أمريكا في "مأزق" بعد اتفاق هولندا مع العراق على ضرورة تغيير مهام التحالف الدولي.. من سيبقى مع واشنطن؟
انفوبلس/ تقرير
بعد مرور 10 سنوات على تشكيله بزعم محاربة تنظيم "داعش" الارهابي بقيادة أمريكا، بدأ أعضاء ما يسمى بـ"التحالف الدولي" يشكلون صداعاً للولايات المتحدة عبر مواقفهم المخالفة لرؤية الأخيرة، حيث اتفقت وزيرة الدفاع الهولندية كايسي اولونغرين مع حكومة بغداد، على ضرورة تغيير مهام "التحالف الدولي" في العراق، فمن سيبقى مع واشنطن؟
*اتفاق "يُربك" أمريكا
قالت وزيرة الدفاع الهولندية كايسي اولونغرين اليوم الاثنين 22 كانون الثاني/ يناير 2024، أن بلادها تتفق مع رؤية بغداد بضرورة تغيير مهام قوات التحالف الدولي في العراق في المرحلة المقبلة.
المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء ذكر في بيان ورد لـ"انفوبلس"، أن الأخير "استقبل وزيرة الدفاع الهولندية كايسي أولونغرين والوفد المرافق لها، وجرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون في المجالات كافة، كما جرى التطرق إلى الملفات المشتركة التي سيتم بحثها خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى هولندا، بناءً على الدعوة الرسمية المقدمة من رئيس الوزراء الهولندي.
السوداني أشار خلال اللقاء إلى قرار الحكومة العراقية في إعادة ترتيب العلاقة مع التحالف الدولي والانتقال إلى مستوى آخر من العلاقات الثنائية والتعاون مع دول التحالف، بحسب البيان.
من جانبها، عبّرت أولونغرين عن شكرها جهود رئيس مجلس الوزراء في المحافظة على الأمن والاستقرار، وتفعيل العلاقات الطيبة بين العراق وهولندا، وأكدت أن حكومة بلادها تتفق مع رؤية السوداني في أن الانتصار على داعش الإرهابية يحتّم تغيير مهمة التحالف الدولي والانتقال بها إلى علاقات ثنائية متكافئة، بعد تطور قدرات القوات الأمنية العراقية، كما بيّنت أن هولندا ستتسلم قيادة بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق منتصف هذا العام، وأنها ستعمل مع الحكومة العراقية على تحقيق رؤيتها الجديدة، من خلال البعثة الاستشارية الأوروبية.
وتواجه الحكومة الهولندية دعاوى قضائية واستحقاقات التعويضات المالية للضحايا، والتي قد تصل لعشرات الملايين من الدولارات، بعد اعترافها بمسؤوليتها عن أخطاء عسكرية قادت إلى قتل عشرات العراقيين في مدينتي الموصل والحويجة، وأبزرها "مجزرة الحويجة 2015".
وأعلن في 5 سبتمبر/ أيلول 2014 عن تأسيس ما يسمى "التحالف الدولي"، بقيادة الولايات المتحدة، إبان إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، إثر اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي مساحات شاسعة من العراق فضلاً عن سيطرته على مدن وبلدات مختلفة في شمال سوريا وشرقها.
وكانت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا أولى الدول التي انضمت للتحالف، قبل أن يتسع تدريجياً بالأسابيع اللاحقة للإعلان، ليبلغ 86 كياناً (81 دولة و5 منظمات أممية وإقليمية).
مبرر وجود التحالف الدولي في العراق انتهى وإنهاء مهامه ضرورة لأمن واستقرار العراق
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن في 5 كانون الثاني/ يناير 2024 أن حكومته بصدد تشكيل لجنة ثنائية لجدولة انسحاب قوات التحالف الدولي ضد "داعش" من العراق بصورة نهائية، وأنه لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على الأراضي العراقية، فيما بين أن مبرر وجود التحالف الدولي في العراق انتهى وإنهاء مهامه ضرورة لأمن واستقرار العراق.
ويأتي هذا بعد يوم واحد من تنفيذ غارة جوية أمريكية عدوانية على أحد مقرات الحشد الشعبي في بغداد، أسفرت عن استشهاد القيادي "مشتاق طالب السعيدي" المُلقب بـ "أبو تقوى".
في المقابل، نفى الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول مؤخراً، دخول قوات إضافية من التحالف الدولي إلى العراق، فيما أكد أن الحكومة ماضية باتجاه إنهاء التواجد الأجنبي في البلاد.
ونفت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، أي خطط لسحب قواتها من العراق، وهو ما يتعارض مع تصريحات من الجانب العراقي تؤكد العمل على إنهاء الوجود الأمريكي في البلاد. كما أن أغلب دول أعضاء ما يسمى "التحالف الدولي"، تخالف رؤية واشنطن.
