من نزيهة الدليمي إلى نوخشه ناصح.. مسيرة النساء العراقيات في دهاليز السلطة

انفوبلس/..
في سابقة تاريخية، أصبحت نوخشه ناصح أول امرأة تتولى منصب "محافظ" في تاريخ العراق، بعد أن أُقر رسميًا تحويل قضاء حلبجة إلى المحافظة التاسعة عشرة في البلاد. تسلمت ناصح المنصب في 19 آذار/مارس 2025، بالوكالة، وفق قرار من حكومة إقليم كردستان، لتُسجل نقطة تحول في مشهد مشاركة المرأة العراقية بالمناصب التنفيذية العليا.
نوخشه ناصح، التي كانت قد شغلت سابقًا منصب قائممقام حلبجة، وُضعت على رأس الترشيحات منذ كانون الثاني/يناير من هذا العام، لما تملكه من خبرة إدارية وارتباط وثيق بمطالب أبناء المدينة. وبهذا التعيين، تحقق حلم نسوي طال انتظاره في بلد كثيرًا ما اقتصر فيه تمثيل المرأة على الشق الرمزي دون تمكين فعلي داخل دوائر القرار.
وصوت مجلس النواب العراقي، أمس الاثنين، على استحداث محافظة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في العراق.
وذكرت النائب عن كتلة الديمقراطي الكردستاني، إيمان عبد الرزاق، أن "مجلس النواب صوّت بأغلبية الحضور على استحداث محافظة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في العراق".
إلى ذلك، قال النائب الثاني لرئيس البرلمان، شاخوان عبد الله، خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان بحضور نواب كرد: "اليوم تم التصويت على مقترح قانون استحداث محافظة حلبجة، ونشكر النواب ورؤساء الكتل السياسية الذين وقفوا مع مشروع حلبجة".
وأضاف عبد الله، أن "استحداث محافظة حلبجة قليل بما مرت به المحافظة، والجميع يعلم أن سقوط الطاغية كان عنوانه استخدام أسلحة دمار شامل ضد سكانها، لكن رغم ذلك وللأسف هناك كتل سياسية تغيبت عن حضور الجلسة".
يشار إلى أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن في الثالث عشر من آذار/ مارس 2023، موافقة المجلس على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة وتحويله إلى مجلس النواب للتصويت عليه غير أن مجلس النواب أخفق في عقد جلسة للتصويت على القانون.
وقررت حكومة إقليم كوردستان في حزيران/ يونيو 2013 إنشاء محافظة حلبجة مقرها مدينة حلبجة وتلحق بها أقضية: حلبجة، وشهرزور، وبينجوين، وسيد صادق، وهي أقضية كانت مرتبطة إدارياً بمحافظة السليمانية، ولكن لم تعترف الحكومة الاتحادية بها كمحافظة حتى جاء تصويت مجلس النواب على استحداثها اليوم.
*محافظ حلبجة.. نقطة تأريخية
وآذار الماضي شهد إعلان وزارة الداخلية في إقليم كردستان، عن تسنم امرأة لمنصب المحافظ، في خطوة تعد الأولى من نوعها.
وذكرت الوزارة في بيان، أنه بعد صدور أمر من رئيس الوزراء مسرور بارزاني، تم تكليف "نوخشه ناصح" بمهام محافظ حلبجة بالوكالة، وجرى تسليمها مهام عملها رسمياً من قبل وزير الداخلية، ريبر أحمد.
وخلال اجتماع حضره المدير العام للديوان، قدّم وزير الداخلية تهانيه لنوخشه ناصح، متمنياً لها التوفيق في خدمة مدينة حلبجة وأهلها، وداعياً إياها لأن تكون ممثلة لجميع أبناء المحافظة، وأن تعمل على تنفيذ سياسات حكومة كوردستان بما يخدم المواطنين.
كما أعربت وزارة الداخلية عن تقديرها لدور المحافظ السابق لحلبجة، آزاد توفيق، وأشادت بجهوده وخدماته في تمثيل حكومة كوردستان والإسهام في تنمية المحافظة، متمنية له دوام الصحة والعافية في حياته بعد انتهاء مهامه الرسمية.
