بؤر جاهزة للانفجار.. فاجعة الـ"هايبر ماركت" تكشف هشاشة منظومة السلامة في المباني العراقية

انفوبلس/..
كشفت الكارثة التي وقعت الليلة الماضية داخل هايبر ماركت الكوت وأودت بحياة نحو 70 شخصاً، عن هشاشة منظومة السلامة في المباني العراقية، وتحديدًا في الأسواق والمراكز التجارية التي أصبحت بؤرًا جاهزة للانفجار عند أول شرارة، خاصة وأن مثل هذه الحوادث لم تحصل لأول مرة بل أصبحت موسمية ولنا شواهد في مستشفى ابن الخطيب وما تبعها من حريق كارثي في مستشفى الحسين ولاحقا الحريق الذي وقع داخل قاعة أعراس في مدينة الحمدانية.
*تفاصيل الفاجعة الأخيرة
وفي تفاصيل الفاجعة الأخيرة، اندلع حريق ضخم داخل هايبر مركت الكوت المكوّن من خمسة طوابق وسط المدينة، ما أدّى إلى مصرع أكثر من 60 شخصاً وإصابة العشرات، أغلبهم قضوا اختناقًا داخل الطوابق العليا.
وبحسب الدفاع المدني، فإن غياب ممرات الإخلاء، وضعف الاستجابة الأولية، وتعذّر وصول فرق الإنقاذ إلى أعلى البناية، فاقم من أعداد الضحايا.
أصدر رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، توجيهات عاجلة بشأن الحريق المؤسف بالكوت.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان، أن "رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، وجّه وزير الداخلية بالتواجد الميداني في موقع حادث الحريق المؤسف في مدينة الكوت، والتحقيق الفوري في الأسباب والظروف المحيطة، وإجراء تحقيق فني دقيق لكشف أوجه التقصير، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث".
وأضاف أنه "في إطار متابعة السوداني المتواصلة لتداعيات هذا الحادث المؤسف، فقد وجّه بإرسال فريق طبي بكامل الإمكانيات، لدعم جهود إسعاف المصابين وعلاجهم"، معبراً عن "تعازيه العميقة لأسر الضحايا، والتضامن الوجداني معهم، سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يلهمهم الصبر والسلوان".
*7 أيام على الافتتاح
المشكلة، أن هذه الحادثة جاءت بعد سبعة أيام فقط على افتتاح هذه الهايبر ماركت، الأمر الذي أثار التساؤلات حول ما إذا كان قد افتُتح دون موافقات من الجهات المعنية بأمن وسلامة البنايات.
ووجه وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، بتشكيل لجنة عليا للوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت الى اندلاع حريق في بناية تجارية بالكوت، فيما أكد عدم التهاون بمحاسبة أي جهة يثبت تقصيرها.
وجاء في بيان الوزارة: "بقلوب يعتصرها الألم والحزن، تنعى وزارة الداخلية ضحايا الحريق المروّع الذي اندلع يوم أمس في بناية تجارية مكوّنة من خمسة طوابق وسط محافظة واسط، والتي تضم مطعماً وهايبر ماركت، لم يمضِ على افتتاحها سوى سبعة أيام".
وأضاف "لقد أودى هذا الحريق المؤلم بحياة (61) مواطناً بريئاً، غالبيتهم قضوا اختناقاً داخل الحمامات نتيجة تصاعد كثيف للدخان، وبينهم (14) جثة متفحمه غير معلومة في حادث مؤلم هزّ الوجدان والضمير"، مبينا أنه "رغم جسامة الموقف، فقد تمكنت فرق الدفاع المدني من إنقاذ أكثر من (45) شخصاً كانوا عالقين داخل المبنى، بجهد بطولي وتفانٍ عالٍ".
ووجه وزير الداخلية "بتشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة المستشار الفني للوزير، وعضوية مدير الأدلة الجنائية، وعدد من كبار المحققين والفنيين المختصين، وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الحريق، وتحديد مواضع الخلل والمسؤولية بدقة وشفافية".
وتابع "إننا في وزارة الداخلية، إذ نرفع أحر التعازي وأصدق المواساة إلى عوائل الشهداء الكرام، ونشاطرهم هذا المصاب الجلل، نسأل الله العلي القدير أن يتغمد أرواحهم الطاهرة برحمته الواسعة، ويسكنهم فسيح جناته، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والثبات والسلوان".
وأكد أن "الوزارة لن تتهاون في محاسبة أي جهة يثبت تقصيرها أو مسؤوليتها، التزاماً بالحق والعدالة، وحرصاً على سلامة المواطنين"، لافتا الى أن "إعلان نتائج التحقيقات الفنية الشاملة فور اكتمالها، التزاماً من الوزارة بمبدأ الشفافية الكاملة أمام الرأي العام"
*التجارة تتبرأ
التجارة التي دائماً ما تفاخر بإنجاز مشاريع الهايبر ماركت في مناطق مختلفة من البلاد، رغم أن جميع هذه المراكز مبنية بمواد سريعة الاشتعال، تبرأت هذه المرة من المركز المحترق.
