سلسلة أحداث قادت إلى التصعيد في كردستان.. أربيل أخلّت بالاتفاق العراقي الإيراني وعرقلت تنفيذه بشكل صحيح.. إبعاد الانفصاليين كان "على الورق" وحكومتها تتحمل مسؤولية "الباليستيات"
انفوبلس/ تقارير
في العام الماضي، وقّع العراق وإيران اتفاقا يهدف إلى تشديد الأمن على الحدود، حسبما ذكر بيان مشترك لكل من مجلس الوزراء العراقي والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. لكن الاتفاق الذي ينص على 3 نقاط؛ وهي منع تسلل المسلحين إلى الأراضي الايرانية، وتسليم المطلوبين وفقا للقانون، ونزع السلاح وإزالة المعسكرات، لم يُنفذ بشكل صحيح، إذ لم ينتشر حرس الحدود على طول الحدود العراقية - الإيرانية ولم تبتعد الجماعات الانفصالية في الإقليم عن أعمالها الإرهابية، كذلك لم يتوقف دعم العنف داخل إيران. وهذا ما تصدّر المشهد اليوم بعد القصف الذي طال أربيل والتي جرى تحميلها مسؤولية هذا التصعيد كونها لم تلتزم بجميع ما ذُكر. فهل حكومة أربيل مُدانة فعلاً؟ وما خفايا دعمها أعمال العنف الأخيرة داخل إيران؟
*الاتفاق العراقي – الإيراني الأمني
في مارس الماضي، وقّع العراق وإيران اتفاقا يهدف إلى تشديد الأمن على الحدود، حسبما ذكر بيان مشترك لكل من مجلس الوزراء العراقي والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وتشمل الاتفاقية الأمنية المشتركة التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين.
وأكد رئيس مجلس الوزراء خلال لقائه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني على موقف العراق الثابت الرافض لأن تكون الأراضي العراقية منطلقاً للاعتداء على أيٍّ من دول الجوار، مشدداً رفضه القاطع على أن تكون أرض العراق مسرحاً لتواجد الجماعات المسلحة، أو أن تكون منطلقاً لاستهدافها، أو أيِّ مساس بالسيادة العراقية.
وجدد شمخاني شكره للدور العراقي على هذا المسار، كما نقل تحيّات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى رئيس الوزراء، وتأكيده رغبة إيران في تطوير العلاقات الثنائية، لما فيه مصلحة الشعبين الصديقين.
ورعى رئيس مجلس الوزراء توقيع محضر أمني مشترك بين البلدين، حيث وقّعه عن الجانب العراقي مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وعن الجانب الإيراني علي شمخاني، حيث تضمن المحضر التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين، وتوطيد التعاون المشترك في مجالات أمنية عدّة.
*لم يُنفَّذ بشكل صحيح
بعد ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق، أكد رئيس هيئة الأركان العامة الإيراني، اللواء محمد باقري، أن العراق اكتفى بإبعاد التنظيمات الانفصالية عن الحدود الإيرانية.
وقال باقري، إن "العراق لم ينفذ الاتفاق المبرم بين الجانبين بنزع سلاح الفصائل الانفصالية"، مشيرا إلى أنه "كان من المفترض وبحسب الاتفاق مع الجانب العراقي أن يتم نزع سلاح الفصائل الإرهابية الانفصالية بحلول الـ 19 من سبتمبر/ أيلول الجاري"، من العام الماضي.
وثمّن في الوقت ذاته "ما تقوم به الحكومة العراقية من جهود"، لافتا إلى أن "نص الاتفاق الأمني الذي توصلت إليه إيران مع العراق يشير بصراحة إلى ضرورة نزع سلاح وطرد هذه التنظيمات الإرهابية الانفصالية من إقليم كردستان ومن أرجاء العراق كافة".
وتابع: "أوعز الرئيس إبراهيم رئيسي، إلينا بالانتظار والصبر بضعة أيام إضافية قبل أن نوفد بعض اللجان للتأكد من نزع سلاح هذه الجماعات المسلحة بالكامل، وحينها سنتخذ القرار اللازم".
من جانبهم، قال مراقبون إن الاتفاق لم يُنفَّذ بالكامل حتى الآن، وإن ما تم تنفيذه هو الجزء المتعلق بإبعاد هذه الجماعات عن الشريط الحدودي بين البلدين.
*بغداد تلتزم وأربيل تتنصّل
بعد الاتفاق، ذهب مستشار الأمن القومي قاسم الاعرجي الى كردستان وبالتحديد الى المناطق الحدودية بغية تنفيذ البنود المتفق عليها مع طهران، وبعدها أعلنت وزارة الداخلية، أن قوات حرس الحدود تمكنت من استعادة نقاط حدودية مع إيران كانت تسيطر عليها جماعات خارجة عن القانون.
وقالت الوزارة آنذاك في بيان، إن تلك القوات التابعة للحكومة في بغداد اشتبكت مع الجماعات المسيطرة على النقاط المستعادة، التي تقع ضمن محافظة أربيل التابعة لإقليم كردستان العراق، مبينة أن إجراءاتها تأتي في إطار جهود قوات حرس الحدود لبسط نفوذها على كامل الحدود العراقية مع دول الجوار.
