استباقا لأسرار تقرير يونيتاد.. انفوبلس تنشر للمرة الأولى تقريرا عراقيا يكشف خفايا مجزرة تكريت بالأسماء والارقام والتواريخ
مع شرح مفصل
استباقا لأسرار تقرير يونيتاد.. انفوبلس تنشر للمرة الأولى تقريرا عراقيا يكشف خفايا مجزرة تكريت بالأسماء والارقام والتواريخ
انفوبلس/..
تزامناً مع نشر التقرير الدولي الكامل بخصوص التحقيق في مجزرة سبايكر التي حدثت في تكريت قبل 10 سنوات، والذي نفذه فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش "يونيتاد"، وبإشراف مجلس القضاء الأعلى العراقي، تنشر شبكة انفوبلس تقريراً حول الموضوع ذاته للوزير الأسبق باقر جبر صولاغ الزبيدي إذ يكشف خفايا مجزرة تكريت بالاسماء والارقام والتواريخ والدول الأوروبية التي ترفض تسليم المتهمين.
*غزوة داعش ونتائجها
تعرض العراق الى هجمة بربرية شرسة من قبل عصابات داعش الإجرامية التي استولى عناصرها في حزيران / يونيو 2014 على ثلث مساحة العراق بما تحتويه من سكان قادماً من سوريا.
ومنذ دخوله الاراضي العراقية ارتكب داعش افظع جرائم الابادة الجماعية ضد ابناء الشعب العراقي خصوصاً ضد الاقليات الدينية والعرقية كالايزيدية و التركمان الشيعة والمسيحيين والشبك الذين تعرضوا وامام مرأى ومسمع من العالم لعمليات تنكيل مرعبة تمثلت بالذبح بالاسلحة البيضاء ودفن البشر احياءً وحرق النساء بعد اغتصابهن واستعباد النساء والاطفال وبيعهم في اسواق مخصصة للنخاسة باعتبارهم غنائم حرب حسب العقيدة (السلفية الجهادية)، ناهيك عن عمليات التهجير الجماعي ونهب الثروات الطبيعية وتهريبها الى دول الجوار والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة بما فيها كنوز المتاحف وتدمير الاضرحة والمساجد والكنائس القديمة والأوابد التاريخية وحرق المكتبات العامة، والقائمة تطول، وهذه الجرائم موثقة بالكامل لدى المنظمات الدولية.
وكانت عصابات داعش قد أسقطت مدينة الموصل يوم 2014/6/10 وسيطرت على محافظة نينوى بالكامل بعد انهيار القوات الامنية المتواجدة في المحافظة انذاك وانسحابها من دون قتال يذكر.. وكان لذلك تأثير كبير على محافظة صلاح الدين المحاذية لمحافظة نينوى.
*سقوط تكريت
اندفع داعش بعد سقوط الموصل جنوبا باتجاه محافظات صلاح الدين ومن ثم كركوك وصولا الى محافظات الانبار واجزاء من ديالى، وكان الهدف الرئيسي هو اسقاط العاصمة بغداد، وكانت مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين والتي تبعد عن بغداد مسافة 175 كم وتقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة قد سقطت يوم 2014/6/11 على يد ما يسمى بـ"ثوار عشائر تكريت" بقيادة المجالس العسكرية التابعة الى حزب البعث المحظور ومعهم ما يسمى بجيش الطريقة النقشبندية - وهو تنظيم ارهابي مسلح تابع لقيادة البعث ايضاً- وجاء سقوط تكريت قبل وصول داعش اليها وعند وصوله التحم بما يسمى بثوار العشائر ومعظمهم من منتسبي الأجهزة الامنية المنحلة من اهالي تكريت والقرى المحيطة بها.
وفي مساء نفس اليوم 2014/6/11 تم نقل مقر قيادة عمليات صلاح الدين والوحدات العسكرية التابعة لها من مدينة تكريت الى قاعدة سبايكر التي تبعد الى الشمال الغربي منها مسافة 5 كم وعن العاصمة بغداد (180) كم وهي قاعدة حصينة وفيها مطار عسكري.
وقد اطلقت عليها القوات الامريكية عام 2003 هذا الاسم نسبة إلى الطيار البحري (مايكل سكوت سبايكر) الذي أُسقطت طائرته في 17 كانون الثاني/ يناير 1991 ولها تسمية رسمية عراقية وهي قاعدة الشهيد اللواء الطيار ماجد التميمي.
