نشاط مقلق للعصابات الباكستانية في بغداد.. شركات متواطئة وجريمة منظمة تلوح بالأفق
انفوبلس/ تقارير
منذ مطلع العام الحالي، تنشغل القوات الأمنية بملاحقة العمال الآسيويين في بغداد لاسيما الباكستانيين الذين تنامَوا بشكل لافت حتى باتوا يشكلون تهديدا للسلم الأهلي، إذ أصبحوا يمارسون عمليات الخطف والابتزاز في مختلف المناطق بل تطور الأمر بهم إلى إشهارهم السلاح بوجه قوات الأمن. في هذا التقرير سلّطت انفوبلس الضوء على العصابات الباكستانية بالعاصمة ومَن يحميهم ويحتضنهم ومن أين يدخلون، مع بيان رأي لجنة الأمن والدفاع ولائحة بأبرز الجرائم التي قامت بها تلك العصابات منذ بداية 2024.
تذكير بالحادثة الأبرز
قبل الشروع في تفاصيل هذا الملف، لابد من التذكير بالحادثة الأبرز الذي تتعلق به، وهي حادثة إطلاق النار الشهيرة قرب مرقد أبو حنيفة النعمان في الأعظمية.
إذ وفي مارس الماضي، أقدم شخص باكستاني الجنسية يدعى "شعيب" على إطلاق النار على مواطنين خلال حفل إفطار جماعي بالقرب من جامع الإمام أبو حنيفة، في منطقة الأعظمية وسط العاصمة بغداد، مستخدماً مسدساً، لكنه لم يُصِب أحداً، فيما جرت ملاحقته واعتقاله في أحد الأزقة، لكنه وأثناء الملاحقة أصاب أحد عناصر الشرطة بطلقٍ ناري.
هذه الحادثة فتحت أبواب التساؤل عن احتمالات انخراط عمالة أجنبية في عصابات الجماعات والعصابات المنظمة، وهو ما قاد بعدها لسلسلة جرائم مشابهة ستستعرضها انفوبلس بالتفصيل.
أحدث جريمة للعصابات الباكستانية
ستبدأ انفوبلس في كشف تفاصيل العصابات الباكستانية، من الجريمة الأحدث، إذ أفاد مصدر أمني الأسبوع الماضي، بتفكيك عصابة باكستانية للاختطاف قامت بعملية خطف مهندس من نفس الجنسية في العاصمة بغداد.
وقال المصدر لشبكة انفوبلس، إن "معلومات وردت بوجود حالة خطف لمواطن باكستاني الجنسية يعمل مهندساً لصيانة عجلات نوع (BMW)، مبينا أن الخاطفين تواصلوا مع أهل المخطوف، وطلبوا مبلغ فدية مقدارها أربعة آلاف دولار أمريكي.
وأضاف، إنه تم تفريغ الكاميرات ومتابعة سير الخاطفين حيث اتضح أن المخطوف يتواجد ضمن منطقة التاجي شمالي العاصمة، مشيرا إلى تشكيل فريق عمل مختص ونشر القوات وتطويق المنطقة بالكامل.
وتابع المصدر، إن قوة أمنية تمكنت من إلقاء القبض على أربعة أشخاص باكستانيين وتحرير المخطوف، وقد وُجِد مقيدا بسلاسل حديد.
تفاصيل العصابة الأخيرة
بعد مدة ليست بالطويلة من حديث المصدر أعلاه، أعلنت قيادة عمليات بغداد، عن تحرير مختطف أجنبي وإلقاء القبض على الخاطفين بينهم "امرأة" تُتقن إحدى اللغات الأجنبية بالقرب من جسر المصابيح ضمن سريع التاجي بجانب الكرخ.
وذكرت القيادة في بيان تلقته شبكة انفوبلس، أنه "بعد ورود معلومات استخبارية دقيقة تفيد بوجود حادثة خطف لأحد المواطنين من العمالة الأجنبية (يعمل مهندساً لصيانة العجلات) ضمن قاطع المسؤولية في جانب الكرخ، وعلى الفور تم تشكيل فريق عمل مشترك من قيادة الفرقة الثانية شرطة اتحادية بالتنسيق مع قسم استخبارات وأمن قيادتنا والانتقال الى المكان المحدد. وبعد التحري والتفتيش وجمع المعلومات الأولية ومتابعة كاميرات المراقبة وتوسيع دائرة البحث تم كشف موقع الجناة وبكمين محكم نُصب لهم تم اعتقال جميع أفراد "عصابة الخطف".