لقد فعلت بغداد ما يقع على عاتقها، وبالفعل أعلنت إيران نقل العديد من مواقع المعارضة لها إلى العمق العراقي وإبعاد خطرهم عن الجمهورية، لكن وكعادتها لم تلتزم أربيل بتلك الاتفاقية بل امتنعت عن نشر "البيشمركة" على الحدود، بل إن الجماعات الانفصالية لم تبتعد أيضا وسط صمت مطبق من حكومة الإقليم.
كما أن اللافت، أن أعمال العنف داخل الجمهورية الإسلامية زادت بعد ذلك وسط تأكيدات بوجود دعم من داخل إقليم كردستان لتغذيتها وهذا ما ستتعمق به انفوبلس في سياق هذا التقرير.
*دعم أعمال العنف في الداخل الإيراني
لقد شهدت الجمهورية الإسلامية في الفترة الماضية تصاعدا لافتا لأعمال العنف، من اعتقال الشبكة الإرهابية التي خططت لأنشطة مسلحة مرورا باعتقال شبكة أخرى حاولت اغتيال والد مهسّا أميني وصولا لضبط شحنة الأسلحة المُعَدَّة للفوضى والشغب وغيرها من أعمال العنف التي كانت آخرها استهداف مدينة كرمان وإيقاع مئات الضحايا.
وبوسط كل تلك الأحداث، ورغم الاتفاق الأمني بي العراق وإيران، إلا أن العديد من المعلومات التي توصلت لها طهران أفادت بتورط إقليم كردستان بأغلب هذه الأعمال الإرهابية، كتوفير دعم للمنفذين أو تسهيل دخولهم إيران عبر فتح الحدود لهم وهذا ما أكدته عندما أعلنت في العام الماضي اعتقال أعضاء خلية تابعة للجماعات الإرهابية دخلوا البلاد من إقليم كردستان العراق وكانوا يخططون لإطلاق النار على تجمع محتمل في مدينة سقز بمحافظة كردستان.
وعثرت قوى الأمن آنذاك بحوزة هذه الخلية المكونة من 4 أشخاص على 3 بنادق كلاشينكوف ومسدس وبندقية صيد و2 زيّ عسكري وعدد من الأسلحة الباردة. ويُظهر وجود زيّ القوات العسكرية الإيرانية، سيناريو إطلاق النار على المتجمعين وإلصاق تهمة العمل الإجرامي بقوى الأمن.
تؤكد هذه الأحداث، بأن دعم أربيل لأعمال العنف في الداخل الإيراني استمر حتى بعد الاتفاق الأمني بين البلدين وهذا ما يجعلها تتحمل المسؤولية اليوم أمام التصعيد الذي قامت به ايران لاسيما بعد تأكيدها بأن قصف أربيل طال مواقع للموساد ومراكز تجسس كانت تُعِدُّ العُدَّة لتنفيذ أعمال عدائية ضد طهران.
*الجماعات الانفصالية.. لا ابتعاد يُذكر!
في نهاية العام الماضي، كشف مصدر سياسي في إقليم كردستان، عن موافقة الجماعات الإرهابية الانفصالية على مغادرة الشريط الحدودي بين إيران والأقليم ونزع سلاحها.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "حكومة إقليم كردستان باشرت العمل وإجراءات تحييد أحزاب المعارضة الإيرانية (الجماعات الإرهابية الانفصالية) المتواجدة في إقليم كردستان على الشريط الحدودي مع إيران".
وأضاف المصدر، إن أحزاب المعارضة وافقت على نقلها الى مخيمات تم تحديدها مسبقا في محافظتي أربيل والسليمانية.
لكن الحديث بابتعاد أحزاب المعارضة عن الحدود كان "هباءً منثورا" فلم تبتعد تلك الأحزاب المعارضة عن مقارها إلا ما ندر، ولم تقل الأعمال العدائية تجاه إيران، بل أعلنت طهران في أكثر من مناسبة القبض على متسللين حاولوا دخول أراضيها عبر كردستان، وهو ما يعني أن الإقليم "ذرَّ الرماد في العيون" عندما أبدى موافقته على نقل تلك الجماعات في حين لم ينفذ على أرض الواقع أي شيء يُذكر.
*القصف الأخير
وأمس الاثنين، أعلن الحرس الثوري الإيراني، إطلاقه صواريخ باليستية على مراكز تجسس وتجمع للجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في إقليم كردستان.
وقال الحرس الثوري في بيان: "ردا على الجرائم الإرهابية الأخيرة التي ارتكبها أعداء إيران استهدف الحرس الثوري ودمر مراكز تجسس وتجمع الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في أجزاء من المنطقة عند منتصف الليلة بالصواريخ الباليستية".
وأضاف الحرس في بيان محدث بوقت مبكر من يوم الثلاثاء: "ردا على الأعمال الشريرة الأخيرة التي قام بها النظام الصهيوني باستشهاد قادة الحرس الثوري الإسلامي وجبهة المقاومة، حيث يقوم هذا النظام بأنشطة الاستخبارات في المنطقة، أطلق الحرس الثوري صواريخ باليستية على أحد مراكز التجسس الرئيسية للكيان الصهيوني (الموساد) في إقليم كردستان العراق ودمره".
وبيّن حرس الثورة، أن "هذا المقر كان مركزا لعمليات التجسس والتخطيط للأعمال الإرهابية في المنطقة وخاصة في بلدنا".