الدفاع النيابية ترفض مماطلة الاحتلال في الانسحاب وتؤكد قدرة العراق على حماية سيادته

استقرار داخلي يفرض الانسحاب
انفوبلس/..
في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، يتصدر ملف الوجود العسكري الأجنبي، وتحديداً الأمريكي، واجهة الجدل السياسي والأمني في العراق، ففي الوقت الذي تؤكد فيه لجنة الأمن والدفاع النيابية تحسناً واضحاً في الوضع الأمني، وتطوراً ملحوظاً في قدرات القوات العراقية، تتصاعد المطالبات الداخلية بضرورة استكمال انسحاب القوات الأمريكية وتحويل العلاقة مع التحالف الدولي إلى أطر سياسية واقتصادية.
ورغم التفاهمات التي تم التوصل إليها بين بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي، تشير الوقائع على الأرض إلى تباطؤ أمريكي في تنفيذ الانسحاب، ما أثار شكوكاً واسعة حول جدية واشنطن في الالتزام بتعهداتها.
ويرى مراقبون أن بقاء القوات الأمريكية يرتبط بأجندات تتجاوز الأمن، وسط مؤشرات على استخدام الملف السوري ذريعةً لتمديد وجودها.
وبينما تؤكد الحكومة العراقية قدرتها على حماية السيادة الوطنية، تتصاعد الدعوات لتفعيل الاتفاقات المبرمة وتحقيق انسحاب حقيقي ينهي صفحة الوجود العسكري ويعيد رسم العلاقات الدولية للعراق وفق رؤية سيادية مستقلة.
استقرار داخلي يفرض الانسحاب
وفي هذا السياق، أوضحت لجنة الأمن والدفاع النيابية أن التحسن الملموس في الواقع الأمني العراقي يفتح الباب أمام خطوات عملية لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وفي مقدمته القوات الأمريكية، وتحويل طبيعة العلاقة مع التحالف الدولي من التعاون العسكري إلى الشراكة في مجالات التنمية والدبلوماسية والسياسة.
وأكد عضو اللجنة، علي البنداوي، أن هذا التحول لم يعد مجرد طموح سياسي، بل أصبح خياراً واقعياً تدعمه المؤشرات الميدانية والاستقرار الأمني الملحوظ في أغلب المناطق العراقية.
وأشار البنداوي إلى أن اتفاقية التعاون مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة، لكن الظروف الراهنة توضح أن الحاجة إلى بقاء قوات أجنبية قد انتفت، في ظل ما أثبتته القوات العراقية من كفاءة عالية وقدرة على التصدي لأي تهديد داخلي أو خارجي، بفضل التنسيق الكامل بين مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية.
وشدد على أن التوجه الحكومي الجديد يركز على بناء علاقات استراتيجية مبنية على المصالح المشتركة، بعيداً عن الأطر العسكرية، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي المتزايدة بالعراق، ويؤهله للعب دور محوري في معادلات الأمن الإقليمي وصياغة التوازنات السياسية في المنطقة.
واشنطن تماطل بالانسحاب الكامل
واشنطن لم تكتفِ بعدم تنفيذ بنود الانسحاب، بل عمدت إلى تعزيز تحركاتها العسكرية في بعض المناطق، لا سيما المحاذية للحدود السورية، ما يعكس رغبة أمريكية في الإبقاء على تواجدها العسكري لأسباب تتجاوز محاربة الإرهاب
ورغم التفاهمات التي توصّلت إليها بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، إلا أن المؤشرات الميدانية تُظهر تباطؤاً واضحاً في تنفيذ الالتزامات الأمريكية، ما يثير شكوكاً متزايدة لدى الأوساط السياسية والشعبية حول جدّية واشنطن في احترام الاتفاقات.
فبعد أشهر من الحوار الثنائي الذي جاء نتيجة ضغوط سياسية وعسكرية داخلية، وتكثيف ضربات فصائل المقاومة على القواعد الأمريكية، لم تُسجّل أي خطوات عملية تُثبت نيّة الولايات المتحدة سحب قواتها من الأراضي العراقية.
وبحسب مراقبين، فإن واشنطن لم تكتفِ بعدم تنفيذ بنود الانسحاب، بل عمدت إلى تعزيز تحركاتها العسكرية في بعض المناطق، لا سيما المحاذية للحدود السورية، ما يعكس رغبة أمريكية في الإبقاء على تواجدها العسكري لأسباب تتجاوز محاربة الإرهاب، وتدخل في صلب حسابات النفوذ الإقليمي.
قوى المقاومة العراقية، من جانبها، اعتبرت هذا السلوك تأكيداً لموقفها السابق بأن الولايات المتحدة لا تلتزم بتعهداتها، وأن إخراجها من العراق لن يتم إلا بالقوة.
