ماذا يعني فشل تمرير القوانين "الجدلية" في البرلمان ضمن "السلة الواحدة"؟.. سيناريوهات الأيام المقبلة
انفوبلس/ تقرير
تمرير القوانين الجدلية والخلافية بنظام ما يعرف بـ "السلة الواحدة"، موضوع ليس جديدا على مجلس النواب العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين إلى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية. فما الذي يجري حالياً داخل البرلمان بين الكتل السياسية؟
يشار إلى أن إقرار القوانين في سلة واحدة أمر غير دستوري وقد اعترضت عليه المحكمة الاتحادية سابقا، كما أن ظاهرة "التخادم والتنازل" في تشريع قوانين كثيرة بالبرلمان، من سمات النظام السياسي بعد 2003، إذ إن أغلب الأوقات تكون هذه القوانين بخدمة الجهات السياسية الداعمة لها، وليس الشارع العراقي، بحسب مختصين.
وتشهد الساحتان السياسية والشعبية، ترقّباً لما ستؤول إليه جلسات البرلمان المقبلة، إذ من المتوقع أن تشهد نقاشات مكثفة بشأن قانوني (العفو العام وإعادة العقارات)، وسط استمرار الخلافات بشأن بعض موادها التي قد تؤثر في إمكانية تمريره بالإجماع، ولا يبعد تعديل قانون (الأحوال الشخصية) أيضاً عن الخلافات والجدل بشأن فقراته، بينما تكثّف قيادات الكتل السياسية من اجتماعاتها لتلافي تلك الخلافات والاتفاق على تمرير القوانين.
ولم يتمكن مجلس النواب يومي الاثنين والثلاثاء (2 و3 كانون الأول 2024) من عقد جلسته وتمرير أَيٍّ من هذه القوانين بسبب اشتداد الخلافات بين القوى والكتل السياسية. وتستمر القوانين الجدلية بإثارة الخلافات السياسية متسببةً بترحيلها من جلسة إلى أخرى.
كما شهدت جلسة مجلس النواب، الاثنين، مشادات كلامية، وفوضى قرب منصة رئيس البرلمان، بعد أن عُرضت 3 قوانين جدلية خلال الجلسة للتصويت عليها، وهم الأحوال الشخصية والعفو العام، وإعادة العقارات إلى أصحابها، الأمر الذي دفع رئاسة المجلس إلى رفع الجلسة إلى الثلاثاء.
ويتصاعد الجدل داخل الأوساط النيابية حول تمرير أربعة قوانين جدلية، وهي مشروع قانون إعادة العقارات المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، والتعديل الثاني لقانون العفو العام، وقانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي هيئة الحشد الشعبي، حيث أثار ربط القوانين وفق مبدأ السلة الواحدة انتقادات برلمانية واسعة، مؤكدين أن ذلك يعزز مصالح سياسية معينة.
وصوت مجلس النواب، في 26 تشرين الأول نوفمبر الماضي، على تمديد فصله التشريعي لمدة شهر واحد، جاء ذلك إثر دعوة مسبقة من ائتلاف "إدارة الدولة"، أكد فيه على أهمية تمديد الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب، نظراً لظروف المرحلة والتحديات التي يمر بها العراق، وكذلك التأكيد على دعم خطوة تعديل إحدى مواد الموازنة العامة الاتحادية الخاصة بالنفط، إلا أن البرلمان لم يعقد أي جلسة منذ ذلك الحين.
*ترجيحات برلمانية بعدم التمرير
رجحت النائبة عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني سوزان منصور، اليوم الأربعاء، عدم تمرير جميع القوانين الخلافية خلال جلسة برلمانية واحدة المزمع عقدها خلال الأيام المقبلة.
وقالت منصور، إن "قوانين العفو والأحوال الشخصية وإعادة العقارات التي استحوذ عليها النظام السابق في كركوك، لا ينبغي التعامل معها بهذه الطريقة من التصويت، وإنما يجب التعامل مع القوانين التي تمس الفرد والمجتمع بطريقة تجعلها أن تُمرر بالطرق الصحيحة". مستدركة بالقول "وإن كانت لا تخدم المواطن، فلا يجب تمريرها مهما كانت الضغوط السياسية".
وأضافت منصور، إن "الخلافات السياسية مازالت مستمرة على تمرير هذه القوانين الثلاثة كدفعة واحدة خلال الجلسات المقبلة"، مرجحة "تمرير قانون او قانونين منها خلال جلسة البرلمان وليس جميعها، نتيجة الخلافات الكبيرة بين الكتل على قرار التمرير من عدمه".
