مجلس الأمن وثأره للكويت على حساب العراقيين.. تواطؤ عربي يفضح كواليس القرار.. وعقوبات لا يزال أثرها قائما
انفوبلس/ تقارير
خلّف قرار المقبور صدام بغزو الكويت، نهاية 1990 وبداية 1991، آثاراً ضخمة على العراق، فالأضرار لم تتوقّف على حد خسارة آلاف الجنود والمعدات الحربية، وإنما شملت تداعيات كارثية نتجت بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660 الذي صدر بتواطؤ عربي وكان بداية لتدمير العراق. انفوبلس سلّطت الضوء على تداعيات هذا القرار بذكراه الثالثة والثلاثين، وستُبين أبرز كواليسه وآثاره المدمرة على العراقيين، ومن هي الدولة الوحيدة التي لم تؤيده.
*ما هو قرار مجلس الأمن رقم 660؟
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660 في 2 أغسطس 1990، هو قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي أدان فيه غزو العراق للكويت، وطالب العراق بالانسحاب الفوري وغير المشروط إلى المواقع التي كانت عليها في 1 أغسطس 1990.
*تواطؤ عربي بإصدار القرار
اتُخذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660 بأغلبية 14 صوتا بدون أي معارضة فيما لم تشارك اليمن في التصويت. كان القرار الأول من اثني عشر قرارا بشأن النزاع تم تمريرها في عام 1990.
وتباينت ردود دول الجامعة العربية بموقفها من الحرب، الأردن أعلن رسميا تأييده للعراق (بحكم قرب ملكه من المقبور صدام) واعتبر الحرب عدوانا على الأمة العربية كما ورد في البيان الأردني، ومثلها فعلت اليمن. والدول التي تحفظت في موقفها هي الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية وموريتانيا والسودان وليبيا. أما الدول التي ساندت الكويت وقامت بالمساعدة فكانت: السعودية والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان ومصر وسوريا والمغرب.
*القوات المشاركة بتنفيذ القرار
تشكل ائتلاف عسكري مكون من 34 دولة ضد العراق لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بانسحاب القوات العراقية من الكويت دون قيد أو شرط، وبلغت نسبة الجنود الأمريكيين من الائتلاف العسكري حوالي 74% من العدد الإجمالي للجنود الذين تم حشدهم، وقد وصل العدد الإجمالي لجنود قوات الائتلاف إلى 959,600.
*القرار وبداية تدمير العراق
في الثاني من أغسطس 1990، مع إطلاق المقبور صدّام جيشه نحو غزو الكويت، وهو ما يحظره ميثاق الأمم المتحدة، كان على مجلس الأمن الدولي التحرّك باسم "الأمن الجماعي" الذي تأسس المجلس حوله. وهذا ما قام به من خلال القرار 660 المُشار إليه، والذي كان يفرض على العراق الانسحاب.
غير أنّ المجلس يفتقر إلى الوسائل العسكرية اللازمة لعمله، وذلك منذ نشأة الميثاق. كان الفصل 43 من الميثاق ينصّ على أن يحوز مجلس الأمن قوّة عسكرية مشكّلة مسبقاً تتيح له التدخل باسم الأمم المتحدة. ولمصداقية النظام، كان ينبغي إنشاء هذه القوة وإدارتها بصورة جماعية. غير أنها لم ترَ النور أبداً، إذ لم تُتِح ذلك توترات الحرب الباردة المندلعة بُعيد إنشاء الأمم المتحدة.
صار مجلس الأمن مقتصراً على التماس آراء الدول عند كل أزمة لإيجاد حلول مرتجلةً، في الحالات التي أخذت فيها هذه الحلول شكل قوات فصل (الخوذ الزرقاء) دون تكليف بالتدخل، لم يتأثر النظام.
غير أنه في كل مرة دارت المسألة، تحت غطاء الفصل السابع من الميثاق، حول فرض عقوبات عسكرية بحق دولة ما، كان القصور صارخاً. هو الحال نفسه منذ حرب كوريا عام 1950 حين تدخّل الجيش الأميركي برفقة بضع كتائب من دول أخرى. وكان الوضع نفسه مجدداً في 1990. في 29 نوفمبر، أتاح مجلس الأمن للدول الأعضاء "استخدام الوسائل اللازمة كافة" لفرض احترام القرار 660 الذي كان يطالب صدّام حسين بالانسحاب من الكويت. كان يمنحهم إذاً ضوءاً أخضر لاستخدام القوة المسلحة، ويطلب منهم فقط إحاطته علماً بانتظام.
