تفجير النجف يوم استشهاد السيد الحكيم.. هذه أبرز أسراره ومعطياته ونتائجه
انفوبلس/ تقرير
يُعد العدوان الذي وقع عند باب مسجد الإمام علي (عليه السلام) في النجف الأشرف بعد صلاة الجمعة في عام 2003، واحداً من خمسة اعتداءات دموية كبرى وقعت في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الزمنية الممتدة إلى 25 عاما من سنة 1978 إلى سنة 2003.
نُفذ هذا العدوان بواسطة سيارة مفخخة استهدفت آية الله محمد باقر الحكيم الزعيم الروحي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عند خروجه من مرقد الأمام علي (عليه السلام) بعد إنهائه مراسم صلاة الجمعة، وأسفر الهجوم عن استشهاد 95 شخصا مصلياً كانوا يؤدون صلاة الجمعة في المرقد، فضلا عن 500 جريح.
*علاقة أمريكا بالانفجار
وجّه البعض أصابع الاتهام لأمريكا بتنفيذ هذا الانفجار، لاسيما بعد أن كان شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قبل وقت قصير من استشهاده يقول في خطبة صلاة الجمعة الرابعة عشرة والأخيرة داخل الحرم العلوي الشريف بمحافظة النجف الأشرف، وأمام الآلاف من المصلين إن قوات الاحتلال الأميركي والبريطاني تتحمل مسؤولية انعدام الأمن، والاعتداءات التي تحصل على مراجع وعلماء الدين والأماكن المقدسة. وكان يتناول بالشرح والتحليل ملابسات محاولة اغتيال المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم التي وقعت قبل بضعة أيام من ذلك اليوم.
هذه القراءة الدقيقة للشهيد الحكيم حول الواقع القائم عبّرت عن نفسها بكل وضوح بعد أقل من ساعة عندما خرج من الحرم العلوي الشريف محاطاً بأعداد كبيرة من المصلين، ومن ثم وقوع العدوان الذي أدى إلى استشهاده مع أعداد كبيرة من المصلين.
كذلك يأتي أتهام القوات الأمريكية بالحادثة، بعد أن أبدت واشنطن رفضا لمشاركة أي طرف معها لإنجاز المهام الأمنية في العراق، لا من العراقيين ولا من غير العراقيين، وحتى الجزء القليل من القبول الذي كانت تُبديه في هذا الشأن كان يقترن مع شرط العمل تحت مظلّة قواتها ووفقا لتوجيهاتها وأوامرها. ولكن يوما بعد يوم كان يتضح خطأ هذا المنهج، خصوصا وأن الأميركان والبريطانيين كانوا يحرصون على حياة جنودهم وضباطهم ومعداتهم العسكرية في العراق بصورة أكبر بكثير من حرصهم على أرواح وممتلكات ومصالح العراقيين.
وكان نتيجة ذلك هو تفاقم المشكلات الأمنية، رغم أن حالة الفوضى العامة انحسرت نوعا ما، وفضلا عن المشكلات الأمنية فإن الجانب التخريبي فيما يتعلق بالخدمات العامة بقي يشكّل هاجسا مقلقا لمعظم العراقيين. ولعل عملية تفجير السفارة الأردنية، وتفجير مكتب الأمم المتحدة ومقتل ممثل الأمين العام للمنظمة السيد ديميلو، ومن ثم محاولة اغتيال المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وبعدها بأيام قلائل الحادثة المُفجعة المتمثلة باغتيال آية الله السيد محمد باقر الحكيم والعشرات من الأبرياء.
*مَن نفّذ الهجوم؟
يدور الشك حول استخبارات أجنبية في داخل وخارج العراق بتفجير النجف الدامي، والتي وبحسب مختصين، لا يهم هذه الاستخبارات سوى إشعال نار الحريق في العراق بحرب أهلية طائفية بين الشيعة والسنة آنذاك فيفقد الشعب العراقي تماسكه ويفقد الوطن وحدته ويتعذر الاستمرار في مقاومة الاحتلال الإنكلو ـ أمريكي للعراق، وهو وضع يماثل ما هو قائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة الآن من خلال فرض الفرقة بين الحكومة الفلسطينية الراغبة في التفاوض السلمي، وبين الفصائل الفلسطينية الراغبة في المقاومة، وتم كل ذلك بالعدوان الاسرائيلي الذي يستهدف اندلاع حرب أهلية فلسطينية يتعذر مع قيامها استمرار المقاومة الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي منذ سنة 1967 للأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يفوت على التفكير المنطقي السليم الربط بين عدوان النجف، وبين ما يحدث يوميا من عدوان في داخل فلسطين لأن العدوانين يستهدفان فرض حرب أهلية فيهما تُصرف المقاومة الشعبية في العراق وفلسطين عن مقاومة الاحتلال بهما، وفق مختصين.
