اليمن.. نقطة الاختبار الرئيسية لدبلوماسية الصين الجديدة في الشرق الأوسط
انفوبلس/ ترجمات/ مركز ويلسون للباحثين الدوليين..
حققت الصين بالتأكيد انقلابًا دبلوماسيًا في التوسط في استعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة، العاشر من مارس، لكن الخصمين على الصدارة في الخليج لا يزالان بعيدين عن "تقاسم الجوار".
كما قال الرئيس السابق باراك أوباما سابقًا، سيكون الاختبار الأول هو ما إذا كان بإمكانهم "تقاسم اليمن"، حيث كان وكلاء الطرفين في حالة حرب لمدة ثماني سنوات.
بالنظر إلى التنافس الشديد والتقلب الشديد في علاقاتهما السابقة، فإن استخدام مصطلحات مثل "التقارب" و "الانفراج" لوصف تجديد العلاقات يبدو سابقًا لأوانه. حتى استخدام مصطلح "المصالحة" ليس واضحًا بعد.
منذ ثورة 1979 الإسلامية في إيران، مرت الدولتان بدورات متكررة من العداء الشديد مع ذوبان الجليد لم يدم طويلاً.
تشمل النقاط المنخفضة في منحنى العلاقات الثنائية بين البلدين إسقاط السعودية لأربع طائرات مقاتلة إيرانية من طراز F-4 عام 1984، وقتل السعودية 275 حاجًا إيرانيًا في مكة عام 1987، وقطع العلاقات الدبلوماسية أولاً من عام 1988 إلى عام 1991 ثم مرة أخرى من عام 2016 إلى عام 2023، وكانت السعودية قد بادرت بقطع العلاقات بين البلدين بعد أن قام الإيرانيون بنهب السفارة السعودية في طهران.
شهدت النقاط المرتفعة في هذا المنحنى زيارات للمملكة قام بها رئيسان إيرانيان سابقان حيثُ قام محمد خاتمي بالرحلة في عام 1999 - وهي الأولى التي يقوم بها أي رئيس منذ الثورة الإسلامية - وعاد مرة أخرى لمدة أربعة أيام في عام 2002، كما ذهب محمود أحمدي نجاد ثلاث مرات، مرتين منها في عام 2007 كما سافر ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بدوره إلى طهران عام 1997 لحضور قمة إسلامية واستقبل على السجادة الحمراء.
حاول الجانبان، مرارًا وتكرارًا، إضفاء الطابع الرسمي على علاقة العمل.
منذ عام 1991، تقدم الإيرانيون مرارًا وتكرارًا باقتراح للتحالف مع مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية لإنشاء هيكل أمني للخليج، لكن السعوديين ينظرون إلى الاقتراح على أنه حيلة للقضاء على الوجود العسكري الأمريكي هناك، وبالتالي لم يظهروا أي اهتمام.
لا يزال السعوديون يوقعون أحيانًا اتفاقيات مع الإيرانيين، ففي مايو من عام 1998، وقع الخصمان على "اتفاقية تعاون شامل" وفي عام 2001 "اتفاقية أمنية" لمحاربة الإرهاب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال، وقد أشادت الصحافة السعودية بالاتفاق الأخير ووصفته بأنه "تاريخي"، وقال سفير إيران لدى السعودية في ذلك الوقت إنه "أهم تطور في تاريخ العلاقات بين البلدين"، لكن الاتفاقيتين لم تترسخا فعليًا بعد ذلك.
بالنظر إلى هذا التاريخ المتقلب للغاية في علاقة البلدين، فإن السؤال هو: ما هي فرصة ان يؤدي الاتفاق الأخير الى إيجاد طريقة فعالة لمشاركة الجوار وإقامة نوع من السلام البارد بين البلدين، كما قال أوباما في مقابلته عام 2016 مع مجلة اتلانتك.
لطالما أصر القادة السعوديون على أن الأمر متروك لإيران لاتخاذ الخطوة الأولى من خلال إظهار بعض علامات التراجع في مساعيها الحثيثة لتأسيس دور سياسي رئيسي في الدول العربية في الشرق الأوسط.
