تغييرات بخريطة العراق.. استحداث محافظات جديدة بين المطالبات الشعبية والتبعات الاقتصادية
انفوبلس..
لأكثر من 45 عاماً، حافظت الخريطة الإداريَّة للعراق على وضعها من دون تغيير، فمن 8 ألوية إلى 13، ثم إلى 14، وأخيراً 18 في عام 1977، حيث كانت محافظة دهوك آخر محافظة يتم استحداثها، وجلسة مساء الأمس، أنهى مجلس النواب القراءة الأولى لاستحداث المحافظة الـ 19، وهي محافظة حلبجة شمالي العراق.
يوم الاثنين 13 آذار/ مارس الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الموافقة على تحويل مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
وفي حال تم التصويت النهائي في المجلس النيابي واعتبارها محافظة بشكل رسمي ستكون المحافظة الرابعة ضمن الحدود الإدارية لإقليم كردستان وهذا ما يفتح ملفات شائكة عديدة مثّلت طوال عقود ماضية مشاكل مستمرة بين حكومات المركز والإقليم.
بعد موافقة مجلس الوزراء وتصويت مجلس النواب ارتفعت أصوات عديدة في العراق للمطالبة باستحداث محافظات أخرى، حيث دعا عضو لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، جواد اليساري، إلى استحداث محافظات جديدة، ولا سيما في المنطقة الجنوبية، كما دعا إلى استحداث نواحٍ جديدة، وترفيع النواحي القديمة إلى أقضية.
وقال اليساري، إنَّ "العراق يحتاج إلى استحداث محافظات جديدة بسبب زيادة عدد السكان وتقادم النظام الإداري، إذ إنَّ بعض المحافظات الجنوبية تحتاج إلى شطر، مثل شمالي محافظة واسط، والمنطقة الواقعة بين محافظات كربلاء والحلة والنجف، وكذلك البصرة". وأضاف، إنَّ الهدف هو "تخفيف الزخم السكاني، وهذا حق مشروع ولن تؤثر هذه المحافظات الجديدة في وحدة البلاد".
وتابع اليساري: "يجب ترفيع النواحي إلى أقضية واستحداث نواح جديدة، وقد خاطبت وزارة التخطيط باستحداث نواح جديدة ورفع نواح إلى أقضية حسب المعايير المعتمدة"، مؤكداً أنَّ "شروط استحداث محافظة جديدة متوفرة في العديد من الأقضية".
وأكد عميد مركز التخطيط الحضري والإقليمي للدراسات العليا، د. كريم حسن علوان أنَّ استحداث محافظات جديدة يهدف إلى تقديم الخدمة، مع وجود معايير محددة لابد من توفرها.
وقال علوان: "يعتمد استحداث محافظات جديدة على عدد السكان، لأنَّ الهدف من الوحدات الإدارية هو تقديم الخدمة داخل المدينة أو المحافظة، وذلك حسب معايير تحدد عدد السكان والوحدات الإدارية التي تستوعبها"، وأضاف "أحياناً ترتبط الأمور بمقدار ما ينفق حجم الوحدة الإدارية، إضافة إلى وجود عوامل أخرى مثل التراث وغيرها".
وتابع، إنَّ "التصميم وتخطيط المدن متغيران زمانياً ومكانياً ولا توجد معايير ثابتة، لأنَّ الهدف الأساسي هو خدمة الإنسان للوصول إلى مدن مبتكرة وذكية وهو ما يتجه إليه العالم".
ويضيف متابعون بعض الشروط التي يجب أن تتوفر قبل أن تُستحدث أي محافظة جديدة، إضافة إلى وجود مخاوف من تهديد النسيج الاجتماعي المستقر لبعض المحافظات.
وقال الكاتب والصحفي، سلام الزبيدي: "لا بد من توفر بعض الموارد قبل استحداث أي محافظة، لكي تستطيع من خلالها النهوض، وعدم الاعتماد فقط على ما تخصصه الحكومة المركزية من حصص في الموازنة، إذ لا بد أن تتمتع المحافظة بمنفذ حدودي أو مطار أو أي مورد آخر يدرّ أموالاً على المحافظة المستحدثة".