*علاقة القاعدة وصدام بالهجوم
يرى مراقبون، أنه وفي محاولة للابتعاد عن التخطيط لحرب أهلية في العراق للقضاء على المقاومة الشعبية فيه آنذاك والتي تُقلق واشنطن ولندن وتكلّفهما «دم القلب» بالنزيف المالي وقتل جندهما، تم الادعاء بأن إرهابيين من القاعدة بالتعاون مع رجال صدام حسين قاموا بارتكاب جريمة مدينة النجف، لكنهم استبعدوا ذلك وأصروا على تورّط أمريكا، كون "القاعدة" بتطرّفها الديني لا يمكن أن تلتقي فكرياً مع رجال صدام حسين بتطرّفهم اليساري من خلال انتمائهم إلى حزب البعث في ثوبه القومي.
*السعودية وعلاقتها بالهجوم
اعتقلت القوات الأمنية آنذاك، أكثر من 19 شخصا مشتبه بتورطهم بتفجير النجف الدامي، وكان ضمنهم شخصين سعوديي الجنسية، الذين أكدوا وبحسب الشرطة العراقية أن الهجوم هذا كان يهدف إلى إبقاء العراق في حالة فوضى، حتى لا تتمكن القوات الأمنية من مراقبة الحدود العراقية التي يُعتقد أن عناصر أجنبية تتسرب منها إلى داخل العراق.
نفت السعودية كعادتها بعلاقتها في الهجوم، لكن السلطات العراقية أكدت أن من ضمن الملقى القبض عليهم سعوديي الجنسية، وأن محاولات التنصّل منهم من قبل الرياض غير مجدية، لاسيما بعد اعتراف الأشخاص بهويتهم.
*المجلس الأعلى.. أمريكا وصدام في قائمة المشتبهين
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق أكد أن الموالين لصدام حسين يحتلون أعلى القائمة بين المشتبه بتنفيذهم العدوان الذي أدى إلى استشهاد رئيسه محمد باقر الحكيم، مؤكدا في الوقت نفسه أن الأميركيين مسؤولون عن الأمن.
بدوره، لم يستبعد محسن الحكيم, المستشار السياسي لعضو مجلس الحكم الانتقالي في العراق ونائب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم في حديث صحفي, أن يكون "مرتزقة" أو عناصر "منظمات إرهابية" شاركوا في الاعتداء.
*أمريكا.. المتسبِّب الأول
يؤكد مختصون في الشأن الأمني العراقي، بأن الولايات المتحدة الاميركية بصفتها قوة احتلال للعراق تتحمل مسؤولية توفير الأمن في البلاد التي كانت تعيش أوضاعا مضطربة وقلقة جدا، وعليه فإن هذه القوات فشلت في الحؤول دون وقوع أحداث خطيرة من قبيل تفجير السفارة الأردنية، وتفجير مكتب منظمة الأمم المتحدة في العاصمة العراقية، ومحاولة اغتيال المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وغيرها من الأحداث المؤلمة.
وفي هذا الشأن قال آنذاك سايمون سرفات الباحث السياسي الاستراتيجي في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن “نحن نشهد وضعا متفاقما, وتدهورا لا يبدو له قرار، والقوة العسكرية الأميركية تبدو متخلّفة عن الأحداث في بلد يتجه نحو الهاوية”.
اما ماري جين ديب الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية فقد قالت إن آية الله الحكيم كان يريد منع التصادم بين الشيعة والأميركيين, وبين الإيرانيين والأميركيين, وبين الشيعة والسنة، وأنه كان يمثّل شخصية دينية بارزة معتدلة نظرا لأنه كان حريصا على الحفاظ على الهدوء والعمل بتأنٍّ وإن كان هدفه النهائي كمن في إقامة جمهورية إسلامية.
ومثل هذه الأقوال تشير إلى حقيقتين، الأولى هي الاعتراف الواضح والصريح من قبل الكثيرين في واشنطن بخطأ التعاطي الاميركي مع الملف العراقي، والحقيقة الثانية، تتمثل بالإقرار بالمكانة البارزة والمهمة التي كان يحظى بها السيد الشهيد الحكيم ودوره الفاعل والمؤثِّر في دفع البلد إلى الاستقرار والهدوء بعد عقود من الظلم والاستبداد والديكتاتورية المقيتة.