أنفاق البككا تعود إلى الواجهة.. تعرف على المعلومات المتاحة عن شبكة أنفاق حزب العمال الكردستاني.. أسرار جديدة تتكشف عن محاولة الحزب الصمود في معاقله شمالي العراق
انفوبلس..
عاد الحديث مرة أخرى عن شبكة أنفاق حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق في وقت تضغط فيه تركيا بقوة لدفع العراق إلى حرب ليس طرفاً فيها بشكل مباشر مبتزةً إياه بالحصة المائية في محاولة منها لدرء الخطر المتنامي القادم نحوها من الجنوب.
وفي حوار متلفز، حذر النائب عن كتلة الصادقون علي تركي، من قيام حزب العمال الكردستاني بتأسيس شبكة أنفاق معقدة جداً في شمالي العراق، مشبّهاً إياها بأنفاق حركة حماس في قطاع غزة، مشيراً إلى أن هذا الحزب يمتلك طائرات مسيرة وصواريخ حرارية.
وقال تركي، "الحكومة تتحرك لإخراج كافة القوات الأجنبية من العراق"، مبيناً أن "من بين تلك القوات هي الأميركية والتركية".
وأضاف، إن "حزب العمال الكردستاني أسس شبكة أنفاق معقدة في سنجار وغيرها تشبه أنفاق غزة"، لافتاً إلى أن "عناصر الحزب يمتلكون طائرات مسيرة وصواريخ حرارية".
ورأى تركي، أن "حزب العمال الكردستاني وقوات قسد جهة واحدة"، معتبراً في الوقت ذاته أن "قوات البيشمركة ماسكة للحدود بشكل صوري".
قصة الأنفاق
تصريحات تركي فتحت ملفاً ليس جديداً، لكنه غامض إلى درجة كبيرة، في مطلع عام 2023 انتشرت قصة لشاب عراقي إيزيدي يسعى للجوء إلى أوروبا بعد هروبه من قبضة حزب العمال الكردستاني.
ويروي مراد خدر، المتحدر من مدينة سنجار، كيف اقتاده حزب العمال من داخل سنجار للعمل بالسخرة في حفر أنفاق تابعة له في جبل المدينة، الذي يُعتبر أبرز معاقله حالياً في محافظة نينوى، قبل أن يجد نفسه بحكم المختطف، وفق قوله.
ويؤكد الشاب البالغ من العمر 27 عاماً أنه لم يُسمح له بمغادرة المعسكر، كما لم يُسمح لابن عمه خديدا، الذي قُتل مطلع العام 2022 بغارة تركية قرب محافظة دهوك. لكن خدر نجح بالوصول في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2022 إلى مدينة الموصل قاصداً دائرة الجنسية والأحوال المدنية الرئيسية في المدينة، للحصول على جواز سفر بغية التوجه إلى إحدى الدول الأوروبية.
يقول خدر، إنه تم اقتياده من قبل مسلحي الحزب مع خديدا، البالغ من العمر 33 عاماً، من سوق شعبي في حي النصر بعد أشهر من عودة عائلته من مخيم هرشم للنازحين في محافظة أربيل في العام 2019 إلى سنجار، وذلك بدعوى المشاركة في أعمال مختلفة لصالح السكان العائدين إلى المدينة. لكن هناك تم إجبارهما على المشاركة في حفر الأنفاق التابعة للحزب داخل جبل سنجار وفي الشريط الحدودي مع سوريا من جهة الحسكة.
وتُستخدم تلك الأنفاق للاختباء وتخزين السلاح والتهريب والتنقل بين الأراضي العراقية والسورية المجاورة، ويصل طول بعضها إلى 10 كيلومترات، وتخضع لإشراف "اليبشه"، وهي الذراع المحلية لحزب العمال الكردستاني.
بدأ نشاط "العمال الكردستاني" في سنجار منذ أغسطس/ آب 2014، عندما هاجمت عصابات "داعش" المدينة، ونفذت جرائم مروعة بحق السكان المحليين. وقدّم مسلحو "العمال" أنفسهم على أنهم مدافعون عن الطائفة الأيزيدية من بطش "داعش"، ما جعلهم يتخذون موطئ قدم في المنطقة، مستغلين غياب السلطات العراقية وقواتها الأمنية وانسحاب قوات البيشمركة الكردية من المنطقة.
ويلفت خدر إلى أن "من كانوا معه ينقسمون لعدة فئات، إما مُغرر بهم بواسطة المال واستغلال الفقر والعوز الذي يعيشونه، أو عن طريق الإكراه"، كما حصل معه ومع خديدا.