وأضافت، أن "العصابة مكونة من أربعة أشخاص "أجانب الجنسية" بينهم امرأة تتقن إحدى اللغات الأجنبية"، مشيرة إلى تحرير المختطف بعد طلب فدية قدرها (4000 دولار) من ذويه، وذلك بالقرب من جسر المصابيح ضمن سريع التاجي بجانب الكرخ".
شبكة باكستانية أخرى في الرصافة
توالت الجرائم المشابهة، واستفحل الباكستانيون في بغداد، فبعد عملية الأعظمية، وعملية الكرخ، أعلنت وزارة الداخلية في تاريخ (3 أيار 2024)، القبض على شبكة خطف وابتزاز من الجنسية الباكستانية في منطقة الرصافة بالعاصمة بغداد.
وذكرت الوزارة في بيان ورد لـ "انفوبلس"، أن "مفارز من فوج طوارئ بغداد الرصافة الثاني وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى تمكنت من القبض على شبكة خطف وابتزاز مكونة من (12) شخصا من الجنسية الباكستانية".
وأوضح البيان، أن "أعضاء الشبكة يقومون بخطف وابتزاز اشخاص باكستانيين ومساومة ذويهم". لافتا الى "أنه تم تنفيذ واجب مشترك ضمن منطقة بغداد الجديدة / النعيرية أسفر عن إلقاء القبض عليهم ليتم تسليمهم الى جهة الطلب أصوليا".
عصابة الشعب
كما قلنا، توالى الكشف عن العصابات الباكستانية، إذ وفي الرابع من أيار أيضا من العام الحالي، أعلنت المديرية العامة للاستخبارات والأمن بوزارة الدفاع، الإطاحة بعصابة خطف وابتزاز "باكستانية" مكونة من 9 متهمين في العاصمة بغداد.
وذكرت المديرية في بيان تلقته شبكة انفوبلس، أن "مفارز مديرية استخبارات وأمن بغداد التابعة إلى المديرية العامة للاستخبارات والأمن بوزارة الدفاع، تمكنت من إلقاء القبض على عصابة متخصصة بعمليات خطف وابتزاز بمنطقة الشعب ببغداد".
وأوضحت، أن "العصابة تتكون من 9 متهمين من جنسيات باكستانية كانت تقوم بخطف أشخاص من جنسيات أجنبية أخرى وابتزازهم مقابل مبالغ مالية"، مبينةً أنه "تمت إحالتهم إلى الجهات المختصة أصوليا لإكمال أوراقهم التحقيقية".
عصابة مطلق النار في الأعظمية
نعود قليلا إلى الحادثة الأبرز في مقدمة التقرير وكيف أطلق أحد الآسيويين النار على منتسب أمني في الأعظمية، لقد تبين أن هذا ينتمي إلى عصابة تمتهن السطو المسلح في بغداد، وهي باكستانية أيضا!
تروي وزارة الداخلية تفاصيل هذه العصابة وتؤكد أن هذه الشبكة مجرمة ونفذت مجموعة من عمليات السطو المسلح والسرقة وهي مكونة من خمسة أشخاص.
رفع السلاح بوجه القوات الأمنية
لقد تمادت هذه العصابات كثيرا، ولم تكتف بالخطف والابتزاز، بل بدأت باستخدام السلاح بوجه القوات الأمنية وهذا ما أكدته وزارة الداخلية عندما قالت إن "مفارز الاستخبارات باشرت بالبحث والتحري والوصول إلى مكان تواجد هذه الشبكة ضمن منطقة بغداد الجديدة، حيث قام أحدهم بإطلاق النار من خلال مسدس على القوة المنفذة للواجب، وكان رد فعل القوة فورياً وإصابة هذا المتهم وإلقاء القبض على جميع أفراد هذه الشبكة التي تبين أنها دخلت العاصمة بغداد عن طريق التهريب ولا يمتلك أفرادها أي مستمسكات أصولية او أوراق إقامة، كما ضبطت بحوزتهم مسدساً ودراجة نارية”.
كما أكدت الوزارة، “اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وإحالتهم الى الجهات المختصة لينالوا جزاءهم العادل”.
هل تحوّلت بغداد إلى مركز للعصابات؟
فتحت هذه العصابات الكثير من التساؤلات، ولعل نشاطها في بغداد بصورة متزايدة أثار العديد من المخاوف من احتمالية تحولها إلى جريمة منظمة وبالتالي تحول العاصمة إلى مركز لها، وهذا ما نفته لجنة الأمن والدفاع النيابية جملة وتفصيل.
