دستور 2005.. نظام سياسي جديد بعد عشرات الانقلابات الدموية: نماذج من انتقال السلطة في العراق
انفوبلس/ تقرير
بعد سقوط النظام السياسي في العراق في عام 2003 ودخول القوات الأجنبية إلى العاصمة بغداد، بدأت مرحلة جديدة ونظام سياسي جديد يحكم البلاد بصورة مختلفة عن وضعه السابق وبالتحديد منذ قيام الجمهورية عام 1958.
نصّت المادة الأولى من الدستور الجديد الذي أقرّه العراقيون في استفتاء شعبي في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 بنسبة تجاوزت 78% من الأصوات على أن جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي اتحادي.
في حين نصّ الباب الثالث من الدستور في مادته رقم 45 على أن السلطات الاتحادية تتكون من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهامها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
*العراق قبل دستور 2005
منذ تشكيل الدولة العراقية عام 1921 إلى عام 2003، نشأ الصراع والتنافس السياسي على السلطة بين القوى السياسية المختلفة في داخل النظام السياسي الملكي وحتى النظام الجمهوري، كما أن ضعف الشرعية الدستورية لم تؤدِّ فقط إلى طول أو قصر مدة بقاء رؤساء الدول في السلطة، سواء من خلال تعيينهم كرؤساء مدى الحياة أو من خلال تكرار انتخابهم لمرات غير محددة، وإنما أدى أيضاً إلى عدم تمكّن العديد من الرؤساء من البقاء في السلطة ضمن الفترة القانونية، وذلك من خلال قيام التعاقب المضاد على السلطة. فقد مثّل أسلوب القوة وحكم الأمر الواقع إحدى الوسائل المهمة لتولي السلطة في العراق، ويتحقق هذا الأسلوب أما من خلال الثورة أو من خلال الانقلاب العسكري، وغيرها من الوسائل غير السلمية، حيث كان لظهور الجيش كقوة داخل المجتمع العراقي، نتيجة لإفساح المجال له بلعب دور سياسي، في إدارة الصراعات السياسية وأن يكون له دور في هذا الصراع، وخصوصاً في العام 1936 وصولاً إلى العام 1958، وما تلاها وصولاً إلى العام 2003، والذي عكس بالتالي عدم إفساح المجال للمشاركة السياسية الديمقراطية للشعب. وأيضاً فإن تميز العراق بالتعددية الاجتماعية ذات الطبيعة العرقية والدينية والثقافية، والتي هي إحدى الخصائص التي تدفع إلى تفاقم مشكلة التعاقب على السلطة وتأثيرها في الاستقرار السياسي، والتي فشلت الأنظمة السياسية في العراق من حلّها. غير أن ما مُنيت به الدولة العراقية منذ تشكيلها عام 1921 من المصاعب والمشاكل الجسيمة ذات الصبغة السياسية، ومنها مشكلة التعاقب على السلطة وانعكاسها بالتالي على الاستقرار السياسي.
ومنذ احتلال العراق عام 2003، دخل البلد مرحلة جديدة، تتطلب تأسيس نسق واضح المعايير من الديمقراطية لبناء صيغ جديدة للتعاقب على السلطة، وذلك من خلال الاستناد إلى مبدأ التداول السلمي للحكم، إذ توجد هنالك حقيقة جوهرية تتمثل في (أن التحوّل الديمقراطي لن يؤدِّ إلى ممارسة ديمقراطية سريعة وراسخة ومن ثم الوصول إلى الاستقرار السياسي، إلا إذا ارتبط بوضع أُسس وقواعد وآليات ثابتة لتعاقب القوى السياسية العاملة في ساحة العمل السياسي على السلطة السياسية)، وعليه وضع أسس وقواعد وآليات ثابتة ومقبولة في العراق لتعاقُب القوى السياسية العاملة في ساحة العمل السياسي، ومن أجل أن يأخذ التحول الديمقراطي مداه ينبغي توفير أسسه المبدئية والمؤسساتية والإجرائية على صعيد بنية السلطة السياسية ومزاولتها وانتقالها من قوة سياسية إلى أخرى. حتى أن مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق سابقة للتغيير الذي حدث بعد 2003.
إن المفهوم العام والبسيط للتعاقُب على السلطة هو: (انتقال المنصب السياسي إلى شخص آخر سواء كان شاغل المنصب رئيسا للجمهورية أو للوزراء في النُّظم الرئاسية والبرلمانية)، وهي عملية تختلف طبقاً لنوع النظام السياسي والأساليب الدستورية المتّبعة، فإذا تمت عملية الانتقال طبقاً لما هو متعارف عليه دستورياً فإن ذلك يُعد مؤشراً حقيقياً لظاهرة الاستقرار السياسي ويُعد تداولا سلميا للسلطة، أما إذا تم عن طريق الانقلابات والتدخلات العسكرية فهذا يُعد مؤشرا على عدم الاستقرار السياسي.
إن التداول السلمي للسلطة هو مبدأ ديمقراطي، لا يمكن وفقه، أن يبقى حزب سياسي في السلطة إلى ما لا نهاية، ويجب أن يُعوّض بأحزاب سياسية أخرى، جاء بها الاقتراع العام إلى السلطة، وان تتخلّى القوى السابقة عن السلطة لكي تدخل في المعارضة ربما إلى حين.