وكان في القاعدة اضافة الى منتسبي قيادة القوة الجوية بعض الوحدات العسكرية التي انسحبت من الموصل وعدد من المتطوعين الجدد الذين التحقوا بالجيش خلال شهري آذار/مارس ونيسان/ابريل 2014 لغرض سد النقص في قيادة عمليات صلاح الدين (المشكلة حديثاً) وفرقة حماية النفط وكان عددهم (1300) جندي.
*تفاصيل المجزرة
في الساعة الثامنة من صباح يوم 2014/6/12 ونتيجة لضعف القيادة والسيطرة على الوحدات المتواجدة داخل القاعدة وحدوث حالة من الارباك والفوضى بين العسكريين؛ انتشرت شائعات بينهم بحصول موافقة القيادة على مغادرتهم الى مكان آخر فسارع معظمهم الى ارتداء الملابس المدنية بقصد مغادرة القاعدة والتوجه الى محافظاتهم، وقد حاولت القوة المتواجدة في الباب الرئيسي للقاعدة منعهم من الخروج الا ان تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب عددهم الكبير الذي ناهز الـ (3000) عنصر فتمكنوا من فتح البوابة بالقوة والخروج الى الشارع العام وهم عزل من السلاح.
وعند خروجهم من القاعدة واصلوا مسيرهم حتى وصلوا قبال جامعة تكريت فواجهتهم سيطرة (حاجز) وهمي لمجموعة (ثوار العشائر) فأوهموهم بانهم سيقومون بنقلهم الى المرأب العام (الكراجات) ومنها سيستقلون السيارات بأمان الى محافظاتهم، وكان ذلك بمثابة استدراج لهم ومن ثم للايقاع بهم.. فواصلوا المسير، وبعد (2) كم تمت محاصرتهم من قبل المجاميع المسلحة واقتيادهم الى حافلات كانت مهيئة لهم مسبقاً اوصلتهم الى مجمع القصور الرئاسية في صلاح الدين واحتجازهم داخله.
ويضم المجمع (166) قصراً وهو الثاني بعد مجمع بغداد ومن ضمن (10) مجمعات رئاسية في العراق انشأها النظام السابق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991, وخلال وجود المجندين الاسرى في القصور الرئاسية جرى فصلهم على اساس (مذهبي) واصدر رأس الارهاب ابو بكر البغدادي الذي اكمل تنظيمه (داعش) سيطرته على تكريت في ذلك اليوم 12 / 6 / 2014 أصدر عفواً على الجنود من ابناء الطائفة السنية (حصراً) وامر باطلاق سراحهم بشرط اعلانهم (التوبة) والتعهد بعدم العودة الى الجيش مستقبلاً وكان عددهم في حدود (800) مجند.
بعد ذلك بدأت عملية اعدام الجنود من الطائفة الشيعية بإشراف ما يسمى بالمحكمة الشرعية لداعش، واستمرت عمليات الاعدام من يوم 12 - 15/ 6 / 2014 ، وشارك في التنفيذ مجاميع من حزب البعث ومجموعة من ابناء عشائر البو ناصر، البو عجيل، الدوريين الذين لم تكن لديهم بيعة لداعش اثناء وقوع الجريمة وان كانت عناصر من ذلك التنظيم موجودة ومشاركة في التنفيذ حيث جرى رفع اعلام داعش في مسرح الجريمة. ومن الجدير بالذكر ان العديد من المنتمين الى حزب البعث قد بايع حينها داعش اثناء وبعد تنفيذ المجزرة وقد صدرت بحقهم مذكرات القاء قبض وعددهم (77) عنصراً وعلى رأسهم إبراهيم سبعاوي إبراهيم الحسن ابن الاخ غير الشقيق لرئيس النظام السابق صدام حسين والذي اصبح قائد العمليات العسكرية لداعش في تكريت.
وشارك في التنفيذ أيضا السجناء الذين أطلق داعش سراحهم من سجن تكريت المركزي مشترطاً عليهم مبايعته وإثبات ولائهم بالمشاركة في إعدام جنود سبايكر، وكانت مهامهم تتوزع ما بين تنفيذ الإعدامات وحفر المقابر والدفن.
وكان مكان تنفيذ المجزرة قد توزع ما بين القصور الرئاسية موقع الشرطة النهرية، (أماكن بالقرب من القصور الرئاسية) وكان السبب في اختيار القصور كمكان رئيسي لتنفيذ الجريمة هو لإرسال رسائل بعدة اتجاهات إلى:
-أتباع النظام السابق واقرباء رئيسه المخلوع صدام حسين توحي لهم بعدم اليأس واحياء الأمل وذلك بإشعارهم بأن هناك قوة مؤثرة قد ظهرت على الساحة العراقية قادرة على الفعل والتأثير انطلاقاً من القصور الرئاسية في تكريت لما تمثله تلك القصور من رمزية وبالتالي فهي قادرة على استقطابهم وكل أعداء التجربة الديمقراطية في العراق.
