عقدان من الجرائم الأمريكية بحق العراق وحراك نيابي لمقاضاتها وإخراج قواتها بشكل كامل
انفوبلس..
بـ57 توقيعاً، بدأ حراك نيابي بقيادة كتلة حقوق البرلمانية لمقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية على جرائمها في العراق بعد أقل من 24 ساعة على جريمة قصفها مقار تابعة للحشد الشعبي في مدينة جرف النصر شمالي بابل.
النائب عن كتلة حقوق سعود الساعدي، قال "سنقدم مشروع قانون مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية لارتكابها جرائم ضد العراقيين ما بين الأعوام 2003 و2023 ومن ضمنها كل العمليات الإجرامية سواء كانت استهداف المدنيين أو القطعات العسكرية والحشد الشعبي وخصوصاً ما حدث فجر يوم الأربعاء في جرف النصر".
وأضاف: "نطالب الحكومة بتنفيذ قرار مجلس النواب في 5/1/2020 بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وسيكون لكل حادث حديث حسب تجاوب الحكومة العراقية".
وفي سياق الاعتداءات الأمريكية المتكررة، كشف رئيس الحركة حسين مؤنس في لقاء متلفز عن التوجه العراقي تجاه الاحتلال الأمريكي وعدوانه المستمر على العراق وانتهاك سيادته، وذكر أن "الأمريكان يسعون الى توسعة الطوق الحامي لإسرائيل في المنطقة التي ليس لديهم صديق فيها سوى الكيان الإسرائيلي". مضيفاً، أن "امريكا جعلت العراق مركز قلق ومنطقة للتجسس على دول الجوار وأن المقاومة باتت مشروعة في ظل وجود قواعد تحتوي على قوات قتالية أجنبية".
وتابع: "التواجد العسكري الأمريكي في العراق غير شرعي وغير قانوني، وينبغي على الحكومة والكتل السياسي رفع الحرج عن موقفها تجاه الاحتلال، مشيراً إلى أن الحاجة الى مستشارين ينبغي أن يتم من خلال ملحقيات عسكرية فقط وأنه لا ينبغي تبرير الوجود العسكري الاجنبي تحت عنوان المستشارين، وأن الاستهداف الأخير أثبت أن التواجد الامريكي في العراق ليس استشاريا".
وحول الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، كشف مؤنس أن الدولار الامريكي ذاهب الى التقاعد وينبغي عدم خزن ثرواتنا به فقط، وأنه بات سلاحا للهيمنة على اقتصاديات الدول، لافتاً إلى أن كتلته لا تريد من الحكومة أن تكون "ثورية" ولكن عليها الحفاظ على سيادة البلد، مؤكداً على أن فصائل المقاومة تسعى للحفاظ على سيادة العراق.
النائب عن الإطار التنسيقي رفيق الصالحي، كشف أيضا عن وجود حراك برلماني يهدف إلى تشريع قانون "مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية".
وقال الصالحي، إن "حراكاً من نواب من كتل سياسية مختلفة يعملون حاليا على جمع التواقيع من أجل تقديم مشروع قانون يهدف الى مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية، على الجرائم التي ارتكبتها بحق العراقيين، من يوم احتلال العراق ولغاية الآن، خصوصاً بعد جرائمها الأخيرة في ناحية جرف النصر".
وأضاف، إن "الجرائم الأمريكية الأخيرة استهدفت قوة رسمية حكومية، وهذا انتهاك خطير للعراق وسيادته وتهديد أمنه واستقراره وهذا يتطلب مواقف حازمة تجاه التواجد الأمريكي، وسنعمل بكل الطرق على إنهاء هذا التواجد غير الشرعي، وسنعمل على مقاضاة واشنطن على كل جرائمها بحق العراق والعراقيين".
ملف قديم يُعاد فتحه
ويُعد ملف مقاضاة بغداد لواشنطن ليس جديدا، فعبر السنوات السابقة جرت العديد من التحركات للعمل عليه ولكنه يتوقف في كل مرة بسبب ضغوط داخلية وخارجية، ففي عام 2016 وصفت عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية د. بشرى العبيدي، ما كشفته "شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة" عن وجود وثائق حصرية، تؤكد استخدام الطائرات الأمريكية سلاح اليورانيوم المخصب، خلال غزو العراق في العام 2003، بأنه صادم وخطير ويجب التحقق من مصداقيته على الفور، لأنه يعني أن هناك جرائم حرب ارتُكبت في حق العراقيين.