وأضاف، إنه "مع ذلك، فإنَّ الدستور العراقي لم يمنع أو يعارض في بنوده استحداث محافظات جديدة، وإنما كفل أن يعيش الفرد بأمان وحرية تامة تحت ظل القانون"، ولفت إلى أنَّ "بعض الأقضية تشعر بأنها مغبونة من المحافظات التي تقع ضمن حدودها، فمن الطبيعي أنها تعمل على المطالبة بالانشطار والعمل على النهوض بواقعها وتطوير بناها التحتية وإنشاء المؤسسات الحكومية، ولا سيما الأقضية الكبيرة".
وحذر الزبيدي من أنَّ "هذا الإجراء سيؤدي إلى العبث بالنسيج السكاني لبعض المحافظات التي تتمتع منذ مئات السنين بتنوع مكوناتها، ويرسّخ مفهوم بناء محافظات على أُسس عِرقية وطائفية ومكوناتية، وهذا من شأنه أن يزيد من حالة التفكك التي يعمل العراق على رأب صدعها والحيلولة دون تفشيها في جميع المحافظات، ولا سيما في الموصل وكركوك وصلاح الدين".
بعد أكثر من تسع سنوات على موافقة مجلس الوزراء العراقي على إنشاء أربع محافظات عراقية جديدة في مناطق مختلفة من البلاد، تضم أغلبها مكونات دينية وقومية تُعد من الأقليات، عاد الحراك مجدداً لتفعيل هذا الملف من قبل الأخيرة.
وكان مجلس الوزراء العراقي قد وافق في يناير (كانون الثاني) 2014 على مشروع قانون تحويل قضاء تلعفر بمحافظة نينوى، ذات الأغلبية التركمانية إلى محافظة، وإحالته إلى مجلس النواب العراقي حينها، كما وافق من جهة المبدأ على تحويل قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار، وقضاء الطوز في صلاح الدين، وسهل نينوى في محافظة نينوى إلى محافظات بعد استكمال بعض المتطلبات الإدارية.
محافظات للأقليات
ويبدو أن الوضع السياسي والأمني في بعض الأقضية المقترح تحويلها إلى محافظات استدعى التحرك من جديد لتفعيل هذا الملف، خصوصاً مع تسلّم ملفي الأمن والإدارة في قضاءي الطوز في صلاح الدين وتلعفر في نينوى من قبل الغالبية التركمانية فيها منذ انسحاب قوات البيشمركة من الأول ومن محيط الثاني في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وينطبق الأمر نفسه على مناطق واسعة من سهل نينوى التي أصبحت إدارتها الأمنية والمناصب الإدارية بيد الشبك والمسيح بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية منها، عقب تقدّم القوات العراقية في هذه المناطق في العام نفسه. ودخلت على الخطط أخيراً مطالبات قوية من زعماء إيزيديين بارزين بتحويل قضاء سنجار ذي الأغلبية الإيزيدية إلى محافظة تُدار من قبلهم، بالتعاون والتنسيق مع الحكومة المركزية.
القيادي المسيحي يونادم كنا، أشار إلى أن الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية عرقلت تشكيل محافظات جديدة، لافتاً إلى "أن المطلب ما زال موجوداً وبانتظار التخصيصات". ويضيف، "الظروف المادية والأمنية والسياسة ومنها دخول داعش وتذبذب أسعار النفط، وكذلك المشكلات الموجودة المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، عرقل تشكيل محافظات جديدة، إلا أن احتمال إنشاء تلك المحافظات ما زال قائماً، ولكنه مشروط بتحسّن الأوضاع في البلاد، لا سيما الاقتصادية".
ويوضح كنا، أن "هناك قراراً حكومياً صريحاً بتشكيل عدد من المحافظات". لافتاً إلى، "أن هناك محافظات يمكن إنشاؤها كما هو الحال في الفلوجة، إلا أنها بحاجة إلى قرار حكومي، وأن تعثر إنشائها متعلق بالجانب الأمني والمادي".
وشدد على ضرورة إنشاء محافظة في سهل نينوى، التي تضم عدداً من المكونات بينها مسيحيون، كونه سينعكس بصورة إيجابية على واقع المحافظة، لا سيما في قضية تحسين الوضع المعيشي وتقليل نسبة البطالة". مشيراً إلى، "تعرّض مكونات سهل نينوى، خصوصاً المسيحيين، إلى التهميش سابقاً على صعيد الأعمال".
