تعليق مفاوضات انسحاب القوات الأجنبية من العراق وتكتم حكومي "غامض".. ما سر الخطوة المفاجئة؟
انفوبلس/ تقرير
من المعلوم أن المماطلة عنوان مفاوضات بغداد وواشنطن بشأن إخراج القوات الاجنبية من العراق، لكن ما كشفه النائب في البرلمان العراقي ياسر الحسيني عن تعليق المفاوضات فعلياً منذ أسابيع قد يشكل نقطة تحول جديدة، وسط رفضت قيادات عسكرية وأوساط حكومية تأكيد هذه المعلومات أو نفيها وكذلك التساؤلات التي تدور جول هدنة فصائل المقاومة العراقية.
نتيجة للتصعيد بين الفصائل المقاومة والقوات الأمريكية، جرى الإعلان قبل أشهر عن بدء المفاوضات بين اللجان العراقية والأمريكية، لبحث انسحاب القوات الأمريكية، ولا تزال هذه اللجان تعمل دون إعلان النتائج النهائية حتى الآن.
*تعليق مفاوضات بغداد وواشنطن
أكد النائب ياسر الحسيني، إن "مفاوضات بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهام التحالف الدولي وإخراج القوات الأميركية، مُعلّقة فعلياً منذ أسابيع، ولا نعرف سبب ذلك، لكن كما هو واضح لدينا فهناك ضغوط أميركية على الحكومة العراقية للإبقاء على قواتها في العراق لفترة أطول، من دون أي انسحاب حقيقي".
وبيّن الحسيني، أن "جولات الحوار السابقة المعلنة ما بين العراق وأميركا، كانت غامضة، وبيانات الجانب العراقي مختلفة تماماً عن بيانات وتصريحات المسؤولين الأميركيين، ما يؤكد عدم وجود أي جدية حقيقية لإخراج القوات الأجنبية من العراق"، معتبراً أن "المعطيات تؤكد على رغبة سياسية وحتى حكومية (العراق) في الإبقاء على تلك القوات".
وأضاف، أن "هناك أطرافا سياسية وكذلك حكومية مستعدة لفعل أي شيء وكل شيء من أجل الحفاظ على نفوذها السياسي والسيطرة على المشهد في العراق"، موضحا أن تلك الأطراف "لديها خشية من تأثير إخراج الأميركيين من العراق، عليها، ولهذا هي تماطل في هذا الملف، ولهذا فإن المفاوضات متوقفة".
وشدّد على، أنه "مع بدء الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب، سنعمل على توجيه أسئلة برلمانية، وكذلك طلب استضافة للمسؤولين عن ملف مفاوضات بغداد وواشنطن، لمعرفة أين وصلت تلك المفاوضات وما أسباب التوقف وما أسباب كل هذا الغموض وعدم الشفافية في مصارحة الشعب العراقي بما يجري".
وبحسب وسائل اعلام محلية وعربية، هناك قيادات عسكرية وأوساط حكومية رفضت تأكيد هذه المعلومات أو نفيها، في المقابل، فإن وفداً عسكرياً أميركياً برئاسة نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دانييل شابيرو، يواصل لقاءاته في بغداد مع مسؤولين عراقيين منذ الاثنين الماضي.
وبدأت الجولة الأولى من المحادثات بين بغداد وواشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي، فيما أفضت الجولة الأولى للحوار الثنائي الذي عُقد في بغداد إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف وإنهائها والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية، من دون الإعلان حتى الآن أي نتائج رسمية لعمل اللجنة.
واستؤنفت مفاوضات بغداد وواشنطن في فبراير/شباط الماضي، مع اعتماد "خفض مدروس وتدريجي"، وصولاً إلى إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، وفق البيانات الرسمية العراقية، لتتبعها جولتان أخريان في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين.
ورغم التصريحات الإيجابية للمسؤولين العراقيين، وأبرزهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بشأن مفاوضات بغداد وواشنطن ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وإنهاء دور التحالف الدولي في البلاد، إلا أن مسؤولين في التحالف تحدثوا عن ملفات تعاون ثنائية بين البلدين في المجال العسكري، من دون التطرق إلى موضوع الانسحاب من العراق.
في موازاة ذلك، تصاعدت منذ أسابيع مطالبات أطراف سياسية وفصائل مقاومة عراقية بإنهاء وجود التحالف الدولي في البلاد، إذ أعلنت "تنسيقية المقاومة العراقية"، عقب اجتماع الأسبوع الماضي، قدرتها على "إنهاء الحضور الأميركي في العراق بكل السبل"، في معرض تحذيرها للحكومة العراقية بشأن ما تعتبرها تراخي في هذا الملف.
