فرصة تاريخية أمام الكرد لزحزحة الديكتاتورية.. هل تستغل الأحزاب الكردية انسحاب بارزاني من انتخابات الإقليم؟
انفوبلس/ تقرير
يشكل انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان والمقرر إجراؤها شهر حزيران المقبل، فرصة "تاريخية" للأحزاب الكردية لزحزحة الديكتاتورية الموجودة في أربيل ودهوك منذ سنوات طويلة وخلّفت مشاكل وقضايا أضرَّت الشعب الكردي.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أسباب الانسحاب وتداعياته على الساحة السياسية الكردية
*إعلان الانسحاب
أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني، اليوم الاثنين 18 مارس/ آذار 2024، مقاطعة الانتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان والمقرر إجراؤها في حزيران المقبل، فيما هدد بمغادرة العملية السياسية في العراق في حال عدم التزام ائتلاف "إدارة الدولة" بتنفيذ الاتفاقات.
جاء ذلك في بيان صدر عن المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني حول قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق بشأن انتخابات إقليم كردستان، وورد إلى شبكة "انفوبلس".
يقول المكتب في البيان، إنه "بعد نقل ملف انتخاب برلمان كردستان الى المحكمة الاتحادية العليا وقيام المحكمة المذكورة بتأخير النظر في الدعوى لمدة طويلة دون مسوغ قانوني ودون مراعاة الحقوق الدستورية لشعب إقليم كردستان في ضرورة الإسراع في إجراء انتخاب مؤسسة هامة كالبرلمان، ومن ثمة إصدارها لقرارها بالعدد (83 وموحدتيها 131 و 185/اتحادية/2023) بتأريخ 21 شباط 2024، وتحديدا بعد صدور القرار بحيثياته حول قانون انتخاب برلمان كردستان والذي تضمن تفاصيل الخروقات الدستورية بحق الإقليم وهو امتداد لسلسلة من قراراتها غير الدستورية ضد الاقليم وذلك خلال السنوات الأربع الماضية، وفي نفس الوقت فإن الذي لاحظناه في القرار، وهذا ما حذرنا الرأي العام منه في حينه، أنه عبارة عن خرق فاضح وخطير للدستور وإجهاض للنظام الديمقراطي في الإقليم، ومحاولة للعودة بالعراق الى نظام الحكم المركزي".
ويبين أن "هذه الخروقات يمكن ملاحظتها في الأمور التالية:
1- قيام المحكمة الاتحادية بتعديل المحاور الاساسية الهامة لقانون انتخاب برلمان كردستان وذلك في المواد الخاصة بتحديد نظام الدوائر الانتخابية وكوتا المكونات وعدد المقاعد والجهة المشرفة على الانتخاب والجهة المختصة بالبت في الطعون الانتخابية اضافة الى خرقها للمادتين (117 و 121) من الدستور الخاصتين باستقلالية المؤسسة التشريعية في الاقليم، وفي نفس الوقت خرقها الفاضح للمادة (6) من الدستور التي تؤكد على التداول الديمقراطي للسلطة وفق الأسس والطرق الدستورية في الوقت الذي تعتبر هذه التعديلات سبباً لتشويه النظام الديمقراطي.
2- قيام المحكمة الاتحادية بإلغاء مقاعد كوتا المكونات في قانون انتخاب برلمان كردستان أدت الى خرق إحدى ضمانات إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تؤمن فرص المساواة والعدالة في الاقليم، لأنه إضافة الى كونه خرقا لرغبة وإرادة مواطني الاقليم في التعامل مع أمر حساس كالتعايش وقبول الآخر الذي أصبح سِمة مميزة لحالة الاستقرار والسلم الاجتماعي في الاقليم، فإنه من جانب آخر يتعارض مع المواد (49/ فقرة أولا) و (125) من الدستور وقانون انتخاب مجلس النواب ومجالس المحافظات في العراق والمادتين (2) و(25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) الذي وقَّع عليه العراق في عام 1971 وملزمة له، وجميع تلك المواد المنوَّه عنها تؤكد على مراعاة تمثيل جميع مكونات الشعب في المجالس المنتخبة ومشاركتهم في إدارة الامور العامة، سواء كان ذلك مباشرة او عن طريق ممثليهم المنتخبين.