المؤشر الرئيسي بالنسبة لهم هو اليمن، الجار الجنوبي للمملكة حيث لطالما كانت القوة الأجنبية المهيمنة هناك.
سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وسرعان ما جاءت إيران لدعمهم العسكري والسياسي، ورد السعوديون بغزو في مارس/آذار التالي وتسليح قبائل يمنية معارضة للحوثيين، كما أنشأوا حكومة يمنية منافسة مقرها في الجنوب اكتسبت اعترافًا دوليًا، على الرغم من أن حكمها كان محل نزاع متزايد من قبل الانفصاليين هناك.
بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان (MBS)، أثبت المشروع اليمني أنه طائر القطرس (مشروع ثقيل على كاهله)، وكان مسؤولاً شخصياً عن قيادة هذا المشروع عندما بدأ الغزو السعودي، حيث عينه والده الملك سلمان وزيراً للدفاع.
في الواقع، كان هذا أول قرار رئيسي له في السياسة الخارجية، وقد أدى ذلك إلى تدهور علاقاته مع الكونجرس الأمريكي الذي طالب مرارًا وتكرارًا بإنهاء جميع المساعدات والمبيعات العسكرية الأمريكية للمملكة بسبب النتائج الكارثية للحرب.
في الوقت الحالي، وصل القتال بين الفصائل اليمنية الموالية للسعودية والموالية لإيران إلى طريق مسدود، وتفاوض وسطاء الأمم المتحدة العام الماضي على وقف لإطلاق النار، رغم انتهاكه بشكل دوري، إلا أنه لا يزال قائمًا إلى حد كبير، ومع ذلك، فإن اليمن نفسها في حالة خراب، وهي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث قتل 227000 من المجاعة وحدها، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
السؤال الآن هو ما إذا كان يمكن للمملكة وإيران إيجاد طريقة مؤقتة في اليمن لبناء انفراج حقيقي، أو على الأقل "سلام بارد".
قد يتطلب ذلك من المملكة الاعتراف بحكومة الحوثيين في صنعاء وسيطرتها على شمال اليمن، حيث يعيش معظم سكان اليمن البالغ عددهم 33 مليون نسمة.
من ناحية أخرى، من المفترض أن تضطر إيران إلى إنهاء إمدادات الأسلحة للحوثيين، وشملت هذه الصواريخ والطائرات المسيرة التي أمطرها الحوثيون بالمئات على أهداف استراتيجية داخل المملكة، بما في ذلك منشآت النفط والغاز.
أجرى المفاوضون السعوديون محادثات دورية منذ شهور مع مبعوثين من إيران في بغداد ومبعوثين من الحوثيين في مسقط بسلطنة عمان وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن أي اتفاق.
على أي حال، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إيران مستعدة لوقف تسليح الحوثيين. على الأرض، قال بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية في أوائل فبراير/شباط إن السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية صادرت خمسة الاف بندقية و1.5 مليون طلقة وعشرات الصواريخ المضادة للدبابات وأجزاء للصواريخ الباليستية من المراكب الشراعية التي تبحر في خليج عُمان في طريقهم من إيران إلى الحوثيين وقد نفذوا أربع نوبات خلال الشهرين الماضيين. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت البحرية البريطانية أنها استولت على المزيد من الصواريخ الإيرانية المضادة للدبابات وزعانف الصواريخ الباليستية من المراكب الشراعية في 23 فبراير.
قد تكون شحنات الأسلحة هذه الأخيرة قبل أن تتوقف إيران عن تزويد الحوثيين بها في إطار الصفقة الموقعة مع السعودية، أو قد يكون ذلك علامة على أن إيران تدعم هجومًا جديدًا للحوثيين في طور التكوين.
يحاول الحوثيون بسط سيطرتهم على اليمن لتشمل حقول النفط وخطوط الأنابيب في وسط وجنوب البلاد ويكاد يكون من المؤكد أن حملة جديدة من شأنها أن تبدد أي آمال في انفراج في نهاية المطاف بين إيران والسعودية وكذلك محاولة الصين الدبلوماسية لتصبح لاعبًا قويًا في الخليج.