المطيبيجة عقدة الخطر المزمنة على امتداد الحدود بين ديالى وصلاح الدين

10 أعوام على تحريرها
انفوبلس..
في قلب التحديات الأمنية التي واجهها العراق بعد هزيمة تنظيم داعش عسكريًا، برزت منطقة المطيبيجة كإحدى أبرز البؤر الساخنة التي شكلت تهديدًا أمنيًا مستمرًا على امتداد الحدود الفاصلة بين محافظتي ديالى وصلاح الدين.
هذه المنطقة ذات التضاريس المعقدة والغابات الكثيفة، كانت لسنوات مأوى لخلايا التنظيم الإرهابي وممرًا سريًا يربط بين معاقله في المحافظتين، ما جعلها تمثل أهمية استراتيجية قصوى لداعش.
ومع إدراك الأجهزة الأمنية لخطورة هذه البقعة، أطلقت القوات العراقية وفي طليعتها قوات الحشد الشعبي، سلسلة من العمليات العسكرية المركزة شاركت فيها وحدات من الجيش العراقي من محوري ديالى وصلاح الدين، لاستعادة السيطرة على المنطقة وتطهيرها من العناصر الإرهابية.
وعلى الرغم من إعلان التحرير الكامل في منتصف عام 2017، إلا أن طبيعة المنطقة فرضت واقعًا أمنيًا خاصًا، تطلّب عمليات تمشيط مستمرة لدرء خطر الخلايا النائمة ومنع إعادة تمركز التنظيم فيها.
عقد كامل على التحرير
ففي مثل هذا اليوم السابع من تموز عام 2015، سطّر أبطال فتوى الدفاع الكفائي ملحمة جديدة من ملاحم النصر، تمثّلت بتحرير منطقة المطيبيجة الواقعة بين محافظتي ديالى وصلاح الدين من قبضة تنظيم داعش الإرهابي.
وقد جاءت هذه العملية البطولية امتثالاً لنداء المرجعية الدينية العليا، التي أطلقت فتوى الدفاع الكفائي لحماية العراق وشعبه ومقدساته، إذ لبّى أبناء الفتوى نداء الواجب واندفعوا إلى ميادين القتال بقلوبٍ مؤمنة وإرادة لا تلين.
وشهدت عملية التحرير تنسيقاً ميدانياً عالي المستوى، حيث تمكنت قوات الحشد الشعبي من اقتحام معاقل التنظيم الإرهابي في منطقة المطيبيجة، التي كانت تُعدّ من أخطر البؤر التي ينطلق منها الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم باتجاه ديالى وصلاح الدين.
وقد أسفرت العملية عن تطهير المنطقة بالكامل، وتكبيد فلول داعش خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
ويمثّل تحرير المطيبيجة محطة مفصلية في مسار الانتصارات، لما تحمله هذه المنطقة من أهمية جغرافية واستراتيجية في عمق مناطق التماس، وقد جاء النصر تتويجاً لتضحيات الشهداء والجرحى.
الذاكرة العراقية في كل عام تستعيد هذه اللحظات المجيدة، من موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، لتؤكّد أن أبناء العراق، وبسند الفتوى المباركة، قادرون على دحر الإرهاب وحماية الأرض والعِرض والمقدسات.
الرئة الخفية للإرهاب
ورغم مرور نحو عقد على تحرير محافظة صلاح الدين، وما يقرب من ثماني سنوات على إعلان النصر العسكري على تنظيم داعش، لا تزال منطقة المطيبيجة تمثل تحديًا أمنيًا متجدّدًا.
فهذه الرقعة الوعرة من الأرض، الواقعة شرق المحافظة، تحوّلت إلى ملاذ خفي لما تبقى من خلايا الإرهاب، مستفيدة من تضاريسها المعقدة التي تجمع بين سلسلة جبال حمرين من جهة، وامتداد نهر العظيم من جهة أخرى، ما يوفّر للمتحصنين فيها قدرة على المناورة، والانسحاب، والاختباء.
وشكّلت المطيبيجة عقدة استراتيجية و"رئة خفية" يتنفّس منها العنف، حيث تُستخدم كنقطة انطلاق نحو جسر الزركة، زغيتون، ومناطق داخل محافظة ديالى، مما يجعلها شريانًا سريًا ينقل التهديد من عمق الجغرافيا إلى حدود المدن.
هذه الطبيعة المعقدة للمكان، إلى جانب الفراغات الأمنية المتقطعة، جعلت منها واحدة من أصعب الجيوب التي تتطلب متابعة أمنية متواصلة لمنع عودة التهديد.
التراجع والانهيار
وفي خضم محاولاته اليائسة لإثبات السيطرة على ما تبقى له من جيوب، شهدت منطقة المطيبيجة في عام 2017 سلسلة من الإعدامات الميدانية التي نفذها تنظيم داعش بحق عدد من عناصره، في مشهد يعكس حجم التراجع والانهيار الذي كان يعيشه التنظيم آنذاك.
وفي حزيران من العام نفسه، أقدم التنظيم على تنفيذ عملية الإعدام الجماعي الثالثة خلال عام واحد بحق أربعة من عناصره، بينهم اثنان من محافظة ديالى، بتهمة "التخاذل" و"الهروب من ساحة المعركة"، وذلك بعد فشله المتكرر في شن هجمات منطلقة من المطيبيجة باتجاه ديالى وصلاح الدين.
تلك الإعدامات، التي جرت رمياً بالرصاص في العلن، لم تكن سوى مؤشر واضح على اهتزاز الثقة داخل صفوف التنظيم، وتراجع قدراته القتالية، وافتقاره إلى الحاضنة اللوجستية التي كان يعتمد عليها.
وتحوّلت المطيبيجة، رغم كونها ملاذًا سابقًا له، إلى مساحة للفوضى والانقسامات الداخلية، وهو ما يعكس نهاية مرحلة الصعود وبداية الانهيار لتنظيم حاول التشبث ببقع جغرافية باتت محاصرة بالأمن والاستهداف المستمر.