سلبيات وإيجابيات مبدأ "السلة الواحدة"
وأوضح الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، مصطفى السراي، سلبيات وإيجابيات مبدأ "السلة الواحدة" في مجلس النواب، مبيناً تداعيات هذا الأسلوب على عمل المجلس وعلى اندماج الكتل السياسية داخل البرلمان.
وقال السراي، إن "مبدأ (السلة الواحدة) ليس بجديد على مجلس النواب، وهي ميزة لكنها في الوقت نفسه سلبية وحالة من عدم الثقة، الميزة تتمثل بتمشية مشاريع الكتل السياسية من خلال الاتفاق والتنازلات، أما السلبية فهي في عدم الثقة وخاصة في القضايا الخلافية، وأن عدم الثقة أحياناً ما بين المكونات الثلاثة (الكرد والسنة والشيعة)، وأحياناً بين الكتل نفسها داخل المكون الواحد".
وأضاف، "في جلسات البرلمان الأخيرة التي كانت وفق مبدأ نظام (السلة الواحدة)، يلاحظ أن القوانين كانت مقسمة محاصصاتياً (كردية، سنية، شيعية)، فالكرد لديهم تحفظات معينة على قانون الأحوال الشخصية لذلك ليس من مصلحتهم الدخول في جلسة منفردة للتصويت على قانون الأحوال الشخصية، لكنهم يريدون في مقابل ذلك قانون الأراضي الذي يواجه اعتراضاً من كتل سنية وشيعية، والسنة يريدون تمشية قانون العفو".
وتابع، "لذلك هذه القوانين الثلاثة وُضعت في (سلة الواحدة) لتدخل المكونات الثلاثة للتصويت عليها لعدم وجود ثقة فيما بينهم، وفي الوقت نفسه لا توجد مصلحة بالدخول منفردين والتصويت على كل قانون على حدة، وهي في الوقت نفسه ميزة بأخذ كل طرف ما يريد".
وأشار إلى أن "أسلوب (السلة الواحدة) سوف يؤدي بمجلس النواب إلى فقدان العملية النيابية الحقيقية والقيمة القانونية من تشريع القوانين، ويصير الأمر كأنما مصلحاتية فئوية صغيرة لمن يرغب بأمر معين، كما أن هذا الأسلوب اثبت فشله في الجلسات السابقة، وبالتالي سيبقى مجلس النواب في داومة لوجود أزمة حقيقية بطبيعة الاندماج ما بين الكتل السياسية داخل البرلمان".
*أبرز الاعتراضات على القوانين الجدلية؟
وتعوّل أحزاب "الإطار التنسيقي" على أغلبيتها البرلمانية في إقرار تلك التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية الذي يحظى بدعم مرجعيات دينية في النجف، وتأمين مساندة الكتل السنية التي تطالب في المقابل بإصدار قانون العفو العام عن آلاف السجناء ضمن ما توصف بأنها صفقة سياسية لتمرير القانونين معا، فيما تصر الأكراد على تمرير قانون إعادة العقارات إسوة بالآخرين.
ويواجه تعديل قانون الأحوال الشخصية اعتراضات كبيرة، إذ حذر خبراء قانونيون وناشطون مدنيون، من التعديلات التي ينوي البرلمان وضعها على القانون، وفيما أكدوا أنها يمكن أن تنسف أحد أهم التشريعات العراقية، لفتوا إلى أن التعديلات تضع سلطة المذاهب ورجال الدين في مكانة أعلى من سلطة القضاء والقانون.
كما يواجه تعديل قانون العفو العام، اعتراضات ومخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم "داعش" الارهابي، ويُعد هذا التعديل من المطالب الرئيسية لمعظم القوى السنيّة، وكان من بين أبرز الشروط التي وضعتها في مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل التصويت عليها داخل البرلمان في تشرين الأول أكتوبر 2022.
أما بشأن إعادة العقارات لأصحابها، فقد أعلنت الكتل الكردية الخمس في مجلس النواب، في أيلول سبتمبر الماضي، توحيد موقفها لدعم مشروع قانون يهدف إلى إلغاء قرارات حزب البعث المتعلقة بالأراضي الزراعية في المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ويقول نواب ومسؤولون كرد، إن مشروع القانون يخص الأملاك التي تُعاد إلى أصحابها الأصليين من الكرد والتركمان، وتمت مصادرتها بموجب 8 قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل خلال الأعوام من 1975 ولغاية 1979، وكان الهدف منها إجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق المتنازع عليها.