رويترز تروّج للاستسلام والتايمز تلوّح بالصواريخ… المقاومة تُربك الرواية الغربية

انفوبلس/..
لم يعد خافيًا على أحد أن الإعلام الغربي، بكل ثقله ومؤسساته، تحوّل إلى أداة ضغط سياسي وأمني ضد الفصائل الوطنية العراقية، لا سيما تلك التي تقف في خندق المواجهة مع الاحتلال الامريكي وأذرعه في المنطقة. فخلال الأيام القليلة الماضية، كشفت وكالتا “رويترز” و”التايمز” البريطانية عن تقارير متناقضة بشكل صارخ، تثبت مرة أخرى أن هدف الإعلام الغربي لم يكن يومًا نقل الحقيقة، بل التلاعب بها لتغذية الرواية الغربية التي تخدم مصالح واشنطن وتل أبيب.
*من الأخير
في تقريرها الأخير، زعمت “رويترز” – نقلاً عن مصادر مجهولة – أن بعض الفصائل العراقية مستعدة لنزع سلاحها وتسليمه للحكومة، في خطوة وصفتها الوكالة بأنها تهدف لتهدئة الأوضاع الإقليمية وتفادي الصدام مع الولايات المتحدة. ولم تمضِ 24 ساعة على هذا الادعاء، حتى خرجت صحيفة “التايمز” البريطانية بتقرير نقيض، تحدثت فيه عن قيام إيران بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى الفصائل العراقية للمرة الأولى وبقدرة تمكنها من الوصول إلى أوروبا.
تضارب لا يمكن تفسيره سوى بأنه جزء من حملة إعلامية ممنهجة، هدفها التشويش على الرأي العام العراقي، وخلق صورة مشوشة عن الفصائل، وكأنها “مرتبكة” في قراراتها أو “منقسمة” على نفسها، بينما الواقع يثبت أن هذه الفصائل أكثر انسجامًا في مواقفها، وأكثر ثباتًا في رؤيتها الاستراتيجية.
*فصائل المقاومة هدف دائم للإعلام الغربي
منذ تأسيسها، شكّلت الفصائل العراقية شوكة في حلق الاحتلال، وأثبتت قدرتها على الدفاع عن السيادة الوطنية في وجه أكبر آلة عسكرية في العالم. ومع عجز واشنطن عن كسر هذه القوى ميدانيًا، انتقلت إلى ساحة الحرب النفسية والإعلامية، مدفوعة بذراعها الإعلامية الممتدة عبر وكالات دولية مشبوهة.
ما تسعى إليه “رويترز” و”التايمز” ليس نقل المعلومة، بل إنتاج سرديات مفبركة تشوّه صورة الفصائل، وتدفع نحو تجريدها من مشروعيتها في الشارع العراقي، من خلال تضخيم التناقضات وتصويرها كقوة متذبذبة فاقدة للقرار.
*الصحافة "الإسرائيلية" تكشف الهدف
اللافت أن الإعلام الإسرائيلي، وتحديدًا “جورزاليم بوست” و”تايمز أوف إسرائيل”، تتعامل مع هذه التقارير الغربية ليس بوصفها مصادر معلومات، بل باعتبارها أدوات في لعبة سياسية كبرى. فقد وصفت الصحف الإسرائيلية تقارير رويترز والتايمز بأنها “جزء من الشطرنج الإيراني”، لكنها في الحقيقة تعكس استغلالًا وقحًا لوسائل الإعلام لتوجيه رسائل سياسية مزدوجة، يُراد من خلالها الضغط على الفصائل، وتشويه نواياها الحقيقية.
وتقول صحيفة “جورزاليم بوست” بشكل واضح: “من الصعب تصديق صحة كلا التقريرين”، ما يعكس إدراكًا ضمنيًا بأن هذه الروايات قد تكون مفبركة بالكامل أو على الأقل مضللة.
وتضيف: "استند تقرير رويترز إلى مصادر مجهولة من داخل أربع فصائل، وزعم التقرير أنه أجرى محادثات مع عشرة قادة، وفي الوقت نفسه، اعتمد التقرير أيضًا على معلومات من مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي".
وتكمل الصحيفة، أنه "يُصوّر التقرير هذا كجزء من لعبة الشطرنج الإيرانية عالية المخاطر في المنطقة، حيث تتجه الولايات المتحدة وإيران إلى محادثات غير مباشرة في عُمان، إضافةً إلى ذلك، تُنفّذ الولايات المتحدة غارات جوية على الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن"، وفق قولها.