3- إقصاء السلطة القضائية في الاقليم عن البتّ في الطعون الانتخابية التي جاءت في (الفقرة الرابعة من المادة السادسة/ مكرر) من قانون انتخاب برلمان كردستان وإناطة هذه الصلاحية الى هيئة قضائية تتبع (مجلس القضاء الاعلى) الاتحادي، تجاوز خطير على السلطة القضائية في الاقليم ويعتبر خرقا لاستقلالية الاقاليم من جهة وخروجاً على ما كان يُتبع سابقا من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي كانت تركن الى محكمة تمييز الاقليم للبت في الطعون الانتخابية.
4- تشكل القرارات المتتالية للمحكمة الاتحادية العليا انتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات، فقد وضعت نفسها مقام السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأناطت لنفسها من السلطات والصلاحيات مالم ينص علیە الدستور. خاصة حينما قررت إلغاء قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان رقم (22) لسنة 2007 مستندة الى المادة (110) من الدستور رغم عدم ورود نص خاص بالثروة النفطية فيها، مع كون الدستور قد أفرد مادة خاصة بالنفط والغاز وهي المادة (112) تؤكد صراحة كيفية إدارة الثروة النفطية بصورة مشتركة بين السلطة الاتحادية والاقاليم، كما نصت المادة (115) على صلاحية الاقاليم بالتشريع في الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم وتكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم في حالة الخلاف بينهما.
5- عدا هذه الخروقات الدستورية في قرارات المحكمة الاتحادية فإن بعض الاجراءات الاخرى غير الصحيحة في مجريات العملية الانتخابية للدورة السادسة لبرلمان كردستان تضع كامل العملية أمام علامات استفهام جدية ومنها حرمان (400) ألف ناخب والذي يعادل ما يقارب 20% من مجموع الناخبين في الاقليم والذين تم تسجيلهم عن طريق منظومة البايوميتري، من حق التصويت وذلك بحجة عدم قراءة الاجهزة الالكترونية لبصماتهم، وكذلك عدم احتساب مقاعد محافظة حلبجة بصورة عادلة.
6- بعد زوال النظام السابق، ثبت أن العراق، المتعدد القوميات، الأديان والطوائف لا يمكن أن يدار بصورة صحيحة وصحية من قبل مكون واحد لذى فإن (الشراكة، التوافق والتوازن) أصبحت أساسا لاتفاق جميع الاطراف كي يصبح العراق ملكاً للجميع ويشعر فيه المواطن بالمسؤولية، ولكن للأسف فإن سياسة الإقصاء والتدخل والتجويع وقطع الميزانية والرواتب وتطبيق مواد الدستور بصورة انتقائية، خطوات تهدف الى وتحجيم مكانة الاقليم الدستورية وأصبحت اساسا لإدارة هذه الدولة ولكن وبالرغم من ذلك لم يتوقف حزبنا عن جهود لتعديل هذا الانحراف وشكل الحكم الذي هو مخالف للدستور ولكن حكام بغداد لم يظهروا حرصهم على تعديل هذه الانحرافات الدستورية.
*تهديد مغادرة العملية السياسية في العراق
يكشف الحزب، أنه "كنتيجة للحقائق الآنف ذكرها في الاعلى وخرق بعض المواد الدستورية والأخذ بعين الاعتبار أن التشكيلة الحالية للمحكمة الاتحادية العليا غير دستورية وتريد بقرارات سياسية وغير دستورية أن تسلب المكاسب، التي نالها شعب كردستان، هنا نضع أطراف تحالف ادارة الدولة أمام مسؤولياتهم الوطنية في تطبيق الدستور وجميع بنود الاتفاق السياسي والاداري الخاصة بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وبعکسە لا یمکننا الاستمرار في العملیة السیاسیة".
ويلفت الى، انه ومن هنا يعلن للرأي العام الداخلي العراقي والدولي ومن منطلق الثقة بالنفس ودعم شعب كردستان لنا، حيث ومنذ عام 1992 ولحد الآن وفي جميع الانتخابات التي جرت، كان حزبنا محل ثقة اكثرية شعب كردستان، فإننا الآن أيضا لنا الثقة المطلقة بأنفسنا وبشعبنا بأننا القوة الاولى في كوردستان، ولكن ومن منطلق فهمنا لموقعنا ومسؤوليتنا التاريخية في المحافظة على الحقوق المشروعة لشعب كردستان ونظامه الديمقراطي والاتحادي للعراق، وعدم إضفاء الشرعية على انتخاب غير دستوري وغير ديمقراطي والوقوف أمام جميع الخروقات الدستورية التي تمارس من قبل المحكمة الاتحادية ضد اقليم كردستان ومؤسساته الدستورية عامة والتعديلات غير الدستورية لقانون انتخاب الدورة السادسة لبرلمان كردستان خاصة".
