تعديل قانون الجوازات الدبلوماسية يثير "الغضب".. هل يسعى السياسيون الفاسدون لجعلها مدى الحياة؟
انفوبلس/ تقرير
خلَّف تعديل قانون الجوازات الدبلوماسية في العراق، العديد من التساؤلات والغضب الشعبي، والنيابي حتى، والذي يستهدف منح مئات المسؤولين وعوائلهم وأطفالهم جوازات دبلوماسية "مدى الحياة" حتى بعد التقاعد، وبأثر رجعي لجميع مسؤولي الدولة العراقية منذ 2003 وحتى الآن، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أسرار هذا التعديل الذي يأتي في ظل تراجع ترتيب الجواز العادي للمرتبة قبل الأخيرة عالمياً.
يحصل الوزراء والنواب وموظفو السلك الدبلوماسي وأصحاب الدرجات الخاصة على جوازات سفر دبلوماسية بهدف تسهيل مهامهم خارج البلاد وفق الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات المعمول بها على مستوى العالم، لكن في العراق الوضع مختلف، حيث تُمنح الجوازات لأشخاص بعيدين عن السياسة وعن الدبلوماسية، حيث تمنح على أساس المحسوبية.
*بداية القصة
كانت بداية القصة عندما أعلنت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في الخامس عشر من شهر تموز الجاري 2024، جدول أعمال الجلسة الأولى من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثالثة ضمن الدورة الانتخابية الخامسة، وكان إحدى فقراته (تقرير ومناقشة (القراءة الثانية) مقترح قانون التعديل الاول لقانون جوازات السفر رقم (۳۲) لسنة ٢٠١٥).
لكن الفضيحة السياسية انكشفت يوم الجمعة 19 تموز/ يوليو 2024، عندما حذرت اللجنة القانونية النيابية من وجود نية لتعديل قانون الجوازات ليتضمن الاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي من قبل حامليه هم وأُسرهم مدى الحياة، لا بل يتجاوز الأمر الى إعادته بأثر رجعي.
وقال عضو اللجنة القانونية النيابية محمد جاسم الخفاجي، في بيان له الجمعة ورد لشبكة "انفوبلس"، إن "منح الجواز الدبلوماسي مرتبط بالوظائف الدبلوماسية والوظائف العامة ذات الطبيعة السيادية وينتهي بانتهاء إشغال تلك الوظيفة، لكن الامر الخطير أنه في النية تعديل قانون الجوازات ليتضمن الاحتفاظ بذلك الجواز من قبل شاغلي تلك الوظائف وعوائلهم مدى الحياة، لا بل تعدى ذلك من خلال منح المتقاعدين منهم وأزواجهم وأولادهم هذا الامتياز لمن شغلوا تلك المناصب بعد عام 2003 وبأثر رجعي".
واعتبر الخفاجي "تعديل هذا القانون وفق هذه الكيفية يتنافى ومبادئ العدالة الاجتماعية التي تقتضي تحقيق المساواة في التعامل بين المواطن والمسؤول، بل ويعمل هذا التشريع على زيادة أزمة الثقة بين الحكومة والمواطن".
وتابع النائب عن كتلة "إشراقة كانون" القول، إن كتلته سجلت اعتراضها ورفضها "على مقترح التعديل الخاص بقانون جوازات السفر الوارد في جلسة يوم غد السبت جملة وتفصيلا، وسنسعى إلى جمع تواقيع أعضاء مجلس النواب لغرض رفض هذا التعديل".
وتساءل عضو اللجنة القانونية: "ما الغاية والمبرر من منح الجواز الدبلوماسي مدى الحياة، حتى بعد انتهاء تكليفهم بتلك الوظيفة؟ وما مبررات استمرار منح ذلك الامتياز لعوائلهم مدى الحياة؟ وما الغاية من التوسع في منح هذا الجواز لغير مستحقيه من المكلفين بوظائف عامة؟".
يذكر أن من مزايا الجواز الدبلوماسي الحصول على حصانة دبلوماسية، فيمنع الاعتقال، ويمنح الحق بمواعيد دبلوماسية ولقاءات مسؤولي الدول الأخرى وكبار موظفيها الرسميين. كما يسمح لحامل الجواز الدبلوماسي بدخول صالة كبار الزوار داخل المطارات، والتمييز في المعاملة أثناء دخوله المطار أو الدول، كما توفر شركات الطيران والفنادق خدمات فاخرة لأصحاب هذا النوع من الجوازات.
