الشرطي سيف عباس شيّد مجمعاً سكنياً للفقراء بألف دينار فقط.. تعرّف على تفاصيل مشروعه
انفوبلس/..
مشروع الألف دينار السكني، قصة بدأها منتسب في الشرطة العراقية، مشروع بفكرة أقرب إلى الحلم من الحقيقة، بألف دينار يجمعها من تبرعات لبناء بيت يؤوي أيتاما أو فقراء، ثم يحتفل بتسليم 25 بيتا في مجمع سكني متكامل لعائلات متعففة وأيتام بحضور شعبي ورسمي بمحافظة بابل.
يعمل سيف عباس كَطوف شرطيا ضمن قوات الشرطة الاتحادية، وهو يترأس الآن مشروع "الألف دينار" الذي كان يحلم من خلاله ببناء بيوت للأيتام والفقراء، وتحقق له ذلك بعد أن استطاع، من خلال تبرعات العراقيين "داخل البلاد وخارجها"، بناء 25 دارا، يتكون كل منها من غرفتين وصالة ومطبخ، مؤثثة تأثيثا كاملا قبل تسليمها لمستحقيها.
وعبّر كطوف عن سعادته بحفل افتتاح المجمع السكني الذي بُنِيَ من خلال مشروع الألف دينار، عبر مقطع فيديو نشره على حسابه في فيسبوك، مؤكدا أن إدارة المشروع والعراقيين الذي تبرعوا لبنائه رفضوا حضور أي سياسي أو مسؤول حكومي لحفل الافتتاح، في حين حضر قائد الشرطة الاتحادية وناشطون وعاملون في المجال الإنساني والحقوقي.
واحتفى العراقيون عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي بنجاح مشروع الألف دينار في بناء بيوت للفقراء والأيتام، عادّين الشرطي سيف مصدرا للإلهام وداعين إلى استنساخ تجربته في مناطق أخرى من البلاد.
مبادرة فردية واعتماد على التبرعات
ورغم وفرة النفط والثروات الباطنية في العراق، إلا أن الأنظمة عجزت عن تأمين سقف وأربعة جدران لأولئك الذين يرزحون تحت خط الفقر والذين يناهز عددهم وفق إحصاءات رسمية خمسة ملايين ونصف المليون من أصل حوالي 43 مليون هم عدد سكان العراق.
لهذه الأسباب وكي لا يبقى المشهد قاتماً، أطلق "سيف عباس كطوف" في العام 2019 مبادرة فردية للإسهام في حلّ مشكلة السكن اعتماداً على تبرعات المجتمع العراقي نفسه، بعيداً عن الجهات السياسية ووعودها الانتخابية التي لم تتحقق.
المشروع الذي أطلقه في البداية بهدف ترميم منزل واحد فقط في محافظة بابل سوف يتسع ويصل إلى مرحلة تشييد مجمعات سكنية للفقراء والأرامل تُجمع تكاليفها من صدقات المتبرّعين
المنتسب إلى الشرطة الاتحادية برتبة مفوض، أطلق على مبادرته، وهي بحسب وصفه مشروع إنساني بدعم ذاتي لا يرتبط بأي شخصية ويعتمد على التبرعات من الناس وعلى حثّهم على دفع مبلغ 1000 دينار فقط، من أجل بناء منازل لائقة للأيتام وعوائل الشهداء والعوائل المتعففة.
يتابع سيف، الملقّب في ناحية الشوملي في محافظة بابل بالـ "الشرطي القدّيس" نظراً لما قدّمه للأهالي من خدمات خلال السنوات الأربعة الماضية: "قد تشكل هذه المبادرة خطوة على طريق الألف ميل في حل مشكلة كبيرة تعاني منها هذه العوائل التي ضحّت بالغالي والنفيس من أجل الوطن".
لم يدرك سيف، أن المشروع الذي أطلقه في البداية بهدف ترميم منزل واحد فقط في محافظة بابل سوف يتسع ويصل إلى مرحلة تشييد مجمعات سكنية للفقراء والأرامل تُجمع تكاليفها من صدقات المتبرّعين.
ويتابع سيف: "كانت الفكرة في البداية بسيطة طرحتها على بعض الأصدقاء فدعموني وشجعوني، ثم تطورت من بناء غرفة وترميم دار إلى أن وصلنا اليوم لبناء مجمعات سكنية متكاملة".
ويشير إلى أنه تمكّن بمساعدة الخيرين من إكمال أكثر من 60 دارا متفرّقة، من خلال ترميم بعضها، وبناء البعض الآخر بالكامل.
وعن الأموال التي تُساهم ببناء هذه المنازل يوضح سيف بأن "التبرعات تتم بعد ما يشاهده الناس على مواقع التواصل مما ننشره عن مراحل البناء، ولدينا حسابات مصرفية يتم التبرع من خلالها، كذلك وضعنا العديد من صناديق التبرع في الأسواق والمقاهي، لمن يرغب بالتبرع نقدا".
ويضيف، "حملات الإشادة بالمبادرة من قبل المؤثّرين وصُنّاع المحتوى ووسائل الإعلام أسهمت بشكل كبير في تشجيع الناس على التبرع لإكمال ما بدأناه".
مشروع لـ مجمع سكني متكامل
ووفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة الذي شارك في إعداده برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) والبنك الدولي فإن البلاد تحتاج إلى 5 ملايين وحدة سكنية لحل أزمة السكن للمواطنين الباحثين عن سقف يأويهم وعوائلهم.
لهذا، وبعد أن قام صاحب المبادرة "سيف عباس گطوف" بترميم وبناء العشرات من المنازل التي آوت العوائل المتعففة والأيتام، أطلق مبادرة جديدة في عام 2021 لبناء أول مجمع سكني متكامل.