وفي السياق، اعتذرت قيادة العمليات العراقية المشتركة، وعبر المتحدث باسمها اللواء تحسين الخفاجي، عن الإدلاء بأي تصريحات تتعلق بملف مفاوضات بغداد وواشنطن. وشدّد على أن "العمليات المشتركة غير مخولة بالتحدث عن الملف، وهو من اختصاص الحكومة". كما اعتذر مستشار حكومي عراقي عن التعليق أيضاً، لكنه شدّد على "عدم وجود أي قرار أو توجه بتعليق أو إيقاف المفاوضات، سواء من الجانب العراقي أو الأميركي". وأضاف المتحدث، طالباً عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح، أن "لجاناً عسكرية من البلدين تواصل لقاءاتها بين وقت وآخر، وفقاً لبرنامج عمل متفق عليه".
*تسويف وغموض
من جهته، قال مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر وتوت، إن "اللجان البرلمانية المختصة لا تعرف أي شيء عما يجري في مفاوضات إخراج القوات الأميركية، وهي تتابع الملف عبر التصريحات والبيانات الإعلامية".
وأوضح أن "الحكومة لم تطلعنا حتى الآن على ما وصلت إليه بشأن المفاوضات". وأقرّ وتوت بأن عمل اللجان المشتركة التفاوضية "متوقفة منذ فترة من دون أن يكون هناك إعلان رسمي عن أي حوارات بين الجانبين ولا نعرف ما أسباب ذلك، ما إذا كان له علاقة بالانتخابات الرئاسية الأميركية (نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، أو أن هناك أسبابا أخرى، خصوصاً أن كل التصريحات الأميركية تؤكد على عدم الانسحاب، وإنما تغيير عنوان بقاء القوات الأجنبية فقط".
وحذّر من أن "استمرار التسويف في قضية إخراج القوات الأميركية، قد يدفع الفصائل العراقية المسلحة إلى العودة لاستهداف المصالح والأهداف الأميركية في العراق والمنطقة"، موضحاً أن "العمليات أوقفت بسبب تلك المفاوضات ولعدم التأثير عليها، فيما الإخفاق فيها بشكل معلن أو غير معلن ربما سيعيد تلك العمليات".
أما كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، فقد شدّد على أنهم "ينتظرون تعليقاً من الحكومة العراقية بشأن استفسارات قدمت لهم عن آخر ما توصلت إليه مفاوضات بغداد وواشنطن"، لافتا الى أن "موقف تنسيقية المقاومة الإسلامية العراقية واضح ومعلن. الإخفاق في إخراج القوات الأميركية عبر التفاوض يعني أننا سنتحرك". وقال: "نحن منحنا الفرصة للحكومة العراقية، لكن في حال عدم حسم الملف سريعاً ووضع جدول زمني معلن للانسحاب، فإن الفصائل ستفرض طريقتها الخاصة لإخراج العسكريين الأميركيين".
كما قال النائب عن كتلة الصادقون النيابية حسن سالم ان "الاحتلال الأمريكي يرتكب المزيد من الجرائم داخل العراق تارة في استهداف مقرات الحشد الشعبي واخرى بدعم الكيان الصهيوني بالسلاح المحرم دوليا لقتل أطفال غزة"، مشيرا الى ان "الشعب العراقي لن يرضى ببقاء الاحتلال الأمريكي جاثما على تراب الوطن".
ويوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن منذ سبتمبر/أيلول عام 2014، ويتوزع الجنود على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي، ويضاف للقوات الأميركية، قوات فرنسية، وأسترالية، وبريطانية، تعمل ضمن قوات التحالف، وأخرى ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق.
*أكثر من 900 شكوى ضد "التحالف الدولي" لارتكابه جرائم حرب في العراق
كما كشف العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان العراقية، علي البياتي، أن 926 شكوى من ذوي الضحايا مسجلة لدى الحكومة العراقية ضد التحالف الدولي، من محافظات: نينوى، وكركوك، والأنبار، شمال، وغربي البلاد، مبينا أن نصف العدد المذكور هم شهداء، والآخر إصابات مختلفة.
وشدد البياتي، مطالبا الحكومة العراقية، أن تعمل على إقامة دعاوى ضد التحالف الدولي، عن الشكاوى التي وصلت إليها من ذوي الضحايا، لأن التحالف غير مخوّل من قبل مجلس الأمن. وأضاف، على الحكومة العراقية، أن تعمل على محاسبة التحالف الدولي، وتعوض الضحايا، لأن القصف الذي طالهم من التحالف، هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع التي تحتّم على الجهات المتحاربة تجنب استهداف المدنيين، وضرورة حمايتهم.
ونوه البياتي، إلى اعتراف التحالف الدولي، أنه خلال سنوات الحرب ضد "داعش" سقط ما يقارب 1370 مدنيا في العراق، وسوريا في حين تقارير دولية محايدة تؤكد سقوط 11800 شهيد فقط في العراق وسوريا وأكثر من 8000 جريح.
وعن موقف الحكومة حيال الشكاوى المقدَّمة إليها من قبل ذوي الضحايا، أكد البياتي، أنها اكتفت بذكر عدد الشكاوى، ولم تتخذ حتى الآن أي موقف أو تحرك يحاسب "التحالف الدولي" عن سقوط الضحايا المدنيين.