وتابعت: "إن نزع السلاح يعني ببساطة أن أسلحتهم ستصبح تحت سيطرة الحكومة العراقية، لكن قوات الحشد الشعبي قوة شبه عسكرية رسمية في العراق، وبالتالي قد تُحاول الفصائل التلاعب بالرأي والقول إن أسلحتها أصبحت الآن جزءًا من الدولة".
وتختم الصحيفة الإسرائيلية، إنه "يتضح من التقريرين الصادرين عن رويترز والتايمز أن إيران والفصائل في العراق تلعب لعبةً عالية المخاطر، فهم يبعثون برسائل ويستعدون للاحتفاظ بأسلحتهم، بينما يتظاهرون في الوقت نفسه باحتمالية امتثالهم لمطالب كبح جماح نفوذهم في العراق"، بحسب الصحيفة.
*نزع السلاح؟ محاولة ترويج لأكذوبة أمريكية قديمة
من الغريب أن يُعيد الإعلام الغربي تدوير نفس الأكذوبة التي لطالما روّجت لها الإدارات الامريكية المتعاقبة، وهي “نزع سلاح الفصائل”. هذه الدعوات لم تكن يومًا نابعة من رغبة في “الاستقرار” كما يُزعم، بل كانت دومًا محاولة لتجريد العراق من عناصر قوته الوطنية، وإفراغ المشهد من أي جهة قادرة على مقاومة المشروع الأميركي في العراق والمنطقة.
الحديث عن نزع السلاح في وقت يتعرض فيه العراق لضغوط أمنية وسياسية هائلة، ليس سوى دعوة لاستسلام مجاني، لا يمكن لأي عاقل أن يقبله، فضلًا عن أن الفصائل ليست ميليشيات خارجة عن القانون، بل جزء من منظومة وطنية كبيرة، وعلى رأسها الحشد الشعبي الذي أُقرّ بقانون داخل البرلمان.
*الإعلام العراقي.. ضرورة التحرر من التبعية
الخطورة لا تكمن فقط في ما ينشره الإعلام الغربي، بل في انعكاسه على بعض الأصوات داخل الإعلام العراقي، والتي باتت تتلقف الروايات الغربية وكأنها “حقائق مقدسة”. هذا التبني الأعمى لتقارير رويترز والتايمز، دون تحقق أو تمحيص، ساهم في إرباك المشهد المحلي، وعزز من نفوذ الدعاية الغربية في الداخل العراقي.
من الضروري أن يتحرر الإعلام العراقي من هذه التبعية، وأن يتعامل مع الأخبار القادمة من الخارج بوصفها روايات خاضعة للتدقيق السياسي، وليست مرجعية نهائية للحقيقة.
*الرسائل المتضاربة… تكتيك مقصود
تحليل المشهد يكشف أن التضارب بين التقارير الغربية ليس صدفة، بل مقصود لذاته. ففي يوم، يُطرح موضوع “نزع السلاح” لتهيئة الشارع لقبول فكرة إخراج الفصائل من المعادلة. وفي اليوم التالي، يُعاد تقديم الفصائل كأداة إيرانية تستقبل الصواريخ لتهديد أمن المنطقة. هذا التلاعب السردي يخدم هدفًا واحدًا: إضعاف الفصائل إعلاميًا ومعنويًا، وتحويلها إلى عبء في نظر الرأي العام.
لكن هذه اللعبة لم تعد تنطلي على الجمهور العراقي، الذي خبر هذه الفصائل في الميدان، ورأى بأم عينه من الذي وقف في وجه داعش الإجرامي، ومن الذي تآمر على البلد وفتح حدوده أمام الإرهاب.
الفصائل باقية… والإعلام الغربي يسقط في اختبار المصداقية في النهاية، تبقى الفصائل جزءًا أصيلًا من نسيج الدفاع الوطني العراقي، ولا يمكن لأي حملة إعلامية مشبوهة أن تغيّر هذه الحقيقة. أما الإعلام الغربي، فبات من الواضح أنه لم يعد ناقلًا للخبر، بل طرفًا في الصراع، يخوض معركته بالكلمة والصورة والتضليل.
ومهما تغيرت الروايات، ومهما حاولت رويترز والتايمز أن تبدوا محايدتين، فإن تضارب تقاريرهما وحده كفيل بكشف الوجه الحقيقي لماكينة إعلامية لا تملك إلا أن تكون أداة بيد صُنّاع القرار في واشنطن ولندن وتل أبيب.