية حراكًا مكثفًا لمناقشة آليات إدراج هذا الملف ضمن تطبيقات قانون العفو العام، فقد عُقد اجتماع موسع، في منزل رئيس مجلس النواب الأسبق، لمناقشة سبل الإفراج عن المعتقلين والمفقودين الذين تعتبرهم بعض الأطراف "ضحايا تهم كيدية".
ووفقًا لمصادر مطلعة، "اتفق المجتمعون على وضع آلية لمتابعة تنفيذ القانون، بما في ذلك استضافة مسؤولين من وزارتي الداخلية والعدل للوقوف على ملفات المعتقلين من مكون محدد، إضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية دورية للسجون تحت إشراف لجنة نيابية خاصة، بهدف الإشراف على عملية الإفراج عن المشمولين بالعفو وإعداد قوائم رسمية بذلك".
ويرى مراقبون، أن هذه التحركات تأتي في سياق الضغط لتمرير "قانون المغيبين"، حيث تسعى بعض الكتل النيابية إلى استغلال ملف الاختفاء القسري سياسياً، عبر ربطه بآليات العفو العام، رغم عدم وجود أدلة موثقة تثبت حالات تغييب قسري ممنهج بعد عمليات التحرير.
كما شهد الاجتماع نقاشًا حول "تعزيز وحدة الخطاب السياسي السني وتبني مواقف موحدة بخصوص هذا الملف، في محاولة لاستثماره كعامل ضغط سياسي في المشهد العراقي".
ويشير بعض المحللين إلى أن إعادة طرح ملف "المغيبين" في هذا التوقيت، بالتزامن مع عودة الحديث عن تشريعات تتعلق بالمعتقلين، قد تكون خطوة لتوجيه الرأي العام نحو أجندات سياسية معينة، في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية وتصاعد التنافس بين القوى السياسية داخل المكون السني نفسه.
مقترحات لتشريع قانون
وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، نيسان زاير، إن تشريع قانون العفو العام يمثل إنجازًا حقيقيًا، خصوصًا وأن هناك الكثير من الأبرياء يقبعون في السجون دون وجه حق.
وأضافت زاير، خلال مشاركتها في برنامج متلفز، "أنا فرحة بتشريع قانون العفو العام، فقد كنت قريبة من المعتقلين وأعرف جيدًا ما يدور داخل السجون العراقية".
وأشارت إلى أن "السجون في العراق ليست إصلاحية كما ينبغي، بل إنها في كثير من الأحيان تُخرّج أشخاصًا غير أسوياء"، مؤكدة أن "ثقتنا كبيرة بالقضاة وقدرتهم على تطبيق قانون العفو العام بعدالة".
وأردفت، "لغاية الآن لا نعرف العدد الحقيقي للمقابر الجماعية، فما زلنا نكتشف المزيد منها”، موضحة أن “العراق لا يمتلك إحصائية متكاملة عن المفقودين، ونحتاج إلى تدخل دولي جاد لإنهاء ملف المفقودين العراقيين".
وتابعت: "فتح المقابر الجماعية يتطلب وجود فرق مختصة، كما أن هناك لجانًا أممية مشرفة على هذا الملف"، مشيرة إلى أن "هناك تحركًا نيابيًا لتشريع قانون خاص بالمغيبين قسرًا، ونسعى إلى تشريع قانون يعالج المغيبين خلال عمليات التحرير من تنظيم داعش".
وختمت حديثها بالقول: "نسمع كثيرًا عن وجود سجون سرية في العراق، لذلك ينبغي إبعاد قانون المغيبين عن أي تجاذبات سياسية لضمان تحقيق العدالة".
استغلال لأغراض سياسية
بالمقابل، يُرجئ مراقبون وبرلمانيون أن البعض متكئاً على الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي، له لأغراض سياسية وانتخابية في استغلال قصص الاختفاء القسري.
ووصف النائب عن كتلة الصادقون النيابية علي تركي الجمالي، طرح ملف المغيبين من قبل بعض رئاسات الكتل والأحزاب، بـ"السياسي والدعاية المبكرة الانتخابية"، مبينا أن القوى السنية لا تعترف بالأصل بملف المغيبين.
وقال الجمالي في وقت سابق، أن "موضوع المغيبين دائما ما يطرح كدعاية انتخابية لكسب ود المكون السني من خلال التلاعب بمشاعرهم" مبينا أنه "لا يوجد شيء اسمه مغيبين، وقد اثبت بأن هؤلاء إما قُتلوا بمعارك التحرير ضد داعش، أو هربوا خارج البلاد ويعمل مع تنظيمات داعش في سوريا أو ليبيا وغيرها".
وأضاف، إن "أغلب السياسيين السنة من المنصفين يقرّرون بعدم وجود ملف اسمه المغيبين"، مشيرا الى أن "من يحاول طرح الملف يعتبر دعاية انتخابية مبكرة".
وأوضح، إن "التنافس داخل البيت السني نتيجة تفرد بعض رؤساء الكتل بالقرار السياسي دعت القوى السياسية الى إنتاج نشاط وبرامج سياسية للمرحلة المقبلة مما أقلق بعضهم وحاول إعادة طرح الموضوع كدعاية انتخابية مبكرة لمواجهة خصومه السياسيين".