*موقف من نوخشه
وفي أول تعليق لها بعد الإعلان الرسمي عن استحداث محافظة حلبجة، أكدت المحافظة نوخشة ناصح أن إدارة المحافظة دخلت مرحلة تحديات، بعد استحداث المحافظة، كاشفة عن جملة مشاريع تنموية جاهزة وقيد التنفيذ لتنمية القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية فيها.
وقالت نوخشة ناصح محافظة حلبجة، في مقابلة صحفية، إن "حلبجة كانت قضية قومية"، و"أمس كان يوماً تاريخياً، نشكر جميع الكتل في البرلمان العراقي التي أبدت وحدة تامة خلال الفترة الماضية بهذا الخصوص وكانت ثمرتها استحداث محافظة حلبجة"، مضيفة: "من اليوم نحن دخلنا مرحلة تحديات جديدة تتعلق بالحصول على الاستحقاقات المالية والإدارية، بعد التصويت على استحداث المحافظة، وسنتخذ الإجراءات الخاصة بهذا الامر قريباً".
وعن مستقبل حلبجة، كشفت ناصح عن جملة مشاريع بيد الإدارة ستنفذها في المرحلة المقبلة، وقالت: "سابقاً ومنذ محاولتنا لاستحداث المحافظة عملنا كفريق لذلك، لدينا خططنا الخاصة وتوجد بعض المشاريع الخدمية والاستثمارية التي نعمل على تنفيذها"، مشيرة: "تتصف محافظتنا بمساحتها الجغرافية الواسعة والمتنوعة، لدينا برنامجاً لاستحداث وحدات إدارية جديدة، وتنفيذ مشاريع لتنمية قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة".
ولفتت ناصح إلى "اجتماع مرتقب لإدارة المحافظة مع رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، بشأن المحافظة والبرامج المستقبلية لها".
ناصح أكدت أن إدارة محافظة حلبجة تنشغل مع وزارة البلديات حالياً بملف توزيع الأراضي على الموظفين في المحافظة وحلّ جميع العراقيل والمشاكل المواجهة لهذا الملف، داعية رئيس حكومة الإقليم إلى تخصيص ميزانية خاصة للمحافظة الجديدة لتسيير المشاريع التنموية فيها.
*جذور تاريخية
تاريخيًا، تعود جذور تمكين المرأة في العراق إلى عام 1959، حينما تسلّمت نزيهة الدليمي وزارة البلديات في حكومة عبد الكريم قاسم، لتكون أول وزيرة في العراق والعالم العربي. عُرفت الدليمي بدورها التقدمي في صياغة قانون الأحوال الشخصية الذي منح النساء العراقيات حقوقًا غير مسبوقة في تلك المرحلة. لكن بعد هذه الخطوة الطليعية، عانت المرأة من تراجع طويل في الحضور السياسي والإداري، خاصة خلال العقود اللاحقة.
والطبيبة نزيهة الدليمي هي إحدى أبرز رائدات الحركة النسوية في العراق، وتعد أول امرأة تتسلم منصب وزير في تاريخ العراق الحديث، ولها مساهمات كبيرة في مجال الطب وحقوق المرأة والسياسة وغيرها على مدار أكثر من نصف قرن.
وشغلت نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات في حكومة عبد الكريم قاسم عام 1959، لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرتها النضالية. وجاء اختيارها ضمن التشكيلة الوزارية لدورها الفعال في حركة السلم والحركة الوطنية والحركة النسائية التي كانت نشطة في خمسينيات القرن الماضي أواخر العهد الملكي.
وأسهمت من خلال منصبها في تأسيس رابطة المرأة العراقية، ليتحقق أحد أهدافها في مجال حقوق المرأة وتوعيتها.
كما كان لها دور كبير في صياغة وإصدار قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، والذي يعد آنذاك أحد أكثر القوانين تقدما في المنطقة من حيث حقوق المرأة.
لكن وزارة الدليمي لم تدم طويلا إذ دبّ الخلاف بين عبد الكريم قاسم والشيوعيين فأصبحت وزيرة بلا حقيبة.