كما يشير إلى أن هناك قسماً آخر "يبحث عن النفوذ والمال واستغلال وجوده في الحزب لتحقيق الكسب المالي عن طريق التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة وغيرها، وثمة قسم مؤمن بأفكار الحزب وشعارات إقامة دولة كردستان الكبرى، انطلاقاً من العراق".
ويؤكد خدر أنه أمضى فترة مأساوية مع مسلحي الحزب، إذ كُلّف مع مجموعة من المقاتلين بحفر نفق حدودي مع سوريا ضمن محور محافظة الحسكة لضمان نقل الأسلحة والمقاتلين بعيداً عن أعين الطيران التركي والقوات العراقية التي تحاول أن تفرض سيطرتها على الحدود من جهة سنجار، وأشار إلى أن "أحد تلك الأنفاق يمتد بين وادي باري في سنجار بالقرب من منطقة خانصور باتجاه منطقة الهول في سوريا والذي يبلغ طوله بحسب المعلومات حوالي 10 كيلومترات".
ويعتمد مسلحو العمال في حفر أنفاقهم على المقاتلين من الجانب السوري بشكل أكبر كونهم يمتلكون خبرة تفوق خبرة المجندين من العراقيين. كما تُنفّذ العديد من عمليات الحفر بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تمتلك جهات متخصصة وخبيرة في الحفر.
كما يستذكر خدر مشاهد مقتل العديد من المجندين خلال عمليات الحفر، ويُشير إلى أن مقتل "بعضهم يكون بسبب انهيار النفق، وآخرون بسبب الإعياء والأمراض"، ويشبّه نفقاً في جبل سنجار أمضى فيه بعض الليالي بأنه "مجرى لتصريف مياه الصرف الصحي"، بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث من الموقع، كما يوضح أن "وجبات الطعام التي كانت تقدم للمقاتلين سيئة للغاية".
ويُشدد على أن "الشعور بالخوف من الموت يهيمن على أغلب المقاتلين الذين يسمعون أخباراً يومية عن مقتل عدد من رفاقهم جراء الضربات التركية".
تأكيد على وجود الأنفاق
وفي تصريحات سابقة للعضو البارز في "وحدات حماية سنجار"، الجناح المسلح المحلي لحزب العمال في مدينة سنجار وضواحيها، حاتم سنجاري، أكد فيه حفر الأنفاق في المنطقة. ويعتبر سنجاري هذه الأنفاق "إحدى وسائل الحماية المشروعة من الاعتداءات التركية المتواصلة".
وأضاف أن "عمليات تأمين المواقع التي تعتبرها تركيا أهدافاً لها في سنجار أو غيرها، لا تكون بالسخرة ولا الخطف، وكل ما يقال غير صحيح، بل من خلال أعضاء الحزب". كما يلفت سنجاري إلى أن "رواية خدر محاولة منه لاختلاق قصة يحصل من خلالها على لجوء إنساني أو لحمايته من المساءلة عن وجوده مع الحزب ثم قراره الانفصال عنه بمحض إرادته".
أزمة سنجار
بدوره، يلفت عضو البرلمان العراقي الذي يتحدر من قضاء سنجار محما خليل، بتصريحات صحفية مطلع العام الماضي، إلى أنه "لا تزال أجزاء واسعة من قضاء سنجار خارج سلطة الدولة العراقية، إذ تخضع لنفوذ وهيمنة حزب العمال"، ويُشير إلى أن "هناك وجوداً شكلياً للقوات العراقية في القضاء".
كما يوضح خليل أن "العمال الكردستاني يمثل حالياً الخطر الأبرز الذي يهدد القضاء، ويمنع جهود إعماره وعودة النازحين إليه، إضافة إلى تسببه بغياب سلطة الدولة الفعلية عن تلك المنطقة التي تحولت إلى منطقة نفوذ لعصابات وفصائل من خارج العراق".
ويؤكد أن "مقاتلي حزب العمال ارتكبوا في الفترة الماضية سلسلة من الجرائم ابتداءً من القتل والخطف والاعتقال لكل من يعارض وجوده وأفكاره"، مشدداً على أن "تلك الجرائم لا تزال متواصلة إلى يومنا هذا".