التفاف على النظام السياسي
في سياق الجدل الدائر حول ملف "المغيبين" في العراق، تصاعدت الاتهامات بشأن محاولة بعض الأطراف تسييس القضية، ومصادرة تضحيات القوات الأمنية، ووفقًا لمصادر مطلعة، فإنه لا توجد أي معلومات أو أدلة رسمية تؤكد صحة الادعاءات المتعلقة بهذا الملف.
كما ترى بعض الأوساط أن "المطالبات المستمرة بشأن هذا الملف تُعد محاولة للالتفاف على الحكومة والنظام السياسي"، في حين يُنظر إلى الدعوات لإطلاق سراح بعض المعتقلين على أنها "تشكيك في القرارات القضائية الصادرة بحق المتهمين في قضايا الإرهاب، والتي تم اتخاذها استنادًا إلى أدلة وإثباتات قانونية".
تصريحات طائفية
وفي عام 2021، تفجّر ملف المغيبين مرة أخرى، بعد تصريحات طائفية لعضو مجلس النواب السابق ظافر العاني أدلى بها خلال انعقاد إحدى جلسات البرلمان العربي.
النائب الأول لرئيس مجلس النواب آنذاك، طالب أعضاء مجلس النواب بالتصويت على إقالة النائب ظافر العاني على خلفية تصريحات الأخير بشأن قضية المغيبين ومنطقة جرف النصر.
وقال الكعبي في بيان، إنه "بعد اطلاعنا على كلمة عضو مجلس النواب ظافر العاني خلال انعقاد إحدى جلسات البرلمان العربي، نأسف على ما ورد فيها من مغالطات كثيرة".
وأشار الى أن "من أهم هذه المغالطات فإن المعروف أن في العراق مفوضية عليا "مستقلة" لحقوق الانسان وهي الجهة المخولة الوحيدة المختصة بحالات الاختطاف والتغييب، وقد أكدت في كتابها الرسمي المرسل الى مجلس النواب بأنه لا توجد ولا حالة اختفاء قسري ثابتة في العراق بمعنى لا وجود لأي مغيب داخل البلد وكل ما يذكر من ادعاءات لم يتم إثباتها لحد اللحظة بأي دليل".
وأضاف، إن "هذه المفوضية تعمل داخل العراق بالتنسيق مع جميع مؤسسات الدولة وتنظر بكل الادعاءات وفقا للقوانين النافذة والنظام الديمقراطي العراقي القائم على أساس الانتخابات".
ولفت الى أن "المفوضية العليا قد تعاملت مع الكثير من الادعاءات السابقة وقد تبين بُطلانها ولم يثبت أي شيء بل على العكس قد تبين أن جزءا ممن ادعى ذووهم أنهم مختطفون هم هاربون خارج العراق ومدانون بأحكام قضائية او ممن يمارس الارهاب لحد الآن وضمن أجندة داعش ويقاتل ضد القوات الامنية "الوطنية" التي تحمي المواطن العراقي من شماله الى جنوبه".
طمعاً برواتب ومستحقات
بخصوص بعض التقارير والفيديوهات التي نشرتها جهات معينة حول المغيبين اتضح فيما بعد أنها ليست في العراق ولكن في سوريا
رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، والذي شهدت فترة رئاسته للحكومة معارك التحرير (2014-2018) تحدث خلال لقاء تلفزيوني عُرض في نيسان 2023، حول ملف المغيبين، وذكر أنه خلال فترة حكومته شكّل العديد من اللجان ومنحها جميع الصلاحيات والتعليمات للبحث في أي منطقة وبدون إنذار عن معتقلات أو مقابر، ولكن جميع هذه اللجان لم تعثر على شيء.
وأضاف، أنه "بخصوص بعض التقارير والفيديوهات التي نشرتها جهات معينة حول المغيبين اتضح فيما بعد أنها ليست في العراق ولكن في سوريا".
ولفت إلى أن هنالك تفاوتا غير طبيعي في الأرقام وخصوصاً في محافظة الأنبار، وكشف أنه مع دخول عصابات داعش، حدثت أفعال انتقامية بين بعض الجماعات التي تمتلك خلافات فيما بينها في المناطق التي سيطرت عليها العصابات الإجرامية، الأمر الذي تسبب بعمليات إجرامية راح ضحيتها العديد من أبناء تلك المناطق وأصبح مصيرهم مجهولا حتى الآن.
ولفت إلى أن غالبية الذين يُعدّون بحساب المغيبين أو المفقودين قد فُقدوا خلال فترة المعارك مع داعش، متسائلاً: أين ذهب العراقيون الذين قاتلوا في صف عصابات داعش؟ أين ذهبوا إذا كانوا أحياء؟ وأين جثثهم إذا كانوا قد قُتلوا خلال مواجهة القوات الأمنية؟، هل بلّغ أهلهم أو ذووهم عن انتمائهم للعصابات الإجرامية؟
ونوه إلى أن عوائل هؤلاء المجرمين يدّعون أن أبناءهم قد غُيّبوا تنفيذاً لأجندات سياسية من جهة، وطمعاً بالحصول على رواتب ومستحقات من الدولة من جهة أخرى، وأكد أن الساسة الذين ينادون بهذا الملف بشكل مستمر يعلمون بذلك جيداً، ولكنهم مستمرون بتلك الادعاءات.