ولا شك أن مبدأ التداول السلمي للسلطة، يُعَد أحد أهم مقومات الاستقرار السياسي، أما مفهوم عدم الاستقرار السياسي والذي يعني: (حالة من التغير السريع وغير المنضبط في النظام السياسي، ويتّسم بتزايد العنف السياسي، وبتناقض الشرعية وتدنّي قدرات النظام السياسي). وبهذا فإن الاستقرار السياسي لا يمكن توفره باستخدام القوة والعنف والذي يقمع معارضي النظام، وبهذا لابد من توفر الشرعية للنظام السياسي، فإن توفر الشرعية الدستورية للنظام السياسي يُعد ركنا من أركان الاستقرار السياسي.
*انتقال السلطة في العراق قبل دستور 2005
المملكة العراقية أول حكم عراقي في العهد الحديث (من 1921 - 1958)، بدأ رسميا منذ تعيين الملك فيصل الأول ملكا في عام 1921، إلا أن البلاد لم تنَل الاستقلال إلا بعد عام 1932 لتكون من أوائل الدول العربية التي استقلت عن الوصاية الأوروبية، وتحديدا الانتداب البريطاني. بعد ثورة 14 تموز 1958 تولى العميد عبد الكريم قاسم رئاسة الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، أما شريكه في الثورة عبد السلام عارف فقد أصبح الرجل الثاني في الدولة حيث تولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. وبعد وفاة عبد السلام عارف أجمع القياديون في الوزارة باختيار عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية أمام المرشح المنافس رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز ليكون ثاني رئيس للجمهورية في العراق وثالث رئيس دولة أو حاكم بعد إعلان الجمهورية. وتم إقصاء الرئيس عبد الرحمن عارف من الحكم على إثر ثورة 17 يوليو 1968 السلمية التي اشترك فيها عدداً من الضباط والسياسيين وبقيادة حزب البعث حيث داهموا الرئيس في القصر الجمهوري وأجبروه على التنحي عن الحكم مقابل ضمان سلامته فوافق وكان من مطالبه ضمان سلامة ابنه الذي كان ضابطا في الجيش.
ثم تم إبعاد الرئيس عبد الرحمن عارف إلى إسطنبول وبقي منفيا هناك حتى عاد لبغداد في أوائل الثمانينيات بعد أن أذن له الرئيس البائد صدام حسين بالعودة ومنحه راتباً تقاعدياً. وكان أحمد حسن البكر قد أصبح رئيسا للوزراء لمدة 10 أشهر بعد حركة 1963 حيث أطاح عبد السلام عارف بحكومة حزب البعث في حركة 18 تشرين بعد سلسلة من الضغوط التي تعرض لها الحزب على خلفية أعمال العنف التي حصلت في العراق. نظّم البكر حركة 17 تموز 1968 الذي أطاح بالرئيس العراقي آنذاك عبد الرحمن عارف.
وفي سنة 1979 تولى صدام حسين رئاسة العراق بعد تنازل أحمد حسن البكر عن السلطة.
*انتقال السلطة بعد دستور 2005
في أكتوبر/ تشرين أول 2003 صدّق مجلس الأمن على قرار يصف الولايات المتحدة وبريطانيا بأنهما قوتا احتلال للعراق ويؤكد على نقل السلطة مبكرا للعراقيين. في الأول من يونيو/ حزيران 2004 تم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الذي تم حلّها فيما بعد وحل محلها الحكومة العراقية الانتقالية التي كانت من مهامها الرئيسية تهيئة الانتخابات العراقية لاختيار مجلس النواب العراقي والتصديق على الدستور العراقي الدائميين. عيّن الحاكم الأمريكي بول بريمر، غازي مشعل عجيل الياور رئيسا للعراق وذلك بعد اعتذار عدنان الباجه جي عن منصب الرئاسة.
كانت المهمة الرئيسية للبرلمان المؤقت الذي تم انتخابه هو انتخاب مجلس للرئاسة مكونا من رئيس البلاد ونائبين له حيث قام الثلاثة باختيار رئيس الوزراء الذي سيقوم بتشكيل الوزارة، تم اختيار جلال طالباني رئيسا للعراق مع غازي مشعل عجيل الياور وعادل عبد المهدي كنائبين له وقاموا بدورهم باختيار إبراهيم الجعفري كرئيس للوزراء وسُمّيت هذه الحكومة بالحكومة العراقية الانتقالية.
وفي عام 2005 حين أُجريت الانتخابات وانتُخب أول برلمان، سُمّي جلال طالباني أول رئيس منتخب للعراق لدورتين، وبعد انتهاء ولاية جلال طالباني (تُوفي قبل نهاية ولايته) انتُخب زميله في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" فؤاد معصوم رئيساً (2014 ـ 2018)، وكان معصوم قد تنافس مع الرئيس السابق برهم صالح، وقد فاز معصوم بالتصويت داخل كتلة التحالف الكردستاني، قبل توزّع الحزبين الكرديين على كتلتين.
وفي عام 2018 فاز الدكتور صالح، على مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، وفي تلك الفترة كان الرئيس الحالي الدكتور عبد اللطيف رشيد قد طرح نفسه مرشحاً مستقلاً، لكن الجولة حُسمت لصالح.
وأخيراً، عام 2022، مع اشتداد التنافس بين الحزبين الكرديين، وبروز الخلاف الشخصي بين برهم صالح ومسعود، طرح عبد اللطيف رشيد نفسه مرشحاً مستقلاً ليظفر في نهاية المطاف بالمنصب، ليكون بذلك الرئيس الخامس، والكردي الرابع الذي يتولى رمزياً أعلى منصب في الدولة العراقية.
واتسمت الفترة بعد صدور الدستور العراقي في عام 2005 بالهدوء النسبي في انتقال السلطة مقارنة بالفترة قبل عام 2003 التي شهدت العديد من الانقلابات "الدموية" والثورات.