-إذكاء الروح الطائفية من خلال الايحاء بأن داعش واقرباء الرئيس المخلوع قد انتقموا من المغدورين من شباب الشيعة وقد ظهرت بعض الدعاوى في المحافظات الوسطى والجنوبية تدعو الى الثأر العشائري والانتقام من الجناة كرد فعل على ما جرى لابنائهم في تكريت الا أن الوعي الوطني العالي الذي تحلى به السنة والشيعة على حد سواء والجهود الكبيرة التي بذلتها المرجعية الدينية في النجف والحكومة العراقية المنتخبة والقوى والفعاليات الاجتماعية المختلفة فوت الفرصة على دعاة الفتنة الطائفية والمناطقية وصوب البوصلة باتجاه الفاعل الحقيقي ومن يمثله من دعاة السلفية الجهادية المجرمة واتباع النظام البائد
- الشارع السياسي العراقي، وذلك بإرسال تلك الرسالة التي تثبت له بأن إسقاط العملية السياسية ممكن وان اعدام مجندي سبايكر هو البداية للوصول الى بغداد.
- احتواء المجتمع العشائري في المناطق التي شهدت ما يسمى بساحات الاعتصام التي انطلق منها داعش وبقايا القاعدة والجماعات المسلحة الاخوانية والسرورية ايام ما عرف بالربيع العربي بعملية ذات بعد انتقامي في مكان محسوب على صدام حسين.
وكان قسم من الجنود المختطفين قد تمكن من الفرار من اماكن اعتقالهم والتوجه الى المناطق السكنية القريبة من القصور الرئاسية عندها قام بعض السكان بالإبلاغ عن اماكن تواجدهم مما ادى الى اعدامهم بالشوارع والقسم الآخر تمكن بمساعدة المواطنين الشرفاء من الخروج بسلام من دائرة الخطر، وفي الوقت الذي تورطت فيه عناصر محلية بقتل مجندي قاعدة سبايكر فان آخرين اتخذوا موقفاً مشرفاً لحمايتهم وتوفير ملاذات آمنة لهم على الرغم من الخطر الكبير الذي يمكن ان يترتب على ما قاموا به.
وكانت عشيرة الجبور في طليعة العشائر التي وفرت الحماية والطرق الآمنة لـ(450) مجندا من سبايكر وقد اشتهرت السيدة الفاضلة (ام قصي الجبوري) بإيواء (50) مجنداً لمدة (15) يوماً وهم من الناجين من المذبحة فكُرمت من قبل الحكومة العراقية بمنحها (وسام الوطن) وجائزة اشجع نساء العالم من قبل وزارة الخارجية الامريكية.
وقد بلغ العدد الكلي لشهداء مجزرة سبايكر (1942) ما بين شهيد ومفقود وهم من ابناء (16) محافظة عراقية وجلهم من ابناء القومية العربية في حين بلغ عدد المتهمين بارتكاب الجريمة (524) متهماً.
*أبعاد الجريمة وآثارها
ما إن تكشفت بعض تفاصيل ما حدث في تكريت لمجندي سبايكر وخف التركيز الاعلامي الذي كان منصباً على الانهيار الامني وسقوط عدد من المحافظات حتى استفاق اهالي محافظات الوسط والجنوب وخصوصاً ذوي الشهداء على هول الفاجعة لاسيما بعد أن نشر داعش عدداً من الفيديوهات والصور لعمليات إعدام جماعية للمغدورين مما أدى إلى خروج مظاهرات حاشدة في الوسط والجنوب تطالب بالكشف عن مصير ابنائهم عندها تحول الموضوع إلى قضية رأي عام لها صداها الواسع وتأثيرها على عموم المجتمع العراقي وفي خارج العراق أيضا.. وفي الوقت نفسه سادت حالة من السخط الشديد بين الأُسر والعشائر المنكوبة بابنائها تجاه عشائر صلاح الدين وتم تذكيرها بمواقف عشائر الجنوب التي استقبلت واستضافة الضباط والجنود من اهالي صلاح الدين بعد الانسحاب من الكويت عام 1991 وانعكست حالة الاحتقان التي سادت الشارع العراقي على منصات التواصل الاجتماعي التي انتشرت من خلالها اتهامات لعشائر صلاح الدين بالوقوف وراء المذبحة وارتفعت مطالبات بمنع دخول اهالي صلاح الدين الى المحافظات الجنوبية.
