التواطؤ الأمني والسياسي في كردستان يفاقم أزمة التهريب ويهدد الاستقرار الاقتصادي

انفوبلس/..
يعيش إقليم كردستان مرحلة حساسة من التحولات السياسية والأمنية التي أثارت الكثير من التساؤلات حول دور بعض القوى السياسية في تأجيج الأنشطة غير القانونية داخل المنطقة، فقد ظهرت تقارير دقيقة توثق أن بعض الأحزاب في الإقليم توفر بشكل مباشر أو غير مباشر الغطاء الأمني والقانوني لشبكات التهريب التي تنشط في مجالات متعددة، مما جعل من الإقليم ملاذاً آمنًا للمهربين الذين يمارسون أنشطتهم على نطاق واسع.
وفي هذا السياق، تتداخل عوامل عدة؛ منها ضعف الآليات الرقابية وغياب التنسيق الفعّال بين الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية، الأمر الذي يفتح المجال أمام تلك الشبكات للاستفادة من الثغرات القانونية واللوجستية.
كما أن الرواية السياسية في كردستان تحمل في طياتها بُعداً معقداً يتجلى في استخدام بعض القوى السياسية للغطاء الأمني كوسيلة لتعزيز مصالحها الشخصية والسياسية، مما يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في نزاهة النظام القانوني والأمني في الإقليم.
وتبرز هذه الظاهرة على خلفية اضطرابات اقتصادية واجتماعية يعيشها المجتمع الكردي، حيث يُنظر إلى هذه الأنشطة الإجرامية على أنها وسيلة للحصول على أرباح سريعة في ظل غياب فرص العمل والتنمية الشاملة.
وفي الوقت الذي يشهد فيه الواقع الأمني، تصاعدًا في الانتهاكات والتجاوزات ضد القانون، تصاعدت أيضاً الأصوات التي تطالب بضرورة إصلاحات جذرية تُعيد ترسيخ مبدأ سيادة القانون وفصل السياسة عن الأجهزة الأمنية والقضائية.
ومع تداخل المصالح السياسية والاقتصادية، باتت قضية الغطاء الأمني الذي توفره بعض الأحزاب لشبكات التهريب بمثابة مرآة تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه أمن واستقرار الإقليم، مما يستدعي تحقيقًا شاملًا واستراتيجيات عمل متكاملة لإعادة الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
حماية مباشرة من الأحزاب
في سياق متصل، وجّه السياسي الكردي لقمان الفيلي اتهامات صريحة لأحزاب نافذة داخل إقليم كردستان، مؤكدًا أنها توفر الحماية الأمنية والقانونية لشبكات التهريب التي باتت تنشط بشكل علني وتحت مرأى السلطات المحلية.
وأوضح الفيلي، في تصريح صحفي، أدلى به اليوم الاثنين، أن عمليات التهريب لم تعد مجرد تحركات فردية أو نشاطات خفية، بل تحوّلت إلى منظومة متكاملة تديرها جهات حزبية تمتلك النفوذ والسلطة داخل الإقليم.
وأضاف الفيلي، أن "المهربين يحظون بحماية مباشرة من تلك الأحزاب، ما يعقّد جهود السيطرة على هذه الظاهرة الآخذة في التوسع".
المواد التي يجري تهريبها من الإقليم تشمل النفط الخام، والسكراب، وموارد استراتيجية أخرى، يتم نقلها عبر طرق غير شرعية إلى خارج البلاد، محققة أرباحًا بملايين الدولارات
وتابع بالقول، إن "المواد التي يجري تهريبها من الإقليم تشمل النفط الخام، والسكراب، وموارد استراتيجية أخرى، يتم نقلها عبر طرق غير شرعية إلى خارج البلاد، محققة أرباحًا بملايين الدولارات، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متفاقمة".
وأكد الفيلي، أن "هذا النوع من التهريب يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين النافذة، ويشكل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الوطني، كما يعكس ضعفاً واضحاً في الإجراءات الرقابية والتنسيق بين حكومة الإقليم والسلطات الاتحادية".
وأشار إلى أن "تقارير سابقة صادرة عن جهات رقابية وبرلمانية كانت قد نبّهت إلى اتساع ظاهرة التهريب في المنافذ الحدودية للإقليم، وسط صمت رسمي يثير التساؤلات، وعجز واضح في اتخاذ خطوات حاسمة للحد من هذه العمليات".
وتأتي هذه التصريحات، لتضيف بُعداً جديداً إلى ملف شائك ومعقد، وتضع علامات استفهام كبيرة حول نوايا الإصلاح والتغيير في إقليم كردستان، خاصة في ظل استمرار هذا التواطؤ بين المال والسياسة على حساب أمن البلاد واقتصادها.
