وثيقة أمريكية سرية من العام 1991.. عواقب التمرد وإمكانية نجاة صدام
انفوبلس..
يواجه هو ونظامه فوضى اقتصادية، وعصيان مسلح، واحتمال اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق، وإمكانية حصول تدخل أجنبي.
قد تخف محنته الفورية إلى حد ما مع قمع التمرد في الجنوب وتخفيف الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، لكن التمرد الكردي والتهديد بالتدخل الأجنبي يشكلان تهديدًا خطيرًا لاستمرار سيطرة صدام على السلطة.
تمكنت القوات الموالية له من احتواء الكثير من القتال في مناطق المسلمين الشيعة في جنوب العراق، لكن المكاسب الكردية في الشمال ربما تجبره على نقل القوات قبل الأوان إلى الشمال، الأمر الذي قد يعكس التقدم الأخير في استعادة سيطرة الحكومة في الجنوب.
جهود القوى الخارجية، ولا سيما إيران، لمساعدة المتمردين قد فاقمت الخطر على صدام لكنها ليست كافية بعد للحسم في هذه القضية.
خطاب صدام يوم السبت الذي وعد فيه بإصلاحات سياسية واقتصادية مع تحذيره من مخاطر خارجي يوحي بأنه يبحث عن سبل لتحفيز الوطنية العراقية من حوله، وتتحدث إشارات أخرى في خطابه إلى أن صدام ربما منح مستشارين في مجلس قيادة الثورة دورًا أوسع في تشكيل السياسة لإنقاذ نظامه.
إذا لم تنجح هذه الجهود واندلعت اضطرابات واسعة النطاق في بغداد، فقد يكون صدام في خطر مميت.
يجب أن يتصرف بسرعة وحسم لقمع الاضطرابات الشيعية والكردية وخلق شعور بالاستقرار إذا كان يريد أن يتجنب انقلابًا محتملاً ويبقى العراق موحدًا.
من المحتمل ان يكون التغيير السياسي، بغض النظر عن موعده وحصوله في العراق،
مفاجئًا وبدون سابق إنذار، ومن المرجح أن تتم إزالة صدام من قبل قاتل منفرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد - ربما من الجيش أو الأجهزة الأمنية - الذين يمكنهم الوصول إليه أو يجدون فرصة لضربه، وبسبب الحاجة إلى إجراء عملية ناجحة في سرية تامة، ربما لن يكون لدينا تحذير مسبق بانقلاب يزيل صدام.
صدام ما يزال مسيطرًا.. على الأقل حتى الان
شددت القوات العراقية، الأسبوع الماضي، قبضتها على مدينتي النجف وكربلاء المقدستين في جنوب العراق، لكن المقاومة أظهرت مرونة مفاجئة.
ومع ذلك، تكافح بغداد للقضاء على المتمردين من المدن الصغيرة على طول وديان نهري دجلة والفرات.
تزعم الصحافة الإيرانية والمصادر الشيعية في المنفى أن القتال اندلع في العديد من ضواحي بغداد.
في الوقت نفسه، يحقق المتمردون الأكراد في الشمال مكاسب كبيرة على الرغم من وصول تعزيزات النظام من جنوب العراق.
تم قطع الطريق الرئيسي من كركوك إلى بغداد، وتزعم مصادر كردية في الصحافة أنها استولت على مساحة كبيرة من الأراضي في المحافظة الغنية بالنفط.
إن سيطرة النظام على محافظة دهوك المتاخمة للحدود مع تركيا آخذة في الانهيار، ويبدو أن النظام يسيطر على الوضع في الجنوب لكنه لم يقضي بشكل تام على التمرد هناك.
إن المتمردين الشيعة مدفوعون بالحماسة الدينية وهم، مثل الأكراد، لديهم رغبة قوية في الانتقام بعد سنوات من القمع، كما أنهم على الأرجح يتلقون بعض الدعم اللوجستي والمالي من إيران وسوريا، وربما يكون المزيد في الطريق.
إذا لم يقم صدام بقمع حركات التمرد في القريب العاجل، فإن فرص تفشي التمرد في بغداد ستزداد وسيكون وضعه أكثر خطورة، والوقت ليس لصالحه.