ويذهب بعض الخبراء الأمنيين إلى أن واشنطن لا تزال تنظر إلى العراق بوصفه قاعدة استراتيجية لمراقبة المنطقة، ولن تتخلى عن وجودها بسهولة، وهو ما يجعل من ملف الانسحاب تحدياً سيادياً خطيراً.
وفي ضوء هذه التطورات، تجد الحكومة العراقية نفسها أمام اختبار حقيقي بين التزامها باتفاق الانسحاب من جهة، وضغوط الداخل، والمناورات الأمريكية من جهة أخرى، ما يتطلب موقفاً سيادياً حازماً يضمن إنهاء الوجود الأجنبي واحترام إرادة الشعب والمؤسسات الدستورية.
عصابات الجولاني حجة للبقاء
واشنطن لن تلتزم بتعهداتها، وستلجأ إلى افتعال أزمات حدودية وأمنية لتبرير بقائها، خاصة مع اقتراب الموعد المفترض لإنهاء مهمة التحالف الدولي.
وفي إطار المماطلة الأمريكية المستمرة في تنفيذ اتفاق الانسحاب من العراق، برز مؤخراً ملف الحدود السورية كذريعة جديدة تعتمدها واشنطن لتبرير استمرار وجودها العسكري.
وبحسب مراقبين، فإن الولايات المتحدة تسعى لاستخدام الجماعات المتطرفة الناشطة قرب الحدود، وعلى رأسها ما يُعرف بـ"عصابات الجولاني"، كغطاء لإبقاء قواتها داخل الأراضي العراقية، في محاولة لإعادة صياغة أسباب التمديد بما يخدم أجنداتها الأمنية والاستراتيجية في المنطقة.
وتعزّز هذا التوجه بتصريحات مثيرة للجدل صدرت عن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، الذي أبدى، خلال لقاء متلفز، تأييده لبقاء القوات الأمريكية تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش على الحدود العراقية السورية، مشيراً إلى قلقه من نشاط بعض الجماعات المسلحة في تلك المنطقة، وداعياً إلى استمرار التنسيق مع واشنطن لمعالجة هذه التهديدات.
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تمثل رسائل أمريكية غير مباشرة، تهدف إلى الترويج لضرورة استمرار الوجود العسكري الأجنبي، رغم التفاهمات التي تم التوصل إليها بشأن جدول الانسحاب.
ويؤكد هؤلاء أن واشنطن لن تلتزم بتعهداتها، وستلجأ إلى افتعال أزمات حدودية وأمنية لتبرير بقائها، خاصة مع اقتراب الموعد المفترض لإنهاء مهمة التحالف الدولي.
وبينما تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود نحو 2500 جندي أمريكي موزعين على قواعد عدة، تؤكد مصادر أمنية مطلعة أن العدد الحقيقي يتجاوز المعلن، ما يثير تساؤلات خطيرة حول شفافية الاتفاقات وجدّية واشنطن في احترام السيادة العراقية.
لا مبرر لوجود الاحتلال
ويؤكد مختصون في الشأن الأمني أن استمرار القوات الأجنبية، لا سيما الأمريكية، لم يعد له أي مبرر واقعي أو استراتيجي، بل يمثل عائقاً أمام استكمال السيادة الوطنية بشكل كامل.
ويشدد الخبير الأمني الدكتور سلام الزبيدي، في تصريح له تابعته "انفوبلس"، على أن بقاء هذه القوات يُلقي بظلال سلبية على المشهد الأمني والسياسي، ويُفقد الدولة العراقية قدرتها على التحرك المستقل في ملفات حساسة، محذراً من تداعيات هذا الوجود على المدى الطويل.
وأوضح الزبيدي أن الاتفاقيات الموقعة بين بغداد وواشنطن تنص بوضوح على ضرورة انسحاب القوات الأمريكية بشكل تدريجي، وتحويل طبيعة العلاقة إلى تعاون غير عسكري في مجالات متعددة.
إلا أن المماطلة الأمريكية تنسف تلك الاتفاقات، وتؤكد أن واشنطن لا تزال تنتهج سياسة فرض الأمر الواقع، كما فعلت تاريخياً مع عدد من الدول.
ويؤكد الزبيدي أن العراق اليوم يمتلك قوات أمنية وعسكرية أثبتت كفاءتها في مواجهة أخطر التحديات، وعلى رأسها تنظيم داعش، ولم يعد بحاجة لأي غطاء أجنبي.
كما اعتبر استمرار القواعد الأمريكية نوعاً من الاحتلال الصريح، وانتهاكاً لسيادة البلاد، مشدداً على أن ملف التواجد العسكري الأجنبي من صلاحيات الحكومة والبرلمان فقط، وليس من مهام رئاسة الجمهورية.