وقالت العبيدي في حينها، إنه في حالة التأكد من صحة هذه الوثائق التي أعلنت عنها الشبكة، ومن المنتظر نشرها الأسبوع المقبل كاملة، فإنه يجب على جميع الجهات القانونية والداعمة لحقوق الإنسان، التحرك على الفور لمقاضاة الولايات المتحدة في المحافل الكبرى، وأمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأضافت عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، إنه "إذا ثبتت صحة هذه الوثائق، عن استخدام أمريكا لهذه المادة القاتلة والمحرم استعمالها، والتي ينص قانون المحكمة الجنائية الدولية على تحريم استخدامها، كما يعتبره الإعلان العالمي لحقوق الانسان استخدامها جريمة حرب، فإن هناك ضرورة لمقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية".
وتابعت، "الخطوة الأولى هي التأكد من صحة هذه الوثائق، فبالتأكيد هذا السلاح قد ترك أثاراً، تدل على استخدام الولايات المتحدة له، وبعدها تبدأ المنظمات الدولية والمؤسسات القانونية مقاضاة الجهة التي استخدمت هذا السلاح، مستخدمين القوانين الدولية وموادها التي تحرم استخدام مثل هذه الأسلحة السامة والقاتلة ضد المدنيين".
وأوضحت العبيدي، إنها لا تتوقع أن تُقدِم الحكومة العراقية على مثل هذه الخطوة، أي مقاضاة الولايات المتحدة على استخدامها لليورانيوم المخصب، ولكنها تتوقع أن تتولى هذه الدعوى المنظمات العراقية والدولية والمؤسسات القانونية وبعض المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى بعض المواطنين العراقيين الذين تضرروا من الأمر بأنفسهم.
واستبعدت عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، أن يستجيب المجتمع الدولي لمثل هذه التقارير، ويدين الولايات المتحدة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بدون ضغوط كبرى، موضحة أن هذه الضغوط تتمثل في الإصرار من جانب المنظمات الدولية على مقاضاة أمريكا، بجانب تركيز الضوء إعلامياً على القضية وتحويلها إلى قضية رأي عام.
وبحسب الوثائق التي ظهرت في ذلك العام، فإن "طائرات أمريكية من طراز "أيه 10"،قد شنّت ألفاً و116 غارة، استهدفت "أهدافا سهلة" كالسيارات والشاحنات ومواقع عسكرية، بأسلحة تحوي اليورانيوم المخصب ما بين شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل من العام 2003، موضحة أن اليورانيوم المخصب استُخدم أكثر من 300 ألف مرة في العام 2003 في العراق.
انتهاكات بدأت مع بدء الاحتلال
وفي عام 2004، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن التحقيق الذي وعدت الولايات المتحدة بإجرائه في سوء معاملة السجناء العراقيين يجب ألا يقتصر على صغار الجنود الذين تورطوا مباشرة في تلك الأفعال؛ بل ينبغي على الولايات المتحدة أن تحقق أيضاً مع قادة هؤلاء الجنود للتحقق مما إذا كانوا قد أمروا بارتكاب هذه الانتهاكات أو سمحوا بها عن قصد.
وتظهر الصور الفوتوغرافية التي تناقلتها وسائل الإعلام بعض أفراد الجيش الأمريكي في بغداد وهم يُخضِعون المعتقلين العراقيين للإذلال والمعاملة المهينة - وربما يرتكبون جرائم حرب. ويزعم المحامي المدافع عن أحد الجنود المتهمين أن الجنود أمروه بـ"تليين" المعتقلين قبل استجوابهم؛ وفضلاً عن ذلك، فقد زُعم أن مقاولين خاصين كانوا ضمن المشرفين على عملية الاستجواب.
وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "إن الصفاقة التي اتسم بها سلوك هؤلاء الجنود - إذ قاموا بالتقاط الصور الفوتوغرافية، ورفعوا أصابع الإبهام كناية عن الرضى والاغتباط وهم يسيئون معاملة السجناء - توحي بأنهم كانوا يشعرون أنه ليس هناك ما ينبغي أن يخفوه عن قادتهم؛ ولابد من تمحيص سلوك هؤلاء القادة بدقة وعناية للتحقق مما إذا كانوا قد خلقوا مناخاً ينعم فيه المعتدون بحصانة من المساءلة والعقاب، الأمر الذي يشجعهم على اقتراف هذه الانتهاكات".
وتظهر الصور بعض الجنود الأمريكيين واقفين مبتسمين أمام الكاميرا، وهم يضحكون بعد أن كوّموا السجناء العراقيين عُراةً على هيئة هرم أو أرغموهم على اتخاذ أوضاع مخلّة بحيث يبدون وكأنهم يمارسون أفعالاً جنسية. وتحرّم اتفاقيات جنيف لعام 1949 "الاعتداءات على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة" لأي معتقل، وأي معاملة سيئة تبلغ حد "التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية" تشكل انتهاكاً فادحاً لاتفاقيات جنيف - أو جريمة حرب.
وكان سجلُّ الولايات المتحدة في مجال معالجة حالات سوء المعاملة المزعومة للمعتقلين على أيدي أفراد الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان هو أمر يبعث على القلق البالغ؛ ففي أفغانستان، كما سبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن أشارت في تقاريرها، لم تقدّم الحكومة الأمريكية بعد أي معلومات عن تحقيقاتها بشأن وفاة اثنين من المعتقلين لدى القوات الأمريكية في قاعدة باغرام الجوية قبل أكثر من عامين، وقد أُعلن رسمياً أنهما قُتلا في الحجز. كما أن الولايات المتحدة لم تستجب بصورة كافية لادعاءات عن انتهاكات أخرى تعرض لها المعتقلون لدى القوات الأمريكية في أفغانستان، بما في ذلك حالات الضرب، والحرمان الشديد من النوم، وتعريض المعتقلين لأشد درجات البرودة.
وفي العراق، عوقِب مقدَّم في الجيش الأمريكي بغرامة، كإجراء تأديبي، بعد أن اعترف في أغسطس/ آب بأنه هدد بقتل معتقل عراقي، وأطلق عياراً نارياً بالقرب من رأس الرجل أثناء استجوابه بعنف، ولكنه لم يخضع لمحاكمة عسكرية. وفي يناير/ كانون الثاني، فصل الجيش الأمريكي ثلاثة من جنود الاحتياط لقيامهم بإساءة معاملة المعتقلين في معسكر اعتقال بالقرب من البصرة جنوبي العراق.
وقال روث، "من الواضح أن الولايات المتحدة لم تولِ قضية إساءة معاملة السجناء القدر الكافي من الجدية؛ وهذه الصور المقززة من العراق تظهر ضرورة إجراء تغييرات منهجية في معاملة السجناء على الفور".
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إن ما زُعم من ضلوع المقاولين الخاصين في حوادث سوء المعاملة يمثل بُعداً آخر من المشكلة يتعين إجراء تحقيق بشأنه، ومما يبعث على قلق المنظمة أن هؤلاء المقاولين يكادون يكونون بمأمن تام من أي مساءلة أو عقاب على أفعالهم - فشروط عملهم مع الجيش الأمريكي تمنحهم حصانة من المقاضاة أمام المحاكم العراقية، وهم لا يخضعون لتسلسل القيادة العسكرية، ومن ثم فلا يجوز تقديمهم لمحاكمة عسكرية، ولا تجوز مقاضاتهم أمام المحاكم الأمريكية. ورغم هذا، فإن الولايات المتحدة تظل بموجب اتفاقيات جنيف هي المسؤولة عن أفعال مَن يديرون منشآت الاعتقال، سواء كان هؤلاء من الجنود النظاميين أم جنود الاحتياط أم المقاولين الخاصين.
وقال روث، "إذا كان البنتاغون يسعى لاستخدام المقاولين الخاصين للقيام بمهام عسكرية أو استخباراتية، فعليه أن يضمن خضوعهم للقيود القانونية، أما السماح لهم بالعمل في فراغ قانوني فهذا بمثابة دعوة لارتكاب الانتهاكات".