تشظي القوائم السُنية قبيل الانتخابات.. تناحر الزعامات وإقصاء ممنهج يهددان الحضور السياسي للمكون

انفوبلس/ تقارير
مع اقتراب موعد الانتخابات، تعيش الساحة السياسية السنية حالة من التشتت والانقسام الحاد، وسط ما يوصف بـ"تشظٍ غير مسبوق" في القوائم والتحالفات، يقابله شعور متزايد بالإقصاء والتهميش لدى بعض القوى والشخصيات البارزة. وفيما تُبذل محاولات لتوحيد الصف السني في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية، يبدو أن الخلافات الشخصية والتنافس على الزعامة قد أخذت حيزًا أكبر من أولويات الناخب السني، ما ينذر بإضعاف التمثيل النيابي وتراجع التأثير في مخرجات العملية السياسية المقبلة. مشهد الانقسام داخل البيت السني
تشهد المحافظات ذات الغالبية السنية، مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى حالة من التشتت السياسي بين الأحزاب والتكتلات التي تمثل المكون السني. فقد تفرقت الزعامات التقليدية بين أكثر من قائمة، أبرزها تحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، وتحالف "العزم" برئاسة مثنى السامرائي، وتحالف "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي وقوائم محلية ناشئة تدّعي تمثيل العشائر أو القوى المدنية.
الانقسام بات واضحاً في نينوى، حيث فشلت القيادات في توحيد موقفها، وفي الأنبار حيث تنافس أكثر من قطب عشائري وسياسي على الزعامة، بينما في صلاح الدين وديالى تسود مشاعر الغضب من تهميش القوى المحلية في رسم ملامح التحالفات الوطنية الكبرى. تشظٍ يضعف طموح الأغلبية ورأى عضو تحالف الأنبار المتحد، محمد الفهداوي، اليوم السبت، أن التشظي السني سوف ينتج ما لا يقل عن خمس قوائم انتخابية، وهذا سيحول دون تمكن أي منها من فرض أغلبية سياسية واضحة داخل المكون.
وقال الفهداوي، في حديث تابعته “انفوبلس”، إن “الصراع السني بدأ فعليا، ويستمر بين مختلف الأطراف الطامحة للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني المقبل”.
وأوضح، أن “الانتخابات المقبلة ستكون الفيصل في تحديد الجهة التي ستحظى بثقل سياسي ووطني وإقليمي، وفقا لما ستحققه من نتائج على مستوى المقاعد البرلمانية”. تنافس على حساب المصلحة العامة يرى مراقبون أن جزءاً كبيراً من التشظي السني يعود إلى الصراعات الشخصية بين قادة الأحزاب السنية أكثر مما هو خلاف على البرامج أو المصالح العامة. فقد طغى منطق "من يرأس التحالف؟" على التفكير في كيفية تمثيل جمهور متضرر من سنوات الحرب والتهجير والتهميش.
القيادات التي تقاسمت النفوذ في السنوات الماضية باتت تتعامل مع الانتخابات كمعركة شخصية للبقاء أو العودة إلى المشهد، ما أدى إلى تغييب الكفاءات المستقلة وتهميش الشباب، بل وحتى إعادة تدوير وجوه فقدت مصداقيتها سابقاً.
الإقصاء وشراء الولاءات
يصف بعض المرشحين السنة، وخاصة من الشخصيات المستقلة أو القادمة من خلفيات أكاديمية أو مجتمعية، بأنهم يتعرضون لإقصاء مقصود من قبل التحالفات الكبرى، إما بسبب عدم خضوعهم لسلطة الزعامات التقليدية أو لرفضهم الدخول في صفقات سياسية.
وقد تحدثت تقارير محلية عن لجوء بعض الكتل إلى استخدام المال السياسي لشراء الولاءات، والسيطرة على ترشيحات المفوضية داخل دوائر معينة، خصوصًا في المناطق المحررة من داعش حيث لا تزال البنى التحتية الانتخابية ضعيفة، وتُستغل الأوضاع الأمنية والاجتماعية لتوجيه أصوات الناخبين نحو جهات معينة.
أثر التشظي على تمثيل السنة
من المتوقع أن يؤدي هذا الانقسام الحاد إلى خسارة المكون السني لعدد من المقاعد التي كان يمكن الحصول عليها لو تم التوافق داخل تحالف موحد. فقد أظهرت تجارب الانتخابات السابقة أن وحدة الخطاب السني تُسهم في تعظيم المكاسب السياسية، بينما يؤدي التنافس الداخلي إلى تشتت الأصوات وفوز الخصوم بالمقاعد.
ومع تطبيق نظام الدوائر المتعددة، زادت الحاجة إلى التنسيق العالي بين القوى السنية، إلا أن غياب هذا التنسيق حال دون تقديم قوائم قوية ومتكاملة في بعض المناطق، ما يُضعف من إمكانية تمثيل حقيقي لمصالح الجمهور السني في البرلمان القادم.
أصوات شبابية ومجتمعية على الهامش
في خضم صراع الكبار، بقيت الأصوات المجتمعية الفاعلة، خاصة من فئة الشباب والنساء والمهجرين، على هامش المشهد السياسي. فرغم محاولات البعض الترشح عبر قوائم مستقلة أو منظمات مدنية، إلا أن البيئة السياسية الحالية القائمة على المحاصصة والتحكم المركزي من قبل الزعامات التقليدية قللت من فرصهم في خوض منافسة نزيهة.
ويحذر مراقبون للمشهد من أن استمرار هذا النهج سيزيد من فجوة الثقة بين المواطنين والنظام السياسي، وسيعزز من عزوف الناخبين عن المشاركة، خاصة في المحافظات المتضررة التي لا تزال تعاني من البطالة والدمار.
سخط شعبي متصاعد: "تتناحرون ونحن نحترق"
يُعبّر جمهور واسع من أبناء المناطق السنية عن استيائه المتزايد من حالة الانقسام والتناحر بين القوى السياسية التي تدّعي تمثيله.
وتنتشر في الأوساط الشعبية عبارات غاضبة من قبيل: "تتناحرون على الكراسي ونحن نحترق في المخيمات"، في إشارة إلى تجاهل هذه القوى لملفات النازحين والخدمات، وانشغالها بالصراعات على الزعامة والمناصب.
ويؤكد كثير من الأهالي أن الزعامات السنية فقدت شرعيتها السياسية والاجتماعية بسبب تخليها عن مسؤولياتها الأساسية، وانشغالها في توزيع النفوذ والصفقات، فيما بقيت مناطقهم تعاني من الفقر والبطالة وسوء البنى التحتية. حتى بعض شيوخ العشائر والمثقفين بدأوا يرفعون صوتهم محذرين من أن "التمثيل المزيف" في البرلمان لم يعد مقبولًا، وأن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد ولادة وجوه جديدة تعبّر فعليًا عن تطلعات الناس لا مصالح النخب.
خلاصة وبين الانقسام الحاد والإقصاء المتعمد، يبدو المشهد السياسي السني متجهاً نحو مزيد من التراجع في الحضور والتأثير، ما لم يتم تدارك الأمور من خلال مبادرات حقيقية لتوحيد الصف وتقديم وجوه جديدة ذات كفاءة وثقة جماهيرية. فالانتخابات المقبلة قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة بناء الثقة بين الجمهور السني وممثليه، أو ستكون محطة إضافية في مسار الانحدار السياسي للمكون.