وخلال زيارة لها إلى موسكو حصل الانقلاب على عبد الكريم قاسم وقُتل في فبراير/شباط 1963، ثم أصدرت محكمة الثورة في الرابع من أبريل/نيسان 1964 حُكما بإعدامها، قبل أن يخفف إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة، فاضطرت للانتقال من موسكو إلى براغ وساهمت في تشكيل حركة الدفاع عن الشعب العراقي مع الشاعر محمد مهدي الجواهري وآخرين، ثم صدر قرار بالعفو عنها لاحقا وسمح لها بالعودة إلى العراق.
وبعد عودتها إلى العراق عام 1968 عادت للعمل مع الحزب الشيوعي بشكل سري ثم غادرت البلاد إلى ألمانيا عام 1979 وقررت الإقامة فيها.
*الأسماء النسوية وإحياء التجربة الوزارية
في العقود الأخيرة، أعادت بعض الأسماء النسوية إحياء التجربة الوزارية، وإن بقيت محدودة من حيث الكم والنفوذ. من بين أبرز الوزيرات:
• سعاد خليل إسماعيل (وزيرة التعليم العالي 1969–1972)
• عديلة حمود العبودي (وزيرة الصحة 2014–2018)
• آن نافع أوسي (وزيرة الإعمار والإسكان 2016)
• إيفان فائق يعقوب (وزيرة الهجرة 2020 – حتى الآن)
• طيف سامي (وزيرة المالية 2022 – أول امرأة تتولى هذا المنصب ولا تزال فيه)
• هيام الياسري (وزيرة الاتصالات 2022 وحتى الآن)
وفي حكومة محمد شياع السوداني الحالية، ضمت الكابينة الوزارية ثلاث وزيرات فقط من أصل 23 حقيبة، بنسبة 13%، وهي نسبة لا تزال دون المعايير الدولية، مع استمرار غياب النساء عن الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية.
*الحكومات المحلية
على مستوى الحكومات المحلية، تمثل تعيين ليلى عمر نائبًا لمحافظ السليمانية في شباط/فبراير 2021 أول اختراق نسوي في هذا المستوى الإداري. لكن حتى الآن، لم تُنتخب أي امرأة لرئاسة مجلس محافظة، رغم تخصيص 25% من مقاعد المجالس للنساء وفق قانون الانتخابات لعام 2023، و10 مقاعد إضافية للمكونات الصغيرة.
وتُظهر بيانات انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2023 أن النساء شكّلن 30% من مجمل المرشحين (1664 مرشحة)، لكن هذا الحضور الكمي لم يُترجم إلى مناصب قيادية، ما يكشف عن فجوة واضحة بين التمثيل الرمزي والسلطة الفعلية.
وتشير هذه المفارقة إلى استمرار وجود معوقات اجتماعية وثقافية وسياسية تحدّ من صعود المرأة إلى مراكز القرار، رغم ما تحقق من إنجازات جزئية على مدار عقود. وبينما يُحتفى اليوم بتولي نوخشه ناصح منصب المحافظ، فإن هذا الحدث يشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة المرأة العراقية على تجاوز سقف “الكوتا” وتحقيق حضور نوعي يُحدث فرقًا في السياسات والخدمات العامة.
*المرأة "تهمش" نفسها
فيما تقول المدربة والمستشارة الارشادية الاجتماعية زينة السامرائي،: "بصراحة المرأة العراقية هي من تهمش نفسها بنفسها، عبر القبول بإن تكون مجرد كمالة عدد، وحيث أنه لا يوجد لديها رؤية خاصة لإحقاق حقوقها وضمان مشاركتها المتكافئة مع الرجل، في مختلف المجالات وخاصة في الميدان السياسي والحكومي، وحين تنضوي تحت لواء حزب يعتبرها فقط أداة لفرض أرائه ولجعلها مجرد ديكور".
*أبعاد ثقافية واجتماعية
وتضيف السامرائي: "موضوع تهميش المرأة وضعف مشاركتها معقد جدا، وينطوي على مفارقات وتناقضات لا حصر لها، وهكذا فالنساء القياديات في الفضاء السياسي والمجتمعي العراقي العام عددهن قليل، كون بواعث الخلل المسبب لهذا التفاوت في تمثيل الجنسين سياسيا، مركبة وتنطوي على أبعاد اجتماعية وثقافية وتربوية محافظة، تتعلق بحض البنت منذ صغرها على الخضوع والانزواء والاستكانة".