هيمن صدام على العراق لفترة أطول من أي شخصية أخرى في تاريخه الحديث، فمنذ الثورة التي أتت بحزب البعث إلى السلطة في عام 1968، قام صدام بتشكيل الطابع السياسي والاقتصادي للعراق، وتحديد سياساته الخارجية، وصياغة هوية وطنية لواحدة من أكثر البلدان تنوعًا عرقيًا ودينيًا في الشرق الأوسط، كما أنه أنشأ أحد أكثر الأنظمة استبدادًا ووحشية في المنطقة.
اتخذ صدام منذُ نهاية الحرب خطوات لضمان الدعم العسكري وتخفيف الضغط الاقتصادي المحلي، وقد أشاد بالجيش لدوره البطولي في الحرب ولم يقم بأي بحث علني عن كبش فداء، كما أعلن عفوًا عن الفارين من الخدمة، وأطلق سراح بعض السجناء المحتجزين في السجون العراقية، وخفف التقنين على الوقود.
يوم السبت، عرض إصلاحات سياسية غير محددة، ربما انتخابات لمجلس وطني جديد ذي تمثيل طائفي عرقي أوسع، وقال أيضا إنه عيّن حكومة جديدة لإعادة الإعمار للإشراف على إعادة بناء عراق جديد.
ربما كان المقصود من "إصلاحاته" زيادة الانخراط "الشعبي" في الحكومة، لكن المشاركة الفعالة من قبل الشعب أمر غير مرجح.
وبالمثل، ربما تهدف مقترحاته الاقتصادية إلى تأمين التعاطف المحلي والأجنبي من خلال التأكيد على احتياجات إعادة الإعمار المدني.
قلة من العراقيين سيقتنعون بهذه الإيماءات، لكنها قد تؤثر على بعض الذين يخشون أو لا يرغبون في إلزام أنفسهم بالتمرد.
قد لا يفتقد العراقيون صدام متى ما ازيح عن السلطة، ولكن ربما يكون من الصعب على معظم العراقيين - حتى مع موت ودمار حربين كبيرتين - تخيل الحياة بدونه. معظم العراقيين على قيد الحياة اليوم لم يعرفوا زعيمًا آخر.
النتائج المحتملة للتمرد
هناك العديد من النتائج المحتملة لأسوأ أزمة محلية واجهها العراق منذ الاستقلال عام 1932.
صدام ينتصر ويعيد إحياء سيطرته على العراق:
سيستخدم صدام كل الوسائل الضرورية، بما في ذلك الإجراءات الأمنية الصارمة والترحيل القسري، لضمان التهدئة.
من المحتمل أنه نشر وحدات عسكرية واستخباراتية مع صلاحيات لتحديد المسؤولية وفرض أقصى درجات العقوبة.
وصف صدام في خطابه يوم السبت حركات التمرد بأنها "دليل" على القوى الخارجية التي تهدد العراق، ومن المرجح أن يستخدم هذا التهديد لحشد العراقيين، وخاصة السُنة حوله وتحذير الداعمين المحتملين للتمرد، وتبرير إعادة بناء آلة الحرب الخاصة به على المدى الطويل.
إذا كان صدام قادراً على احتواء حركات التمرد التي يواجهها الآن، فإن السنوات القليلة القادمة ستصبح غير واضحة في العراق.
ستلحق قواته خسائر فادحة بالمشاركين أو المتعاطفين مع المتمردين، ففي حركات التمرد السابقة، شملت العقوبات عمليات الإعدام والاعتقالات الجماعية والترحيل القسري وإعادة توطين شرائح كبيرة من السكان في أجزاء بعيدة من البلاد.
من المحتمل أن يقدم المزيد من الإصلاحات السياسية التجميلية، مثل الانتخابات الرئاسية، ويعد بمزيد من الإغاثة الاقتصادية عندما يرفع التحالف الحظر وسيعتمد بشكل متزايد على دائرة أضيق من الأسرة والموالين للبعث، كما هو مقترح في ترقيته لابن عمه علي حسن المجيد إلى وزير الداخلية.