من جهته، يرى النائب مهدي تقي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني "جاد بقضية إعادة تنظيم مهام وعمل التحالف الدولي في العراق، خصوصاً بعد تراجع قدرات تنظيم داعش بشكل كبير وعلى مختلف الأصعدة، واكتفاء الحاجة لمهام التحالف المتعلقة بالضربات الجوية".
ويشير تقي إلى أن "القوات العراقية ما زالت تحتاج إلى عمليات التدريب وتطوير القدرات على الأصعدة كافة، وهذا ما يدفع لبقاء مهام محددة ومختصرة بأعداد قليلة للتحالف الدولي، إضافة إلى بعثة حلف شمال الأطلسي التدريبية، ويجب أن يكون هناك تنوع في مصادر التدريب والاستشارة وليس حصر الأمر بيد جهة دولية واحد، كملف التسليح المتنوع".
كان يتعامل مع العراق بشكل غير مهني، خصوصاً بما يتعلق بتنفيذ الضربات الجوية خلال عمليات التحرير
ويعتبر تقي، أن "التحالف الدولي كان يتعامل مع العراق بشكل غير مهني، خصوصاً بما يتعلق بتنفيذ الضربات الجوية خلال عمليات التحرير، فهو كان يؤخر الكثير من الضربات بحجج مختلفة مما أخّر تحرير بعض المدن، لأن التحالف يحمل أجندة سياسية لا أمنية فقط، فهو مدخل للوجود الأجنبي في العراق، وهذا ما نرفضه ولن نسمح به، ولهذا هناك حراك حكومي لإعادة صياغة الاتفاق مع التحالف الدولي وتواجده ومهامه في العراق خلال المرحلة المقبلة".
*ملف ضحايا قصف التحالف
إلى جانب ذلك، فإن ملف ضحايا القصف الذي نفذته قوات التحالف وتسبب بسقوط مدنيين في العراق وسوريا، ما زال عالقاً. أكد مسؤول عراقي "بارز" في وزارة الداخلية وجود "آلاف القتلى المدنيين العراقيين"، سقطوا خلال غارات التحالف في الفلوجة والموصل والرمادي والقائم وبيجي وتكريت والحويجة ومناطق أخرى شمال وغربي البلاد، وفق قوله.
وأضاف المسؤول، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "قوات التحالف اعترفت بأقل من ألفين من الضحايا المدنيين سقطوا بالغارات الجوية، لكن بالنسبة لنا فإن العدد يصل لأكثر من 10 آلاف مدني، قضوا بغارات أميركية وبريطانية وفرنسية وهولندية، وهناك تحقيقات في بعض هذه الدول مثل بريطانيا وهولندا".
أكثر من 900 شكوى ضد "التحالف الدولي" لارتكابه جرائم حرب في العراق
كما كشف العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان العراقية، علي البياتي، أن 926 شكوى من ذوي الضحايا مسجلة لدى الحكومة العراقية ضد التحالف الدولي، من محافظات: نينوى، وكركوك، والأنبار، شمال، وغربي البلاد، مبينا أن نصف العدد المذكور هم شهداء، والآخر إصابات مختلفة.
وشدد البياتي، مطالبا الحكومة العراقية، أن تعمل على إقامة دعاوى ضد التحالف الدولي، عن الشكاوى التي وصلت إليها من ذوي الضحايا، لأن التحالف غير مخوّل من قبل مجلس الأمن. وأضاف، على الحكومة العراقية، أن تعمل على محاسبة التحالف الدولي، وتعوض الضحايا، لأن القصف الذي طالهم من التحالف، هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع التي تحتّم على الجهات المتحاربة تجنب استهداف المدنيين، وضرورة حمايتهم.
ونوه البياتي، إلى اعتراف التحالف الدولي، أنه خلال سنوات الحرب ضد "داعش" سقط ما يقارب 1370 مدنيا في العراق، وسوريا في حين تقارير دولية محايدة تؤكد سقوط 11800 شهيد فقط في العراق وسوريا وأكثر من 8000 جريح.
وعن موقف الحكومة حيال الشكاوى المقدَّمة إليها من قبل ذوي الضحايا، أكد البياتي، أنها اكتفت بذكر عدد الشكاوى، ولم تتخذ حتى الآن أي موقف أو تحرك يحاسب "التحالف الدولي" عن سقوط الضحايا المدنيين.
وبالإضافة إلى 2500 جندي في العراق، يوجد 900 أميركي في سوريا في إطار ما تزعم الولايات المتحدة إنها مهمة لتقديم المشورة والدعم للقوات المحلية.