ملف النفط بين بغداد وأربيل يقترب من الحسم: مؤشرات اتفاق شامل وسط اتهامات بالتهريب وخسائر بمليارات الدولارات

انفوبلس/..
في تطور جديد يعكس احتمالية تجاوز واحدة من أعقد أزمات العراق الداخلية، كثّفت حكومتا بغداد وإقليم كردستان جهودهما للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ملف تصدير نفط الإقليم، المتوقف منذ أكثر من عام عبر ميناء جيهان التركي. التفاوض بين الجانبين يأتي في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية، وسط مساعٍ لإزالة العوائق المالية والفنية، ومعالجة الخلافات العالقة حول كميات الإنتاج، وتكاليف التشغيل، وآليات التصدير، إلى جانب ديون الشركات العاملة في الإقليم.
وبحسب مصادر رسمية، وصل وفد من حكومة الإقليم إلى بغداد لمناقشة مسودة الاتفاق النهائي التي أعدّتها الحكومة الاتحادية بخصوص تصدير النفط. ويتألف الوفد من وزير الثروات الطبيعية بالوكالة كمال محمد، وأمين سر مجلس الوزراء أمانج رحيم، ورئيس مكتب التنسيق والمتابعة عبد الحكيم خسرو. ومن المتوقع أن ترد أربيل رسميًا على المقترح خلال اليوم.
*ملامح الاتفاق النفطي الجديد
المعلومات المتداولة تشير إلى أن المسودة الاتحادية تتضمن تسليم كامل النفط المنتج من الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، مقابل التزام بغداد بتأمين حاجات الإقليم من المنتجات النفطية، من بنزين وكاز ونفط أبيض. كما تنص الاتفاقية على إرسال وفد من وزارة النفط إلى الإقليم لتحديد حجم الإنتاج الفعلي وتقييم حجم الاستهلاك الداخلي، تمهيدًا لضبط التوزيع وتحديد نسب الاستحقاق.
ترافق ذلك مع دخول تعديل على قانون الموازنة الاتحادية حيز التنفيذ منذ 17 شباط، لتسهيل عودة التصدير، عبر آلية مؤقتة لتسديد تكاليف التشغيل بقيمة 16 دولارًا لكل برميل، إلى حين انتهاء شركة استشارية من تقييم الكلف الفعلية لاستخراج ونقل النفط.
*شركات النفط تضع شروطها: الديون مقابل الاستمرار
في خضم هذه التطورات، قدمت الشركات العاملة في الإقليم، في 2 تموز الجاري، مقترحاتها لحكومة كردستان، التي بدورها أحالتها إلى بغداد. وتضمنت المطالب الرئيسية ثلاث نقاط أساسية: تحديد المهلة الزمنية لاعتماد سعر الـ16 دولارًا بـ90 يومًا فقط، احترام العقود الموقعة والاعتماد على نسب الأرباح المتفق عليها بدل السعر الثابت، وأخيرًا، تسوية الديون المتراكمة التي تتجاوز 900 مليون دولار، وتحديد الجهة المسؤولة عن سدادها.
من جهته، أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفا محمد، أن حكومة الإقليم أظهرت مرونة واضحة في المفاوضات، لا سيما فيما يخص الالتزام بالتعرفة الجمركية وتطبيق أنظمة الرقابة الإلكترونية على المنافذ الحدودية. كما أشار إلى أن الإقليم مستعد لتسليم كامل الملف النفطي لبغداد، بشرط ضمان تزويده بجميع احتياجاته من المشتقات النفطية.
ولفت محمد إلى أن المشاورات مع الشركات النفطية مستمرة، ومن المتوقع أن يُستأنف تصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا، تُخصص منها 280 ألف برميل للحكومة الاتحادية، فيما تُستخدم الكمية المتبقية لتغطية استهلاك الإقليم الداخلي.
*الرواتب على طاولة مجلس الوزراء
ومن المرتقب أن يناقش مجلس الوزراء العراقي خلال اليومين المقبلين ملف صرف رواتب موظفي إقليم كردستان لشهر أيار، وسط مؤشرات إيجابية على التوصل إلى تفاهمات شاملة، تضع حدًا للاحتقان السياسي والمالي المتراكم بين الطرفين.