*ماذا حصل بعد هذا البيان؟
عاد عضو اللجنة القانونية النيابية محمد جاسم الخفاجي، يوم أمس السبت 20 تموز/يوليو 2024، ليقول إن مجلس النواب مضى بإجراءات تعديل قانون الجوازات ومنح امتيازات إضافية للمسؤولين، وذلك بعد انتهاء الجلسة الأولى من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثالثة ضمن الدورة الانتخابية الخامسة.
وذكر في بيان ورد لشبكة "انفوبلس"، أنه "هذا اليوم مضى مجلس النواب بإجراءات تعديل قانون الجوازات بعد إدراجه للقراءة الثانية في جدول أعماله الاول لهذا الفصل، إذ يمنح هذا التعديل امتيازات إضافية للمسؤولين وعوائلهم بمنحهم الجواز الدبلوماسي مدى الحياة، ولم تنجح مساعي كتلة إشراقة كانون من جمع التواقيع الكافية لسحب القانون واعترض نواب الإشراقة في أكثر من مداخلة على المضي بالتعديلات التي تمنح امتيازات غير مبررة".
وبين، أن "رئاسة مجلس النواب قد أدرجت هذا القانون في جدول أعمال جلسة السبت والتي تعد باكورة أعمال المجلس في فصله التشريعي الثاني وكان الأجدر بها أن تمضي بإجراءات إلغاء الامتيازات الواردة بالقوانين والأنظمة السابقة وإدراج مشاريع قوانين أكثر أهمية تلبي حاجة المواطنين وتلامس اهتمامهم لإعادة الثقة بالمؤسسة التشريعية التي ضعفت جراء تلك الممارسات".
وبعد تدقيق فريق شبكة "انفوبلس" تبين فعلاً أن مجلس النواب أنهى في جلسته التي عقدها، السبت، تقرير ومناقشة مقترح قانون التعديل الاول لقانون جوازات السفر رقم (۳۲) لسنة 2015 رغم اعتراض ورفض بعض النواب على ذلك.
ووفقا للتعديل فإن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الاتحادية العليا وأعضاءها ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الإقليم ورئيس مجلس وزراء الإقليم ونواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء ونواب رئيس مجلس النواب الاتحادي ونواب رئيس مجلس وزراء الإقليم وأعضاء مجلس النواب ووزراء الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورئيس ديوان مجلس الوزراء والمستشارين في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء وممثلي السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمُلحقين الفنيين ومساعديهم من العراقيين العاملين في المنظمات العربية والدولية الحكومية، سيحصلون جميعاً على جوازات سفر دبلوماسية.
وسيشمل القانون الجديد أيضاً المتقاعدين من الفئات المذكورة في الفقرات السابقة، وأولادهم الذين يعولونهم قانوناً.
وحصلت شبكة "انفوبلس"، على نسخة من مقترح تعديل القانون ومنح الجواز الدبلوماسي في الصور:
ويؤكد نواب آخرون في البرلمان العراقي وخبراء قانونيون أن الجواز الدبلوماسي بات يعطى "خارج السياقات" ولـ"غير مستحقيه" ما أضعف من دبلوماسية الجواز وقلّل من قيمته، واصفين ما يحدث بأنه "إهانة" لهذا الجواز الذي يمثل صفة رسمية لحامله.
ويشدد النواب والخبراء على ضرورة مراجعة وتعديل قانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015 ليكون منح الجواز لمن يستحق "لا لعوائل الأشخاص وأولادهم وكأنه تركة أو إرث"، فهذا يخالف اتفاقية فيينا لعام 1961.
*أصداء أخرى على التعديل
يعود الاهتمام بالجواز الدبلوماسي إلى "ضعف الجواز العراقي الذي يعتبر من أضعف الجوازات التي تمنح لها تأشيرة في العالم، فهو يأتي بالمرتبة قبل الأخيرة بعد الجواز الأفغاني بتسلسل 110 من أصل 111، لذلك لا يحصل الجواز العراقي في الغالب على تأشيرة لدخول دول العالم، لذلك يتم اللجوء إلى الجواز الدبلوماسي لهذا الغرض"، وفق المحلل السياسي، أحمد الياسري.
وقال الياسري، "كما أن الجواز الدبلوماسي نوع من أنواع الوجاهة والفساد أيضاً، وأصدرت وزارة الخارجية 4500 جواز دبلوماسي خارج السياقات لفنانين وفاشنيستات، ما أضعف من دبلوماسية الجواز"، مؤكدا، أن "الجوازات الدبلوماسية تمنح بقرارات وقوانين خاصة ولشخصيات خاصة كسفراء وغيرهم، وهو ما معمول به في دول العالم، لكن في العراق الأمر مختلف، أما لجوء النواب له فهم عندما يسافرون إلى خارج العراق يتيح الجواز الدبلوماسي لهم حرية الحركة بين بلدان العالم".