وقال عضو اللجنة ياسر اسكندر، في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "الحديث عن تحول بغداد الى مركز حيوي للعصابات الباكستانية، غير صحيح وهو بعيد عن الواقع"، مبيناً أن "اعتقال عصابة من الجنسية الأجنبية لا يعني أن العاصمة تحولت لمركز لهذه العصابات، خاصة في ظل الحملات الأمنية لملاحقة المقيمين غير الرسميين".
وأضاف اسكندر، إن "هناك عصابات مختلفة للجريمة المنظمة أصبحت تستغل بعض المقيمين غير الرسميين ببعض الجرائم المختلفة، لكن الحملة الأمنية ضد تلك العصابات وضد هؤلاء المقيمين غير الرسميين من مختلف الجنسيات ستحد بشكل كبير من هذه الظاهرة، خاصة أن تلك العمليات مستمرة وتستهدف مناطق مختلفة وستمتد الى المحافظات أيضا خلال الفترة المقبلة".
بالمقابل، يرى مراقبون، أن ما يحدث هو جريمة منظمة حقيقية لا غبار عليها، كون الجرائم وعمليات الخطف والابتزاز تتم بخطط مدروسة ومتقنة لا يمكن تجاوزها على أنها حدثا عابرا.
ويحذر هؤلاء من خطورة تنامي هذه العصابات، مؤكدين أن جهات كبيرة تقف خلفهم لا يُستبعد أن تكون أمنية أو سياسية، لغرض تصفية الحسابات الشخصية لهم.
كيف يدخلون؟ ومَن يقف خلفهم؟
يقول الناشط المدني قاسم حميد، إن "العراق يحوي عمالة أجنبية تفوق الحاجة، ومنهم من بات يلجأ إلى أعمال أخرى، غير الخدمة في المطاعم أو الشركات، بعضهم بات يبحث عن عمله الخاص ومشاريعه، وهو أمر اعتيادي إذا كان ينسجم مع القانون وشروط الإقامة، لكن ما يحدث في بعض المناطق، وتحديداً العاصمة بغداد، يفوق ذلك، إلى أن شهدنا أخيراً محاولات اعتداء وقتل العراقيين على يد أحد الباكستانيين".
واتهم حميد، أن "شركات عراقية تمارس عمليات تهريب واستيراد وتصدير العمال الآسيوية والأجنبية بالاحتيال وخارج القانون، وأن بعض هذه الشركات تستند إلى ثقل سياسي"، مؤكداً أن "هناك حاجة لرقابة فعلية على هذا الملف، لأنه بات يهدد أمن العراقيين".
إلى ذلك، تتهم السلطات العراقية شركات ومكاتب أهلية باستقدام العاملين، وأغلبهم من جنسيات آسيوية وعربية للعمل في العراق، وإدخالهم سوق العمل بأجور تنافس العمالة المحلية. وتنشط العمال الأجنبية في قطاع الخدمات والتنظيف والإنشاءات والنفط، وأغلبهم من الجنسية الآسيوية، إلى جانب بعض جنسيات أخرى.
حملات ملاحقة كبيرة
في النهاية، لابد من ذكر أبرز الحملات الأمنية التي انطلقت لملاحقة العمالة الأجنبية المخالفة في العراق بشكل عام وبغداد بشكل خاص.
فمنذ بداية العام الحالي، أطلقت السلطات الأمنية في بغداد، حملة أمنية لمتابعة وملاحقة العمالة الأجنبية التي دخلت البلاد عبر التهريب.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، إنّ "قوة من وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، استخبارات الفرقة الخامسة شرطة اتحادية، تمكنت من إلقاء القبض على (262) عاملاً آسيوياً في مناطق (مدينة الصدر، والشعب، والحميدية) دخلوا العراق بصورة غير شرعية، وستتخذ الإجراءات القانونية بحقهم حسب جهة الاختصاص".
وسبق ذلك، إصدار بيان من الوزارة، أكد أن "مديرية شؤون الإقامة بالاشتراك مع جهاز المخابرات الوطني العراقي واستخبارات الشرطة الاتحادية شرعت بحملة كبرى في عدد من مناطق العاصمة بغداد، أسفرت عن إلقاء القبض على (555) مخالفاً لشروط وضوابط الإقامة من مختلف الجنسيات".
وأضافت، أن "هناك جهوداً مكثفة من قبل الدوائر الأمنية المختصة لإلقاء القبض على المخالفين في بغداد والمحافظات وستستمر هذه الحملة من قبل المفارز المنتشرة"، داعية أصحاب المشاريع والشركات إلى "إكمال متطلبات منح الإقامة، من خلال دفع الرسوم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومراجعة مديرية شؤون الإقامة، وتقديم المعلومة والإبلاغ عن أي حالة مخالفة لشروط الإقامة وعدم إيوائهم خدمة لأمن البلاد".