*اتهامات مباشرة بتهريب 180 ألف برميل يوميًا وخسائر بـ4 مليارات دولار
ورغم التحركات الإيجابية، ألقى النائب في لجنة النفط والطاقة البرلمانية، علاء الحيدري، بثقله على طاولة الخلاف، عبر اتهام صريح لحكومة الإقليم بالمسؤولية عن تهريب يومي يقدّر بـ180 ألف برميل من النفط الخام، وهو ما يكلّف البلاد نحو 4 مليارات دولار سنويًا.
الحيدري نفى بالمقابل وجود أي حالات تهريب من مناطق الجنوب، مؤكدًا أن الرقابة هناك محكمة، وأن التحقيقات التي أجرتها وزارة النفط في مناطق الوسط والجنوب لم تُسجّل أي زيادة غير مبررة في الإنتاج. في حين أبلغت منظمة أوبك العراق بأن هناك زيادة في المعروض النفطي العراقي وفق مصادرها الثانوية، ما أثار شكوكًا حول منشأ هذه الزيادة، التي يرجح ارتباطها بالنفط المُهرّب من كردستان.
*محكمة باريس توقف التصدير.. لكن التهريب يستمر
وأشار الحيدري إلى أن قرار محكمة التحكيم الدولية في باريس، الصادر في 25 آذار 2023، أوقف رسميًا صادرات نفط الإقليم إلى تركيا، إثر دعوى رفعتها وزارة النقل العراقية ضد أنقرة وحكومة الإقليم بشأن الاتفاق النفطي “غير المشروع”. غير أن الإنتاج لم يتوقف، بل استمر وبدأت عمليات التهريب بوسائل غير نظامية، عبر شاحنات وصهاريج تمر خارج رقابة الدولة.
كما أوضح النائب أن سومو، الشركة الوطنية العراقية المعنية بتسويق النفط، يجب أن تشرف على الإنتاج والتصدير وفق القانون، وأن الإيرادات يجب أن تُودع في الحسابات الرسمية لوزارة المالية الاتحادية.
*المطلوب مقاربة عادلة بلا حسابات سياسية
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى حنتوش إلى أن تعديل المادة 12 من قانون الموازنة ساهم في رفع متوسط كلفة إنتاج النفط من الإقليم من 8 دولارات إلى ما بين 16 و22 دولاراً، لكن التأخر في تشكيل اللجنة الفنية الخاصة بالتقييم يمنع المضي قدمًا في تسوية مستحقات الشركات المتعاقدة.
ودعا حنتوش الشركات الأجنبية إلى تقديم بياناتها أمام المؤسسات العراقية في بغداد لضمان حقوقها، مشيرًا إلى أن الإقليم لا يُسلّم عائدات صادراته لبغداد مباشرة، بل تُخصم من حصته في الموازنة، وهو ما يعقّد الحسابات ويثير الخلافات.
وحذّر من تأثير عمليات التهريب على حصة العراق في أوبك، مشيرًا إلى أن المنظمة الدولية قلّصت حصة العراق بمقدار 175 ألف برميل يوميًا نتيجة هذه العمليات غير المشروعة.
في الختام، دعا حنتوش إلى التوصل لاتفاق مبني على أسس فنية واقتصادية واضحة، بعيدًا عن الضغوط السياسية، باعتبار أن استمرار هذا الملف دون حلّ دائم يضعف بنية الاقتصاد العراقي ويكرّس الانقسام المالي والإداري بين بغداد وأربيل.
تُظهر التطورات الأخيرة وجود فرصة حقيقية لكسر الجمود التاريخي في ملف نفط إقليم كردستان، إذا ما تمكّن الطرفان من اعتماد مبدأ الشفافية المالية وضمان الحقوق القانونية لجميع الأطراف. غير أن استمرار اتهامات التهريب، والديون المتراكمة، والمطالب المتناقضة، تفرض على بغداد وأربيل تجاوز الحسابات السياسية والذهاب نحو اتفاق عادل ومستدام يضع حداً لسنوات من الخلاف والاضطراب المالي.