الى ذلك، اعتبر النائب ياسر الحسيني منح جوازات دبلوماسية الى الوزراء والنواب مدى الحياة وبأثر رجعي أمر غير مبرر ويجب إيقافه. وقال الحسيني إن "هذا القانون سيزيد الفجوة بين السلطة التشريعية والمواطن ويجب العمل على رفضه" مشيرا الى أن "جلسة السبت شهدت جمع تواقيع نيابية لسحب هذا القانون".
وأضاف، "أبدينا اعتراضنا على هذا القانون كونه سينسف فرضية العدالة الاجتماعية وهذا الجواز يجب أن يمنح الى الفئات المكلفة بالخدمة عامة وبالوظائف الدبلوماسية ليس إلا"، كاشفا أن "هناك 42 ألف جواز دبلوماسي ممنوح الى موظفين خارج العملية السياسية"، مطالبا، "الخارجية النيابية لمتابعة الموضوع وسحبها من غير المستحقين باعتبار ذلك وجهاً من أوجه الفساد".
وتساءل نشطاء عما إذا كان هذا التعديل يمثل انتقاماً من مجلس النواب ضد السلطة التنفيذية بوضع استحقاق لهم بموجب إضافة مادة قانونية جديدة، وهو سؤال يعكس شكوكاً حول النوايا الحقيقية وراء هذا التعديل وما إذا كان يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية لأعضاء مجلس النواب.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل، مهند الجنابي، أن "التوجه نحو تعديل القانون يؤكد بما لا يقبل الشك أن المصلحة الشخصية حاضرة، خاصة وأن مجلس النواب لديه سوابق بشأن ذلك، إذ شرع سابقاً عددا من القوانين التي لا تخدم أحداً من الشعب إلا أعضاء المجلس".
وأضاف الجنابي، أن "النائب أقسم بالحفاظ على النزاهة والشرف، لكن ما يحصل حالياً لا نرى شيئاً من هذه المفاهيم التي تلاشت، حتى أصبحت التشريعات تتجه للمصالح الشخصية لا المنفعة العامة، في وقت تبقى عشرات القوانين على رفوف النسيان دون الالتفات إليها، رغم أهميتها".
ويعتبر كثيرون أن تشريع القوانين لتحقيق مصالح شخصية يعد من العيوب الكبيرة للنظام السياسي في العراق، والبرلمان تحديداً، إذ ليس من المعقول أن يشرّع عضو مجلس النواب قوانين على مقاساته ولأغراضه الشخصية فقط، خاصة وأن هذا التصرف يؤكد عدم التزام النواب بالمصلحة العامة واستغلالهم للمنصب لتحقيق مكاسب خاصة.
وتساءل معلقون عراقيون، وسياسيون مستقلون، عن سبب هذا التوجه، مؤكدين أن هذا التعديل يمثل استغلالاً للمنصب، ويعكس مساعي النواب لتحقيق مصالح شخصية لهم ولأسرهم.
أنواع الجوازات
وجوازات السفر في العراق على 4 أنواع وفق القانون، وهي: دبلوماسي وخاص وجواز خدمة وعادي. يمنح الأول من قبل رئيس الحكومة أو وزير الخارجية للوزراء والنواب والعاملين في السلك الدبلوماسي، بقصد تسهيل أدائهم لمجموعة من الأعمال المهمة التي تخدم مصالح الدولة.
وللمهمات الرسمية يمنح جواز السفر الخاص، ويشمل رجال السلك الإداري في وزارة الخارجية، بناء على طلب كتابي من الوزير المختص لموظفي المرتبة السابعة فما فوق، الذين ينتدبون إلى الخارج في مهمات رسمية مؤقتة لا تزيد على 6 أشهر.
ويمنح جواز سفر الخدمة لكبار ضباط الجيش والشرطة والشخصيات العسكرية والأمنية، ممن يرسلون ضمن وفود إلى دول أخرى بهدف التدريب أو للمشاركة في دورات أو مؤتمرات أو ورشات. أما جواز السفر العادي فيمنح للمواطنين العاديين، ويكون نافذا لمدة 8 سنوات، وقابلا للتجديد وفق الشروط والضوابط المعمول بها.