صرح لحفظ إرث عملاق المنبر الحسيني.. ما لا تعرفه عن متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي

انفوبلس/ تقرير

في قلب مدينة الكاظمية المقدسة، التي تحتضن مراقد الأئمة الأطهار، يقف متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي كصرح ثقافي ومعرفي شامخ، مكرّس لحفظ وعرض حياة ومساهمات الفقيد الكبير، "عميد المنبر الحسيني". هذا المركز، الذي يحمل اسم الشيخ أحمد الوائلي، يُعد نقطة التقاء للباحثين، والطلاب، والمحبين الذين يسعون للاطلاع على كنوز فكره البلاغي والعميق.

الشيخ أحمد الوائلي (1928-2003) كان شخصية فريدة جمعت بين الغزارة العلمية، والقدرة الأدبية الفائقة، والكاريزما الخطابية التي لم يشهد لها مثيل.

اشتهر بمحاضراته التي مزجت بين الفقه، التاريخ، الأدب، والشعر، مقدماً خطاباً دينياً متنوراً وعصرياً تجاوز الحدود الجغرافية ليصل إلى ملايين المستمعين في العالم العربي والإسلامي. ترك الشيخ الوائلي وراءه مكتبة ضخمة من المؤلفات والتسجيلات الصوتية التي تعد مرجعاً غنياً للباحثين والمثقفين.

من دار الى متحف 

في مدينة الكاظميَّة المقدسة، وبين أزقتها المفعمة بالروحانيَّة والتاريخ، تقف دار الشيخ أحمد الوائلي شامخة كشاهد على مسيرة فكريَّة ودعويَّة أغنت الوعي الديني والثقافي في العراق والعالم الإسلامي. هذه الدار التي تحولت إلى متحف ومركز ثقافي بمبادرة من أمانة بغداد، باتت تحتضن إرثا غنيا يعكس مكانة الشيخ الوائلي كأحد أبرز رموز الخطاب الإسلامي المعتدل، وصوت من أصوات التنوير المعاصر.

مديرة المنتديات الثقافيّة في أمانة بغداد خولة موسى محمد قالت، إنه "تم افتتاحه بشكل رسمي في حزيران عام 2024، بحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وأمين بغداد عمار موسى كاظم، ومحافظ بغداد عبد المطلب العلوي، وكان هذا إيذانًا لبدء الفعاليات والأمسيات المتعددة التي تقام في المتحف". 

وأكدت "هذا المتحف هو بيت الشيخ الشخصي، وبناه في ستينيات القرن المنصرم، وكان يعد محطة للشيخ أثناء الأشهر التبليغيَّة في شهر محرم ورمضان، عند حضوره إلى بغداد لإقامة عدد من المجالس التبليغيَّة، وأثناء دراسته للماجستير في بغداد".

وأشارت خولة إلى أنّه تمّ اختيار موقع المتحف لقربه من عدة جوامع ومدارس دينيَّة، وبوصفها تمثل مركزًا لأتباع أهل البيت ولقربها من مرقد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وكان البيت عبارة عن ثلاث وحدات سكنيَّة، وتمَّ تحويلها لتكون وحدة كاملة، من خلال فتح بعض الجدران الداخليَّة على بعضها.

يضم المتحف عددًا من الأجنحة ابتداءً من مكتب للإدارة، ثم معرض لصوره الشخصيّة، والتي تمثل تاريخ الشيخ من مراحل شبابه إلى رحيله في عام 2003، كذلك قاعات للندوات والأمسيات والفعاليات، ومكتبة تضم عددًا من الكتب التي قام بتأليفها الشيخ الوائلي، وألفت عنه وبعض الدراسات من ماجستير ودكتوراه.

كما أنّ هناك مكتبًا شخصيًا للشيخ تم وضع بعض الأثاث الأصلي من داره في النجف الأشرف بعد تسلمها بشكل رسمي من أسرته، وحافظت عليها طوال تلك السنوات، فضلا عن وجود قاعتين تحتويان على مقتنياته الشخصيّة، من أوراق ومخطوطات وأجهزة طبيّة خاصة به وحقائب سفر وثيابه، كما يضم المتحف مركزًا ثقافيًا، وهو قاعة للمحاضرات وورش للعمل وقاعة تفاعل، وستحتوي قريبًا على شاشة تفاعليَّة.

وتابعتْ خولة حديثها، "يقام في المتحف عدد كبير من الأنشطة والفعاليات الثقافيّة، التي تهدف إلى تعزيز الثقافة والتراث البغدادي الأصيل، بالتنسيق مع عدد من منظمات المجتمع المدني والجهات الحكوميّة، والمؤسسات المعنية بالثقافة، وتعزيز روح المواطنة والتعايش السلمي".

ولفتت إلى أنّه شهد المتحف منذ افتتاحه إقامة عدّة أمسيات ومحاضرات، ودورات تدريبيّة لعدد كبير من المواطنين والموظفين في أمانة بغداد، كما أن هناك تنسيقًا مع منظمة اليونسكو لإدراج المتحف ضمن المراكز الثقافيّة، التي تسعى إلى تعزيز مهارات الصحفيين وصانعي المحتوى، وتدريبهم على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الخاصة بتوثيق ورصد الإعلام وغيره.

وبينت أنّ المتحف يزوره عدد كبير سواء المعنيين بموضوع الثقافة والتراث أو الزائرين بشكل عام، كما أنّ هناك زيارات رسميَّة تتمّ في يومي الجمعة والسبت، بعد التنسيق مع إدارة المتحف. ونوّهتْ خولة في ختام حديثها إلى أنّ لديهم فكرة يتمّ العمل عليها، وهي إقامة بازارات متعددة لأصحاب المهن والحرف اليدويَّة، لا سيما للنساء كون المتحف يعدّ موقعًا ثقافيًا وسياحيًا.