وعلى هذه الأساس تحالفت 35 دولة لتقود منذ 16 يناير/ كانون الثاني 1991 عملية "عاصفة الصحراء". في خمسة أيام، دمّر التحالف الجيش العراقي وحرّر الكويت. غير أن الأميركيين، المتحكمين في المناورة، امتنعوا إلى ذلك التاريخ عن مواصلة الهجوم إلى بغداد لإسقاط الديكتاتور العراقي. وجرى التوقيع بالتالي على وقف إطلاق النار مع العراق في 28 فبراير/ شباط 1991.
*خيانة نصّ الميثاق وروحه
هل كانت تلك عملية للأمم المتحدة تستجيب لشروط آلية الأمن الجماعي؟ في الحقيقة، خالف المجلس نص الميثاق وروحه. استند المفسرون المتواطئون الحريصون على إظهار هذه الحرب على أنّها ترتكز إلى القانون إلى الفصل 42، وهو ينصّ على أنّه في حال لم تُنتِج العقوبات غير العسكرية أثراً (وهو ما كان واقع الحال)، يجوز حينها للمجلس "أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه".
غير أنّ هذا النص يرد مباشرة قبل الفصل الحاسم (43) الذي يُفسّره على نحو ما، موضحاً أنّه بموجب اتفاقات خاصة يتعين أن توضع القوات المسلحة للدول الأعضاء بتصرف مجلس الأمن.
ويليهما فصلان ذوا أهمية بالغة، يؤكدان أنه في حال استخدام القوة في عملية للأمن الجماعي، من الضروري أن تتنحى الدول الأعضاء لصالح الطرف الثالث المحايد، الذي يجب أن يكون مجلس الأمن. "الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب" (الفصل 46). وهذه اللجنة "مسؤولة تحت إشراف مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأي قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس" (الفصل 47، الفقرة 3).
كانت روح الميثاق واضحة إذاً، لا يمكن بأي شكل تفويض عملية أمن جماعي تشمل عقوبات عسكرية إلى دولة، أو مجموعة دول، تتحرك بحرية مع مجرد تعهد بإحاطة المجلس علماً. وإذا كانت قوات الدول الأعضاء هي التي تشكل بالفعل وحدات مهمة حفظ الأمن الجماعي للمجلس، من المحتم أن يتم "نزع الهوية الوطنية" عنها من خلال وضعها تحت قيادة دولية. وهذا هو ما نقص.
*عقوبات قاتلة
لا يمكن التصديق على حرب الخليج عام 1991 وفق القانون الدولي، لاسيما أنّه كانت ثمة فرصة سانحة أمام المجتمع الدولي لتجاوز المأزق الأساسي.
في الواقع، مع نهاية الحرب الباردة قبل ذلك بعامين، زال العائق أمام إبرام الاتفاقات الخاصة التي ينص عليها الميثاق من أجل إنشاء قوة دولية حقيقية. إنّ الإنذار النهائي الذي أُعطي لصدام حسين في 29 نوفمبر 1990 مانحاً إياه مهلة، كان يسمح أخيراً بتفعيل الفصل 43 من الميثاق الذي ينص على تشكيل قوات دولية تحت إشراف لجنة أركان حرب. لم يحصل شيء من ذلك، لأن روح التعددية في السياسة الدولية كانت قد ماتت.
مجلس الأمن الذي أقرّ عقوبات اقتصادية، بهدف إجبار العراق على الانسحاب من الكويت، مدّدها على شكل حصار قاتل للشعب
لنُذكّر أيضاً كيف أنّ مجلس الأمن الذي أقرّ بداية عقوبات اقتصادية، بهدف صريح هو إجبار العراق على الانسحاب من الكويت، مدّدها، رغم حصول ذلك، على شكل حصار قاتل للشعب. في حين أنّه كان يتعيّن رفع العقوبات، والحال أنّ الغرض منها قد تحقّق. لكن المجلس جدّدها طيلة 12 عاماً عبر قرارات تستعرض الشروط الجديدة التي على العراق الإيفاء بها، خاصة على صعيد نزع السلاح، لإنهاء العقوبات.