شبكات تهريب الكحول
وفي تطور ميداني يُسلّط الضوء على عمق وانتشار شبكات التهريب المنطلقة من إقليم كردستان، كشف مصدر أمني مطلع في الثاني عشر من نيسان الجاري عن تفكيك واحدة من أبرز الشبكات المتخصصة بتهريب الكحول إلى مناطق وسط العراق، بعد سلسلة من العمليات الاستخبارية التي استمرت لأسابيع.
وبحسب المصدر، فإن التحقيقات الأمنية أسفرت عن تحديد هوية شبكة تُعد من الأهم في مجال تهريب الكحول، والتي كانت تنشط بشكل منظم بين إقليم كردستان ومحافظة ديالى، حيث يتم نقل الكحول من خلال معابر غير رسمية، مروراً بطرق نيسمية يصعب رصدها، وذلك لتفادي نقاط التفتيش المنتشرة على الطرق الرئيسة.
وأوضح أن المهربين استخدموا حيلًا متقنة لإخفاء الشحنات، من بينها دمج الكحول داخل شاحنات محملة بمحاصيل زراعية ومواد غذائية، بهدف التمويه على السلطات الأمنية، مشيرًا إلى أنه تم ضبط ثلاث شاحنات محملة بالكحول واعتقال خمسة من أفراد الشبكة.
ولفت المصدر إلى أن الكحول المهربة تضمنت كميات كبيرة من ماركات مغشوشة وأخرى مجهولة المصدر، مما يعزز الشكوك حول ارتباط هذه الشبكة بجهات قادرة على تأمين الغطاء اللوجستي لتلك العمليات، في ظل ضعف الرقابة على المنافذ غير الرسمية داخل الإقليم.
وأكد أن التحقيقات ما تزال مستمرة لتعقب بقية المتورطين في هذه الشبكة واسعة النفوذ، التي تُعد الأضخم من نوعها خلال السنوات الثلاث الماضية. يُذكر أن محافظة ديالى تشهد إجراءات أمنية مشددة للحد من التهريب، لا سيما على الطرق الرابطة مع إقليم كردستان، في محاولة لتضييق الخناق على هذه الشبكات التي باتت تُهدد الأمن المجتمعي والاقتصادي في البلاد.
تهريب النفط
ضمن سلسلة القضايا التي تكشف حجم الفوضى الاقتصادية والأمنية في إقليم كردستان، تتواصل منذ سنوات عمليات تهريب النفط الخام بصورة ممنهجة، دون أن تعود عوائدها إلى خزينة الدولة العراقية.
ورغم تحذيرات مستمرة من حجم الخسائر، لم تُتخذ حتى الآن إجراءات حكومية جادة لوقف هذا النزيف، الذي يُدر أرباحًا طائلة للمهربين والمتنفذين، فيما يُباع برميل النفط بأقل من نصف سعره العالمي في أسواق التهريب.
وكان عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في البرلمان، علاء الحيدري، قد اتهم في وقت سابق سلطات الإقليم بالضلوع المباشر في استمرار عمليات تهريب النفط، مؤكدًا أن منظمة "أوبك" نبهت وزارة النفط الاتحادية إلى وجود زيادة غير مبررة في صادرات النفط العراقي. وبعد التدقيق، تبين أن الزيادة لا تعود إلى المنافذ الرسمية في الجنوب، بل إلى تهريب نحو 220 ألف برميل يوميًا من أراضي إقليم كردستان.
وتنقل شاحنات محملة بالنفط الخام كميات ضخمة عبر طرق جبلية وعرة، تنطلق من أطراف أربيل، مركز الإقليم، متجهة إلى تركيا، في مسارات لا تخضع لأي رقابة فاعلة. وقد ساهم إغلاق خط أنابيب تصدير النفط الرسمي في مضاعفة وتيرة هذه العمليات، التي باتت تمثل اقتصادًا خفيًا موازياً للدولة.
وكشفت وكالة "رويترز" في تقرير سابق أن ما لا يقل عن 200 ألف برميل من النفط يُهرّب يوميًا من كردستان إلى تركيا، محققًا عائدات تقدَّر شهريًا بنحو 200 مليون دولار.
هذه الأرقام الصادمة تعكس مدى تغلغل الفساد وتواطؤ بعض الجهات في تحويل الإقليم إلى بوابة مفتوحة للنهب المنظم، وسط غياب شبه كامل للمحاسبة والردع القانوني، مما يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والدولة.