ونفت وزارة التجارة، اليوم الخميس، عائدية الهايبر ماركت المحترق في مدينة الكوت الى سلسلة "التعاون الهايبر ماركت" الرسمية الحكومية التي أطلقتها الوزارة قبل أشهر في جميع المحافظات.
وقال المتحدث باسم الوزارة محمد حنون في بيان، إنه "في الوقت الذي نعزي أهلنا في محافظة واسط العزيزة للحادث الذي حصل في أحد الأسواق التجارية وأودى بحياة عدد من المواطنين من أبناء المحافظة، تود وزارة التجارة أن توضح للرأي العام أن الهايبر ماركت الذي حصل فيه الحادث في محافظة واسط لا يتبع للوزارة بأي شكل من الأشكال ولا يمت بصلة إلى الشركات العامة أو الخاصة التابعة للوزارة أو المستثمرين المتعاقدين معها في مشاريع تعاون هايبر ماركت" .
وأضاف حنون، "إننا في الوقت الذي نتابع فيه باهتمام تداعيات الحادث المؤسف نؤكد حرصنا على الدقة في تداول المعلومات ونهيب بجميع وسائل الإعلام والمواطنين توخي الموضوعية وعدم ربط مشاريع حققت نجاحا ملحوضاً بأحداث لا علاقة لها بها".
*حادثة ليست الأولى
لكن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، إذ لا يكاد صيف أو شتاء يمرّان دون كارثة حريق في العراق.
ففي أيلول/سبتمبر 2023، أودت النيران في قاعة أعراس بمدينة الحمدانية بحياة أكثر من 100 شخص، بينهم أطفال ونساء. وفي تموز/يوليو 2021، التهمَ حريق هائل مستشفى الحسين في الناصرية، ما أسفر عن مقتل 92 شخصاً.
وقبلها بثلاثة أشهر، شبّ حريق آخر في مستشفى ابن الخطيب في بغداد، خلّف 82 قتيلاً وجميع هذه الحوادث تشترك في قاسم واحد، وهو "انعدام أبسط معايير السلامة".
*تساؤلات عن الرقابة
ويقول مختصون إن معظم الأبنية العراقية – لا سيما الخاصة بالتجمعات العامة – تُشيّد من دون دراسات إنشائية كافية، وغالبًا ما تُمرَّر عبر لجان فنية وهمية أو موظفين غير مؤهلين، فيما تُمنح إجازات السلامة والدفاع المدني مقابل مبالغ مالية.
في هذا السياق، قال الخبير في أمن وسلامة المباني عبدالسلام حسن إن "العراق يعيش حالة من الفوضى التنظيمية المزمنة في قطاع الأبنية، إذ لا توجد جهة رقابية واحدة فعالة تُلزم أصحاب المباني بشروط الإطفاء والإخلاء ومعدات الطوارئ".
وأضاف حسن، أن "كل ما نراه من كوارث، هو نتائج مباشرة لتراخيص مشبوهة، وغياب الفحص الحقيقي، وشراء شهادات السلامة من بعض الموظفين المرتشين".
وأوضح أن "الغالبية الساحقة من الأبنية الحديثة، وخاصة المجمعات والأسواق وقاعات المناسبات، غير مستوفية لأي اشتراط دولي للسلامة، ولا تحوي مخارج طوارئ مدروسة أو منظومات إطفاء فاعلة، بل مجرد طفايات بلا صيانة وديكور لا يصدّ النيران بل يغذيها".
من جهتهم، يتهم نشطاء ومهندسون معماريون شُعب الدفاع المدني المسؤولة عن منح الموافقات بأنها أصبحت "مكاتب جباية غير رسمية"، تُمرر الأوراق مقابل رشى، وتغض الطرف عن المخالفات الواضحة في الأبنية.
وتشير وثائق سابقة إلى أن تقارير الدفاع المدني حول عدة حرائق كبيرة في الأعوام الماضية، حملت توصيات "غير ملزمة" ولم تُترجَم إلى إجراءات عقابية أو منع التكرار، ما جعل البيئة العراقية مهيأة دائمًا للانفجار.
وكانت وزارة الداخلية قد تعهدت عام 2022 بتطوير خطة وطنية لإدارة مخاطر الحريق، تشمل تدريب فرق محلية، ومراجعة شروط منح الرخص، وتحديث التشريعات.
لكن كل هذه الإجراءات لم تظهر نتائجها على الأرض، بحسب مراقبين، الذين يرون أن الحوادث تكشف خللاً هيكليًا في أجهزة الدولة، أكثر من كونها أخطاء فردية أو مفاجآت عرضية.