الخلاف على الحدود الإدارية
بدوره، أرجع النائب السابق عن المكون التركماني نيازي معمار أوغلو عدم إنشاء محافظات جديدة إلى الخلاف بين المحافظات على الحدود الإدارية، والخلاف بين بغداد وأربيل حول المناطق المتنازع عليها. ويضيف، "هناك أسباب عدة منها عدم أهلية بعض الأقضية لتكون محافظات، فضلاً عن الصراع القومي والسياسي بخصوص قضاءي طوز خوروماتو وتلعفر". لافتاً إلى، أن "هناك مخاوف من أن تشكل القومية التركمانية إقليماً مستقبلياً وتكون مصدر قلق للآخرين، إذا ما تم ضم تلعفر وطوز خورماتو وكركوك في محافظة واحدة".
وأضاف أوغلو، أن" قضاءي تلعفر وطوز خوروماتو يمتلكان كل المقومات للتحول إلى محافظتين مثل المقاطعات الزراعية والنواحي والأقضية، وبعدهما الكبير عن مركزي محافظتي الموصل وصلاح الدين". لافتاً إلى، "أن الملف جاهز وهو في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء".
وبحسب أوغلو، "فإن سكان طوز خورماتو في حال تحويلها لمحافظة وبعد إلحاق بعض النواحي لها سيبلغ 350 ألف نسمة، غالبيتهم من التركمان، فيما سيكون عدد سكان تلعفر 700 ألف جميعهم من الأقلية ذاتها".
ويؤكد أوغلو، "أن قضاء طوز خوروماتو يحتوي على مكامن للنفط والغاز، فضلاً عن كونه موقعاً استراتيجياً يربط المناطق الشمالية ببغداد، إضافة إلى أن قضاء تلعفر قريب من الحدود التركية - السورية، وهناك خطط لفتح منفذ حدودي مع أنقرة". مشيراً إلى، "تحويل كل من تلعفر وطوز خوروماتو إلى محافظتين مستقلتين، سيُلبّي طموح التركمان الدستوري". ويحذر نيازي من أن انصهار المكون التركماني مع قوميات العراق المختلفة، إذا لم تكن لهم استقلالية أو محافظة تضم أغلبيتهم، فسيشكلون ثقلاً كبيراً".
الأموال تقلق الحكومة
ويرى وزير شؤون المحافظات الأسبق وائل عبد اللطيف "أن القوى السياسة غير قادرة على تطبيق الدستور والقانون"، معتبراً أن اهتمام الحكومات السابقة بالجانب الأمني جعلها تهمل نظيره الإداري والتنموي والاستثماري. ويضيف، "عدم تطبيق الحكومات المتعاقبة للقانون الذي أصدرته بتحويل بعض الأقضية إلى محافظات يرجع إلى تخوفها من المصاريف التي يطلب تحويلها من خلال زيادة المصارف على المناصب الإدارية المستحدثة، وزيادة سلطات المحافظات التي تتطلب زيادة مخصصاتها".
وينص قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008، على "أن عملية استحداث المحافظة يتطلب تأييد رؤساء الوحدات الإدارية (الأقضية والنواحي) المراد انضمامها إلى المحافظة المقترحة، وتأييد ممثلي المحافظتين من أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة، وتأييداً عاماً من وجهاء وشيوخ العشائر في المدن والقرى التي ستنضم إلى المحافظة".
مطالبات جنوبية
وطالب عبد اللطيف بتحويل قضاء الزبير بمحافظة البصرة إلى محافظة، كون عدد سكانه يبلغ مليون نسمة، وأشار إلى أن القضايا الاقتصادية والسياسية تمنع تحوّل القضاء إلى محافظة، فضلاً على أن الحكومة ما زالت تحتكم إلى المركزية الإدارية. وأوضح كذلك أن القياسات العالمية تشير إلى ضرورة أن يكون لكل 750 ألف نسمة محافظة، من أجل سهولة تلبية حاجاتهم وتقديم الخدمات لهم، متوقعاً أن تضطر الحكومة إلى استحداث محافظات مستحدثة بعد زيادة الضغوط عليها من أجل إنشاء أقاليم جديدة، كما هي المطالب بتشكيل إقليم الأنبار أو إقليم البصرة.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت في (يوليو) تموز 2019 عن شروعها في درس إمكان استحداث محافظتين جديدتين في العراق، مبينة أن المحافظتين الجديدتين المقترح استحداثهما هما محافظة الشامية، وهي قضاء تابع لمحافظة الديوانية، ومحافظة الصويرة وهي قضاء تابع لمحافظة واسط.