وينوه، بأنه "يرى أن من مصلحة شعبنا ووطننا عدم امتثال حزبنا لقرار غير دستوري ونظام مفروض من خارج إرادة شعب كردستان ومؤسساته الدستورية، وعدم الاشتراك في انتخاب يجري خلافا للقانون والدستور وتحت مظلة نظام انتخابي مفروض".
ووقع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، في 3 مارس آذار 2024، أمراً إقليمياً حدد فيه موعد إجراء انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كردستان، في العاشر من حزيران المقبل.
كما أصدرت المحكمة الاتحادية، يوم 21 شباط 2024، قرارات بشأن قانون انتخابات برلمان كردستان، تضمنت إلغاء مقاعد "الكوتا"، وأن تَحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بدلاً من الكردستانية.
وأنُشئت المحكمة الاتحادية العليا ـ وهي مؤسسة دستورية ـ بموجب المادة 93 من الدستور العراقي لعام 2005، وقرر مجلس الوزراء -آنذاك- تشكيلها، ويكون مقرها في بغداد تُمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها غير القانون، وهي مستقلة مالياً وإدارياً.
*الاتحاد الوطني يعقد اجتماعاً لمناقشة الانسحاب
أعلن الاتحاد الوطني الكردستاني، أن التعليق على انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من انتخابات برلمان الإقليم أمر سابق لأوانه، مؤكداً أنه سيعقد اجتماعاً للتباحث بالأمر.
ويقول القيادي في الاتحاد سعدي أحمد بيرة، إن "المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني سيعقد اجتماعاً لمناقشة قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني من انتخابات برلمان إقليم كردستان"، لافتا الى أن "الاتحاد الوطني الكردستاني سيناقش القرار بعد اجتماع المكتب السياسي".
*فرصة تاريخية
وبحسب قيادي سياسي تحدث لـ"انفوبلس"، فإن هذا الانسحاب قد شكل نقطة تحول في تاريخ إقليم كردستان والتخلص من ديكتاتورية العائلة الحاكمة البرزانية في أربيل ودهوك بطريقة ديمقراطية، لافتا الى ان على الأحزاب الكردية استغلال هذه الفرصة التاريخية والمضي قدماُ في الانتخابات من اجل الشعب الكردي من طغيان البرزانيين.
ويضيف القيادي الذي رفض الكشف عن اسمه ان رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني يمارس منذ مدة ضغوط "فاشلة" على المحكمة الاتحادية العليا واخرها القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري، مشيرا الى ان التهجم الكردي على قرارات المحكمة الاتحادية يكشف فشل النظام الحاكم هناك في تلبية متطلبات الشعب الكردي والموظفين.
ويهيمن الحزبان الكبيران المتخاصمان، الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، على الحياة السياسية في الإقليم. كما ويهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني خصوصا في أربيل، ويتولّى رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة فيه.
وحذرت شخصيات سياسية كردية من أن التأجيل المتكرر لإجراء الانتخابات سيجلب مخاطر سياسية كبيرة إلى الكيان الدستوري، الذي يتمتع به إقليم كردستان منذ أكثر من عقدين، وذلك في ظل الخلافات القائمة على قانون الانتخابات بين الأحزاب السياسية الرئيسية وخاصة بين الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.
*سياسة التجويع
في المقابل يقول الناشط في لجنة احتجاجات السليمانية ميران محمد إن، "السياسة المتبعة لحكومة الإقليم في تجويع المواطنين، وعدم الشعور بمعاناتهم ستكون له نتائج وانعكاسات سلبية.
ويوضح محمد، أن "المواطن الكردي وصل لمرحلة خطيرة من الشعور بالمعاناة، وبالتالي عدم صرف رواتب الموظفين من قبل حكومة الإقليم، رغم إرسال المبالغ من بغداد، يعد تجاوزا صريحا وتحديا لكل الأعراف والقيم الإنسانية، وأدى لشلل تام في السليمانية وباقي مدن الإقليم، مشيرا الى انه في حال عدم صرف الرواتب وتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية فأن دوائر أخرى ستضرب عن العمل، وقد يعود مشهد التظاهرات للواجهة.
وبدأت مشكلة المرتبات في إقليم كردستان من 9 سنوات نتيجة خلافات مالية سياسية مع بغداد تتعلق باتهامات أهمها اتهام بغداد لكردستان بعدم الإيفاء بحصته النفطية المحددة في قانون الموازنة الاتحادية التي تلزم الإقليم بتسليم 250 ألف برميل من نفطها إلى بغداد.