موجة هستيرية.. فيديوهات صادمة وتفاصيل درامية عن جرائم مدوية.. ماذا حدث في الليلة الماضية؟

انفوبلس/..
لم تكن ليلة السبت 19 نيسان 2025 ليلة عادية. فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق موجة هستيرية من الأخبار والفيديوهات المفبركة، التي اجتاحت منصات المستخدمين كالنار في الهشيم. أخبار قتل، وهجمات، وفيديوهات صادمة تنقل تفاصيل درامية عن جرائم مدوّية، كلها اجتمعت لتخلق صورة مرعبة عن انهيار أمني مفاجئ، في وقتٍ كانت فيه بغداد وبقية المدن تنعم بشيء من الاستقرار النسبي.
*الفوضى تبدأ من الشاشة الصغيرة
الساعة تشير إلى التاسعة مساءً، حين ظهر أول فيديو يتناقله العراقيون عبر تطبيقات التراسل ومواقع التواصل. رجل غاضب يحمل سلاحًا، يترجّل من مركبته غاضبًا، وترافقه امرأة تصرخ، لينهال بالشتائم والتهديد على عائلة داخل سيارة في منطقة العامرية. المشهد بدا حقيقيًا، الأصوات المرتجفة، بكاء الأطفال، وصراخ النساء، كلها رسمت صورة مرعبة عن “فوضى الشوارع” التي لا يضبطها قانون ولا يردعها رادع.
لم تمضِ سوى دقائق حتى تلاحقت الأخبار. منشور على صفحة مجهولة يقول: منتسب أمني يُقتل على يد زوجته وعشيقها في بغداد!.
بعدها بقليل، يظهر خبر جديد: هجوم يستهدف قائممقام قضاء المجر الكبير في ميسان بواسطة رمانة هجومية أُلقيت على منزله!، لينتشر الخبر بصورة سريعة، دون مصدر واضح أو تأكيد رسمي، لكنه وجد من يشاركه آلاف المرات.
ثم يتبع ذلك، منشور عن تشريد أكثر من 2000 منتسب في الشرطة الاتحادية بمحافظة البصرة، وأنهم أصبحوا بلا مأوى!
*الداخلية تتدخل: هذه أكاذيب!
وسط هذا السيل من الذعر، أصدرت وزارة الداخلية العراقية بيانًا رسميًا في ساعة متأخرة من الليل، حذّرت فيه من “حملة ممنهجة” لإعادة نشر مقاطع قديمة وأخبار كاذبة بهدف تضليل الرأي العام.
وجاء في البيان: “لاحظنا أن هناك حملة ممنهجة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة نشر مقاطع فيديو حول أحداث وقعت في أوقات سابقة، وقد اتُّخذت بشأنها الإجراءات القانونية اللازمة في حينها. الوزارة تحتفظ بحقها القانوني ضد كل من يروّج أو يحاول الإيهام بوقوع حوادث قديمة لأسباب معروفة.”
لكن البيان لم يكن كافيًا لإطفاء حريق الذعر الذي أشعلته هذه الأخبار، فالناس كانت قد بدأت بالفعل في تداول القصص كأنها وقعت قبل دقائق، دون تحقق، دون سؤال، فقط ضغط على زر “مشاركة”.
بعد ذلك أصدرت الداخلية بيانا جديداً، جاء في نصه: "انتشرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي فيديوا لشخص مسلح يهاجم أسرة داخل سيارتهم في منطقة العامرية غربي العاصمة بغداد".
وتابعت: "نود أن ننوه إلى أن هذا الحادث يعود لوقت سابق وتحديداً قبل نحو 3 أشهر. كما نؤكد أن الإجراءات القانونية اللازمة اتُخذت في وقتها حسب السياقات المعتمدة، داعية الى توخي الدقة في نشر مقاطع فيديو قديمة دون التحقق منها".
*من يقف وراء هذه الموجة؟
السؤال الذي لم يُطرح بصوت عالٍ لكنه كان يدور في أذهان الصحفيين والجهات الأمنية هو: من يحرّك هذا السيل من التضليل؟ ولماذا الآن؟
مصدر أمني تحدّث قائلًا إن “هذه الموجة ليست عشوائية كما يظن البعض، بل هناك حسابات وصفحات وهمية نشطة، مرتبطة بجهات داخلية وخارجية، تعمل وفق أجندات لإرباك الداخل العراقي كلما لاحت بوادر استقرار نسبي".
وأضاف المصدر، إن التحقيقات جارية لتتبع من يقف خلف نشر هذه الفيديوهات، مؤكدًا أن “بعض المقاطع التي نشرت، مثل مقطع العامرية، تعود لأشهر مضت وقد تم التعامل معها أمنيًا في وقتها".
من جهته، الخبير في الإعلام الرقمي، حسام العلي، يقول "نحن في عصر أصبحت فيه العاطفة هي الحَكَم، وليست الحقيقة. المستخدم يتفاعل مع الفيديو لأنه صادم، لا لأنه حقيقي. وهذا أخطر ما في الأمر".
وأضاف: “هناك اليوم ما يُعرف بـ الهندسة العكسية للشائعات، حيث تُصنع قصة وهمية كاملة حول مقطع قديم أو حادثة جزئية، وتُغلف بعناوين مثيرة، ويُسندها شهود مجهولون، فتبدو كأنها حقيقة كاملة".
*التضليل صناعة.. وله أدواته
ليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها الشائعة كسلاح، فقد شهد العراق خلال الأعوام الماضية موجات متكررة من التضليل، خاصة قبيل الانتخابات، أو خلال الأزمات السياسية. لكن ما يميز “ليلة التضليل” هذه أنها جاءت في وقت لم يكن فيه الشارع يتوقع اهتزازًا مفاجئًا في المشهد الأمني، فكانت الصدمة مضاعفة.
اللافت أن القصص الثلاث التي تصدّرت الليلة — مقتل المنتسب، وهجوم المجر الكبير، واعتداء العامرية — بدت كأنها مترابطة في توقيتها، لتخلق شعورًا عامًا بأن “الأمن قد انهار”، وهو ما نفته الجهات الرسمية لاحقًا جملة وتفصيلًا.
*هل تكفي البيانات الرسمية؟
يقول الباحث السياسي، مازن الجبوري، إن "“البيانات الرسمية لا تكفي إذا لم تواكب اللحظة. الجمهور يحتاج إلى رد سريع، بلغة يفهمها، وبالوسيلة التي يتابعها. أما أن نرد في منتصف الليل، بعد أن تكون القصة قد غزت العقول، فذلك لا يجدي كثيرًا".
ودعا الجبوري إلى ضرورة أن تمتلك المؤسسات الأمنية والإعلامية وحدات متخصصة في “الرصد اللحظي والتصدي الفوري للشائعات”، تشبه غرف التحكم في الطوارئ، لكنها مخصصة لمعالجة الأزمات الإعلامية الرقمية.