ويوضح خليل أن "حزب العمال لجأ إلى خيار الإكراه والغصب والاختطاف للشبان والفتيات من أبناء القضاء بهدف تجنيدهم ضمن مقاتليه"، كما يُشير إلى أن "الحزب استغل أيضاً الوضع المعيشي السيئ لتجنيد مقاتلين من أبناء القضاء عبر الإغراء المادي".
ويؤكد أن "التنظيم المسلح والفصائل الموالية له عمدوا إلى إنشاء العديد من الأنفاق في جبل سنجار وصولاً للحدود مع سوريا، فضلاً عن أنفاق في مركز القضاء"، كما يوضح أن "بعض تلك الأنفاق أصبحت سجوناً سرية للتنظيم".
ويشدد خليل على أن "الحل الوحيد لمشكلة سنجار يكمن في طرد حزب العمال وجميع الفصائل المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، وتنفيذ بنود اتفاق سنجار الذي لا يزال حبراً على ورق ولم يطبق على أرض الواقع".
ووقّعت حكومة بغداد، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اتفاقاً مع حكومة إقليم كردستان، يقضي بحفظ الأمن في سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان شمالي العراق، وإخراج الجماعات المسلحة غير القانونية إلى خارج القضاء. وينص الاتفاق على إنهاء وجود حزب العمال في سنجار، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة به في المنطقة.
كما تضمّن الاتفاق السياسي الخاص بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في أحد بنوده تنفيذ اتفاق سنجار خلال فترة زمنية محددة.
وفي 2022، أكد عضو لجنة العلاقات في حزب العمال الكردستاني زوربار تولهلدان، السبت، أن الجيش التركي يقوم بحفر الانفاق في بعض مناطق محافظة دهوك.
وقال تولهلدان إن "الجيش التركي يقوم بحفر الانفاق في محافظة دهوك تمهيدا لإيصال قواته إلى حدود جبل سنجار".
وأضاف أن "تركيا تمهد منذ فترة لإيصال قواتها البرية لاحتلال قضاء سنجار الواقع غربي محافظة نينوى، وهي لها أطماع في محافظتي كركوك ونينوى وتريد احتلالهما بالكامل".
الحزب يرد على الحظر
وفي آذار الماضي، ذكّرت مواقع تابعة للحزب التركي المعارض، بغداد، بمواقف الحزب إبّان سقوط الموصل وذلك بعد التطورات الأخيرة عقب زيارة الوفد التركي إلى العراق والتوصل إلى شبه اتفاق بين بغداد وأنقرة على شن عملية واسعة ضد "البككا".
وضجت العديد من المواقع التابعة لحزب العمال الكردستاني بعد أن وافقت بغداد على حظر الحزب لتذكر تلك المواقع الأخيرة بمواقف الحزب إبان سقوط الموصل عام 2014.
وذكر أحد المواقع التابعة للبككا، "حيث تتوارد معلومات عن تعرض الحكومة العراقية إلى ضغط تركي، من أجل حظر حزب العمال، وهو طلب كررته تركيا عشرات المرات سابقا لكن بغداد لم تستجب له، إلا أن المرحلة الراهنة تؤشر هكذا تحركات، لاسيما وأن البيان العراقي التركي الذي صدر مؤخرا، كشف عن هكذا نوايا".
وتابع، "مراقبون للشأن السياسي، أكدوا على ضرورة ابتعاد العراق عن حظر الحزب، نظرا لما قدمه من تضحيات كبيرة داخل العراق، فضلا عن دعوتهم الحكومة العراقية إلى عدم الزَّج بنفسها بهذا الملف، خاصة وأن طلب حزب العمال هو إقامة إقليم كردي في تركيا، وهو طلب مشروع وموجود في العراق، بالتالي لا يمكن أن تتعامل بغداد بازدواجية في هذا الخصوص".
ونقل الموقع عن الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي قوله في تبني واضح له، إن “أزمة حزب العمال الكردستاني هي مع النظام التركي، ووجوده بالعراق لا يمثل خطرا على العراقيين أو البلاد، حتى يتم حظره أو محاربته، بل قدم الحزب تضحيات كبيرة خلال محاربة داعش".
ولفت الشريفي، إلى أنه “في حال حظر العراق الحزب نزولاً لرغبة تركيا، فإن ذلك سيؤدي إلى مشاكل كبيرة”، مؤكدا أن “ملف حزب العمال الكردستاني بالتأكيد سيكون حاضرا في لقاء الحكومة العراقية مع الرئيس التركي عند حضوره لبغداد، لكن على بغداد أن لا تنصاع لرغبات أردوغان”.