ولكن سرعان ما ظهرت اصوات مسموعة تدعو الى التهدئة والتبصر في دوافع الجريمة واسبابها وبتحديد المجرم دون سواه ومن دون تعميم وكانت تلك هي المرة الثانية التي يتعرض فيها العراق الى الفتنة الطائفية والمناطقية والتي كادت ان تمزق نسيج الوحدة الوطنية وتطيح بالسلم الاهلي بعد المحاولة الأولى لما يسمى بقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بقيادة الاردني ابو مصعب الزرقاوي الذي كان يدعو علناً في بياناته وخطاباته الى اشعال لهيب الحرب الطائفية لضمان استمرار بقاء تنظيمه الارهابي على ارض العراق.
*متابعة الجناة
تمكن عدد كبير من الجناة من الهروب الى العديد من الدول خاصة بعد اندحار داعش وخسارته للمناطق التي كان يسيطر عليها داخل العراق والتي يطلق عليها تسمية (ارض التمكين) ومن بين تلك الدول سوريا واليمن وذلك بقصد الالتحاق بالتنظيمات الارهابية العاملة هناك ومن بين الدول الأخرى التي فر اليها الجناة الجارة الشمالية تركيا فيما توجه اخرون الى العديد من دول الاتحاد الأوروبي ومنها فرنسا والمانيا وايطاليا وفلندا مستغلين موجة الهجرة التي اجتاحت دول اوروبا الغربية منذ العام 2016 ومستفيدين من قوانين الهجرة في تلك الدول وكانت السلطات العراقية المختصة قد تمكنت من استعادة (12) من المتهمين بالجريمة من تركيا لوحدها وفق مذكرات قضائية وذلك بين الاعوام 2017 و 2018، الا ان ما يؤسف له ان تعاون الدول الاوروبية بهذا الشأن لم يكن متساوياً رغم ان الامم المتحدة اصدرت في 2015/3/19 تقريراً عن هذه الجريمة جاء فيه:
أ- ارتكب تنظيم داعش ما قد يرقى الى أخطر الجرائم الدولية الثلاث وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية.
ب- قام مقاتلو داعش بقتل مابين (1500-1700) طالب عسكري من قاعدة سبايكر العسكرية تفيد التقارير بان معظمهم كانوا قد استسلموا.
وتعتبر فنلندا مثالاً على كيفية تعامل دول اللجوء الأوروبي مع ملف مجزرة سبايكر ففي عام 2015 اعلنت السلطات الفنلندية اعتقال شقيقين توأمين عراقيين ومهاجرين من ضمن العناصر الارهابية المشاركة بمجزرة سبايكر وهما (دحام واحمد) أبناء (شهاب حمد العيساوي).
وتولى القضاء الفنلندي النظر في القضية ثم تقرر بعدها ان يقوم وفد قضائي بزيارة الى العراق للاطلاع على حيثيات الدعوى وجرت مفاتحة الخارجية العراقية بزيارة الوفد عن طريق السفارة العراقية في هلسنكي وقد وافقت السلطات العراقية على الطلب .
وبالفعل حضر الوفد القضائي الفنلندي الى بغداد والتقى بالهيئات القضائية العراقية المختصة واطلع على سير الدعوى كما التقى بشهود الاثبات واستمع الى شهادتهم كما زود الوفد بأوامر القبض الصادرة بحق المتهمين من السلطات القضائية المختصة.
وكانت الدوائر العراقية المعنية قد تابعت نتائج زيارة الوفد الفنلندي الى بغداد والتي لم تسفر عن تسليم المتهمين كما يطالب الجانب العراقي بدواعي تعارض القانون الفنلندي من حيث العقوبة مع القانون العراقي في حين ان الجريمة وقعت على الاراضي العراقية وضحاياها مواطنين عراقيين والجناة عراقيين.
إن مجزرة سبايكر ستبقى شاهداً حياً على بعض ما قدمه العراق وشعبه من تضحيات لا تقدر بثمن في الحرب على الارهاب آفة هذا العصر فكان بذلك الفادي للبشرية في تلك الملحمة التاريخية التي سوف تذكرها شعوب الارض بكل فخر واعتزاز.
وأدناه تفاصيل التقرير كاملة، والتي تتضمن أسماء شهداء مجزرة تكريت وأسماء المجرمين الذين ارتكبوا المجزرة وأسماء مفقودي الجريمة إضافة إلى جدول بمحافظات وقومية شهداء سبايكر، وشهادات من الناجين.
كما تنشر شبكة انفوبلس، نص تقرير "يونيتاد" بشأن مجزرة تكريت.