مقترح لحسم الرئاسات الثلاث مبكراً يثير نقاشات سياسية قبيل الانتخابات

خلاف مبكر حول الرئاسات
انفوبلس..
في مشهد سياسي معقّد يهيمن عليه التوافق والهواجس من صراعات ما بعد الانتخابات، عاد ملف الرئاسات الثلاث في العراق إلى الواجهة، قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وتُعد آلية اختيار الرئاسات الثلاث في العراق (رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، ورئاسة مجلس النواب) من أبرز ملامح النظام السياسي بعد عام 2003، ورغم أن الدستور العراقي لا ينص صراحةً على توزيع هذه المناصب وفقاً للانتماءات الطائفية أو القومية، إلا أن الواقع السياسي أفرز عرفاً يقضي بتقاسمها بين المكونات الرئيسية، حيث يتولى الأكراد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة مجلس الوزراء، والسنة رئاسة مجلس النواب، وأصبح هذا التوزيع عرفاً سائداً في تشكيل الحكومات المتعاقبة.
ويجري الحديث داخل أروقة الحكومة العراقية عن اختيار الرئاسات الثلاث بشكل مبكر، وحسمها قبل موعد الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ يبدو أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يميل إلى حسم هذا الملف الذي يخضع لمعادلات التوافق.
السوداني يطرح فكرة الحسم
لصعوبة الأمر فكرة السوداني لم تطرح بشكل رسمي داخل اجتماعات الإطار التنسيقي، ولم يكن هناك أي مشجع لأن تكون هذه الفكرة موضوع نقاش داخل اجتماعات الإطار
وفي هذا السياق، كشف القيادي في الإطار التنسيقي، حسن فدعم، اليوم الثلاثاء، عن طرح رئيس الوزراء، محمد السوداني، فكرة حسم الرئاسات الثلاث قبل الانتخابات، لكونها تتم وفق التوافق وليس على وفق نتائج الانتخابات، مؤكدا أن الإطار قد رفض ذلك قبل طرحها رسميا داخل اجتماع قادته.
وقال فدعم في حوار صحفي تابعته INFOPLUS، إن "رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، خلال حديث جانبي مع أحد أطراف الإطار التنسيقي طرح فكرة حسم الرئاسات الثلاث المقبلة من الآن، أي قبل انتخابات البرلمان، ويكون هناك اتفاق ما بين المكونات على المرشحين للرئاسات، لتجنب الصراعات والخلافات وتأخير عملية تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف، أن "هذه الفكرة رفضت بصراحة من قبل الإطار التنسيقي، كونها غير قابلة للتطبيق، فهذه الرئاسات تخضع لتوازنات الكتل وأحجامها في مجلس النواب، والقدرة على إدارة هذه الملفات، ولهذا الأمر سابق لأوانه، وبعد الانتخابات ومعرفة حجم كل كتلة مقاعدها وتحالفاتها، كما هذا الأمر ربما يتأثر ببعض المتغيرات الوطنية الداخلية وكذلك الإقليمية".
وزاد بالقول، "لصعوبة الأمر فكرة السوداني لم تطرح بشكل رسمي داخل اجتماعات الإطار التنسيقي، ولم يكن هناك أي مشجع لأن تكون هذه الفكرة موضوع نقاش داخل اجتماعات الإطار".
التسويات تسبق الصناديق
ورغم أن الانتخابات تمثل الشكل الدستوري لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان، إلا أن الواقع السياسي في العراق بعد عام 2003 رسّخ نظاماً غير مكتوب يقوم على التوافق والمحاصصة بين المكونات الرئيسية.
ومع كل دورة انتخابية، تتقدم التحالفات السياسية والتفاهمات المسبقة على إرادة الناخبين، حيث تُوزع المناصب السيادية وفق توازنات طائفية وقومية تضمن تمثيل كل مكون في هرم السلطة. وقد بات هذا النمط من التفاهم السياسي مساراً ثابتاً في تشكيل الحكومات المتعاقبة.
ومنذ أول انتخابات تشريعية في عام 2005، تعاقبت على رئاسة الحكومة شخصيات جاءت عبر تسويات الكتل لا صناديق الاقتراع، بدءاً من إبراهيم الجعفري، مروراً بنوري المالكي وحيدر العبادي، ثم عادل عبد المهدي، فمصطفى الكاظمي، وصولاً إلى محمد شياع السوداني.
لم تُبنَ أي حكومة على أساس فوز انتخابي حاسم، بل جاءت كلها نتيجة توافقات بعد الانتخابات، حيث تُعاد صياغة ملامح "الكتلة الأكبر" وفقاً لتحالفات ما بعد النتائج، لا ما قبلها. هذا النمط السياسي أسس لحالة من الإحباط الشعبي، وكرّس قناعة بأن الانتخابات لا تغير المعادلات بقدر ما تعيد تدويرها.
تقسيم المحافظات الكبرى
يرى داعمو المشروع أن تقسيم الدوائر يسهم في تعزيز التمثيل المحلي والحد من هيمنة الكتل الكبرى في بعض المناطق
وبالتزامن مع النقاشات بشأن الرئاسات الثلاث، يشهد العراق حراكاً سياسياً مكثفاً لتعديل قانون الانتخابات، وسط جدل واسع حول أهداف هذا التغيير وتوقيته.
المقترح الجديد يركز على تقسيم المحافظات الكبرى، مثل بغداد، إلى دوائر انتخابية متعددة بدلاً من دائرة واحدة، وهو ما أثار تحفظات من قبل مقربين من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يخوض الانتخابات في واحدة من أكثر الدوائر الانتخابية ثقلاً، العاصمة بغداد.
ووفقاً لهؤلاء، فإن هذا التعديل قد يُفسر كمحاولة للحد من فرص السوداني، عبر تشتيت الأصوات في مناطق نفوذه، لصالح كتل سياسية كبرى لا تنتمي إلى تحالفه، وتحديداً قوى "الإطار التنسيقي".
في المقابل، يرى داعمو المشروع أن تقسيم الدوائر يسهم في تعزيز التمثيل المحلي والحد من هيمنة الكتل الكبرى في بعض المناطق، وينص المقترح المقدم من النائب رائد المالكي على اعتماد المحافظة كوحدة انتخابية واحدة، باستثناء بغداد، والبصرة، والموصل، التي ستُقسَّم إلى دائرتين لكل منها.
وتُعد الانتخابات المقبلة، المقررة في الفترة ما بين 11 و25 تشرين الثاني/نوفمبر، واحدة من أكثر الاستحقاقات تعقيداً منذ سنوات، في ظل تصاعد الشكاوى من تأثير المال السياسي وتراجع فرص المستقلين، ما يعمّق مخاوف الناخبين من تكرار النتائج ذاتها.