يُعتبر متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي في الكاظمية – بحسب مثقفون - صرحاً مهماً ليس فقط لأنه يخلد ذكرى شخصية دينية بارزة، بل لأنه يمثل أيضاً منصة للحوار إذ يمكن أن يكون المركز منبراً للحوار الفكري المفتوح حول القضايا المعاصرة من منظور إسلامي مستنير، على غرار نهج الشيخ الوائلي. كما يساهم المركز في إثراء المشهد الثقافي من خلال عرض مادة غنية تجمع بين الدين، والأدب، والتاريخ. 

يلهم المركز الأجيال الجديدة للسير على نهج الشيخ في طلب العلم، والتعبير عن الرأي، والمساهمة الفاعلة في بناء المجتمع. كما ان وجوده في مدينة الكاظمية ذات الطابع الديني والتاريخي الخاص يعزز من مكانته كوجهة للزوار والباحثين من داخل العراق وخارجه.

معلومات مفصلة حول متحف ومركز العلامة الشيخ أحمد الوائلي (في الكاظمية):

تولدت فكرة تحويل بيت الشيخ الوائلي إلى متحف ومركز ثقافي لدى أسرته بعد وفاته في تموز 2003، بهدف تخليد ذكراه وضمان استمرار فكره ونهجه "لكي لا يموت الوائلي ذكراً وفكراً". وقد استلهمت هذه المبادرة من وصايا الشيخ نفسه في أواخر حياته، حيث دعا إلى إنشاء مراكز فكرية ومؤسسات اجتماعية تعزز القيم التربوية وتحافظ على التراث، بحسب حديث حفيد الوالي الدكتور وائل علي الطائي العام الماضي 2024. 

وبعد توافق وإجماع من أبناء وبنات الشيخ، تقدم سبطه، الدكتور وائل علي الطائي (دكتوراه في مناهج البحث العلمي ورئيس مؤسسة أسرة الشيخ الوائلي الفكرية ومؤتمن حفظ تراث الشيخ)، بطلب رسمي إلى أمانة بغداد في 22 حزيران 2011. استجابت الأمانة سريعاً، حيث أعلن الأمين الأسبق صابر العيساوي موافقة الأمانة على استملاك الدار وتأهيله.

عانت أسرة الشيخ الوائلي كثيراً للحفاظ على الدار خلال فترة النظام السابق، حيث لاقى أفرادها الملاحقات والاضطهاد لضمان بقاء الدار كرمز للشيخ الذي غادر العراق قسراً في تموز 1979. سكن الدار بعده نجله الشهيد الأستاذ محمد حسين الوائلي حتى إعدامه عام 1982، ثم حافظت عليه كريمته الوسطى الحاجة أم علي الوائلي لمدة 28 عاماً.

وبعد استكمال الإجراءات القانونية من قبل أمانة بغداد عام 2014، توالت جهود التأهيل. وفي 22 أيلول 2022، أعلنت الأمانة الحالية عن الشروع بصيانة وتأهيل وإعمار الدار وتجهيزه. وقد تم الافتتاح الأولي البروتوكولي للمتحف من قبل رئاسة الوزراء العراقية في 29 حزيران 2024.

وقد تم في المرحلة الأولية تجهيز أربعة أجنحة من أصل 11 جناحاً مخططاً لها، وهي:

جناح المقتنيات الشخصية: يضم مقتنيات الشيخ الخاصة.

جناح الصور: يستعرض مراحل حياته من خلال صور نادرة.

المكتب الشخصي للشيخ الوائلي: يعرض مكتبه كما كان.

جناح المؤلفات والدراسات: يوثق نتاجه الفكري والعلمي.

وتعتزم كوادر أمانة بغداد وفريق إشراف أسرة الشيخ الوائلي – حديث حفيده - استكمال تهيئة الأجنحة المتبقية خلال الفترة المقبلة. ستشمل هذه الأجنحة: جناح المخطوطات، جناح الوثائق، جناحي الصوتيات والمرئيات الرقمية، جناح الأصداء الإعلامية، جناح مؤسسة الوائلي الفكرية، جناح المكتبة العامة، وجناح المركز الثقافي، وغيرها.

وإلى جانب المتحف، يهدف المشروع – بحسب حديث حفيده - إلى تأسيس مركز الشيخ الوائلي الثقافي. سيُعنى المركز بوضع خطة نوعية سنوية ودورية لتحديد نشاطات وفعاليات ثقافية وفكرية وعلمية متخصصة. ستركز هذه الأنشطة على معالجة قضايا راهنة ومشاكل مجتمعية، مستلهمة من نجاح خطاب ومنهج الشيخ الوائلي المشتهر بالاعتدال والوسطية واحترام الرأي الآخر. ويسعى المركز لاستقطاب الخبراء والمتخصصين من داخل وخارج العراق لتعزيز دوره.

تُعد دار الشيخ أحمد الوائلي، التي اقتناها في آب 1960 لتكون منطلقاً لتبليغه الخطابي والأكاديمي العلمي في بغداد، اليوم رمزاً حياً لتضحيات أسرة صمدت للحفاظ على هذا الإرث، وستصبح منارة معرفية تسهم في حفظ وتطوير فكر أحد أبرز رموز الثقافة والدين في العراق.

وفي النهاية، يمثل هذا المتحف والمركز خطوة حاسمة في الحفاظ على الإرث الحي لقامة فكرية استثنائية، وضمان استمرار تأثيره للأجيال القادمة من قلب مدينة الكاظمية المقدسة.