المشروع الأول كان بناء 25 دارا، وبمساحة 120 متر مربع للدار الواحد، بعد أن قام بشراء قطعة أرض زراعية بمساحة 5000 متر مربع في مدينة الشوملي التابعة لمحافظة بابل، وتأثيث كامل لهذه المنازل، مع إكمال جميع البنى التحتية والخدمات كافة.
مواصفات عالية ومساحات جيدة
تم صرف مبلغ 400 مليون دينار عراقي على المجمع كاملاً بمنازله وخدماته وشوارعه
ويتحدث السيد حسين الشمري، المهندس المقيم لمشروع بناء 25 دارا سكنيا: "تداولنا أنا والأخ سيف في مساحة الأرض وطبيعتها الزراعية، وكيفية فحصها لمعرفة ملاءمتها للبناء، بسبب أن التربة في هذه الحالات تكون مليئة بالأملاح، إلا أن الحلول موجودة لذلك".
ويشير الشمري، إلى أنه وبعد وضع الخطة “تم تقسيم قطعة الأرض لتحتوي على 25 داراً بحيث تكون الدار بمساحة 120 مترا مربعا، وذلك وفقا لأفضل مواصفات تصميم المنازل ومساحات الشوارع الجيدة".
أما الشرطي سيف، فأشار إلى أنه "تم صرف مبلغ 400 مليون دينار عراقي على المجمع كاملاً بمنازله وخدماته وشوارعه، لأن المنزل الواحد يكلف من 10 – 15 مليون دينار، وتم التسليم في بداية عام 2022، بحضور حشد كبير من مواطني مدينة بابل".
أم علي، إحدى المستفيدات من المجمع السكني، والتي تسكن الدار رقم 19، تقول، "كنتُ أعيش في غرفة مستأجرة، والإيجار يدفعه عني الخيّرون من الجيران، فامتلاك بيت يأوي أيتامي كان حلما مستحيلا، إلا أن الإخوة في هذه المبادرة الخيرية أدخلوا السعادة لقلوبنا، وجعلونا نشعر بالطمأنينة والأمان".
وترفع أم علي يديها بالدعاء "أرجو أن تكون أعمالكم في ميزان حسناتكم، وأن تساعدوا الآخرين وتفرحوهم كما افرحتمونا، ونتمنى أن يفرحكم الله طول حياتكم".
مبادرات محلية لتقديم خدمات للمشروع
بينما يذكر مدير ناحية الشوملي السيد عادل نعمه الخيگاني أن "سيف عباس گطوف يقوم بواجب المواطن الحقيقي الذي يشعر بحاجة أهله وناسه لسقف يستظلون فيه، ونحن فخورون به وداعمون لمشاريعه بشكل كامل، فجميع دوائرنا الخدمية من ماء ومجاري وكهرباء مسخّرة لإنجاز وإكمال ما يحتاجه في خدمته الإنسانية الكبيرة التي يقدمها".
ويضيف، “نحن بالمقابل نقوم بدورنا في ترميم المدارس وتبليط الشوارع وتقديم الخدمات للمدينة وبناها التحتية، فالحكومة المحلية تعمل بكامل طاقتها وجهودها، لكن تبقى قلّة الأموال المخصصة عائقا أمام أي مشاريع نطمح إليها، فضلا عن عدم وجود الخطط الاستراتيجية من قبل الحكومة المركزية لحل أزمة السكن في مدينتنا وفي العراق بشكل عام”.
مشاريع جديدة وكبيرة
بعد أن قام الشرطي القديس، بتوزيع 25 دارا في منتصف عام 2022، انطلق مباشرة بمبادرة ومشروع جديد يأمل أن ينتهي منه في نهاية عام 2023 لتسليمه إلى المستحقين.
وذكر سيف، أنه "بدأنا بإنشاء مجمع سكني يستوعب 100 دار، بمساحة 130 متر مربع للمنزل الواحد، ووصلت نسبة الإنجاز إلى 75%".
ويضيف "كذلك قمنا بهذا المجمع الجديد ببناء مسجد، وملعب للكرة، ومركز صحي، وروضة أطفال، ومدرسة نموذجية مؤلفة من 12 صفا دراسيا".
وبحسب “سيف عباس گطوف” فإن المشروع لم يواجه أي صعوبات أو معوقات منذ أن بدأ فكرته الخيرية إلى هذه اللحظة، بل على العكس كان الجميع متعاوناً معه، إلا أنه بحاجة لاستمرارية التبرع وتقديم الصدقات، ويدعو جميع العراقيين ورجال الأعمال وأصحاب الشركات إلى دعم مشروعه بالأموال أو بمواد البناء ليكمل ما تم التخطيط له بأسرع مدة زمنية، وتسليمه إلى العوائل المستحقة، ومن ثم الشروع بمجمعات أخرى.
ويؤكد الشرطي صاحب المبادرة، أن "إسكان الأيتام وبناء الإنسان أمران مهمان جداً، والمشاريع هذه لا تُختزل باسمي فقط، بل هنالك جنود مجهولون ومؤسسات رسمية خلف إنجازه".
ويختتم كلامه بالحديث عن حلمه الذي يرغب بتحقيقه خلال السنوات القادمة، "حلمي بناء 1000 منزل، تكون بمثابة الوطن للعوائل المتعففة بعموم مدن العراق، وأنا أثق أن الناس سوف يتبرعون، فلقد جرّبناهم كثيرا، وكانوا على قدر المبادرة".
وتبقى أمنيته أن "يكون هنالك مبادرون ببناء أوطان في جميع المناطق، حتى نتكاتف ونجعل بلدنا بأبهى صوره".