في حال هزم صدام، وظهرت دولة شيعية موالية لإيران في بغداد:
فمن غير المرجح أن يبقى صدام على قيد الحياة إذا انتصرت حركة التمرد في بغداد وشهدت نسبة كبيرة من وحدات الجيش انشقاقات.
ربما بدأ القتال في المدن الشيعية الجنوبية بعد أن رأى الشيعة المحليين المناهضين للنظام الانهيار الواضح للقانون والنظام فرصة للانتفاض ضد صدام، وانتشر القتال بسرعة، ومن المحتمل ان يكون ذلك بسبب وصول المعارضين العراقيين المقيمين في إيران، وسعى الشيعة العراقيون بالتأكيد إلى الحصول على مساعدة إضافية من إخوانهم في إيران.
لا تخضع الطائفة الشيعية في العراق لسيطرة طهران ولديها تقاليد تاريخية ومؤسسات دينية أقدم من إيران، ومن المحتمل أن يعارض معظم شيعة العراق أن يصبح العراق مقاطعة تابعة لإيران، لكن الكثيرين يدعمون البرنامج السياسي لرجال الدين العراقيين في إيران، أي جمهورية إسلامية على النمط الإيراني، وانتخابات ديمقراطية، وحكم الأغلبية.
إنهم يريدون اتباع سياسات موالية لإيران، لكن الحكومة الشيعية في بغداد يجب أن تسمح بقاعدة أوسع وربما علمانية إذا أرادت أن تحكم عراقًا موحدًا.
رفض شيعة العراق، بقيادة رجل الدين البارز آية الله العظمى الخوئي، مفهوم آية الله الخميني الإيراني عن ولاية الفقيه (حكم سياسي من قبل زعيم ديني أعلى) وظلوا موالين لبغداد خلال حرب الثماني سنوات مع إيران.
قد يرى القادة الشيعة العراقيون الأكثر براغماتية أن أسلوب حكومة طهران مناسب لإيران، التي تضم أكثر من 95 بالمائة من المسلمين الشيعة، لكن من المحتمل ألا يقبلوا تطبيقها الكامل في العراق، حيث يشكل الشيعة 55 بالمائة فقط من السكان ويحتاجون إلى دعم من طوائف عرقية ودينية أخرى للإطاحة بصدام.
ومع ذلك، فإن استيلاء الشيعة على العراق من شأنه أن يعيد إحياء الحماسة الثورية الإسلامية في إيران ويسبب تهديدات متزايدة بالتخريب والإرهاب الشيعي للممالك السُنية في شبه الجزيرة العربية، كما أنه سيزيد من مخاطر الاضطرابات الدينية الأصولية في سوريا وتركيا.
لا أحد سيربح، وستندلع حرب أهلية واسعة النطاق.
قد تكون الحكومة المركزية - مع صدام أو بدونه - أضعف من أن تهزم أعدائها وتحكم بشكل فعال.
لقد استفاد الأكراد من الثورة الشيعية لشن تمردهم، لكن عددهم قليل جدًا (20 في المائة فقط من السكان) للاستيلاء على السلطة في بغداد.
إذا انهار الجيش والأجهزة الأمنية، فسيكون هناك فراغ في السلطة على غرار لبنان، وقد تتطور حرب أهلية عامة تشمل الشيعة والسنة والأكراد، ويمكن أن يتبع ذلك لبننة العراق، وكما هو الحال في لبنان، فإن الخطر الأكبر هو التدخل الأجنبي حيثُ سترى إيران وسوريا وتركيا مصالحها الوطنية مهددة وقد تميل إلى التدخل.
حتى في حال هزيمة صدام للشيعة، فانه قد يواجه تمردًا كرديًا طويل الأمد في الجبال الشمالية والتي ستكون مصدر اضطراب في المنطقة.
إزاحة صدام: سيناريوهات الانقلاب
قد يشجع احتمال انتصار الشيعة، أو قيام صراع داخلي طويل الأمد، العناصر السُنية المتباينة في العراق، بما في ذلك القوميون المناهضون للبعث، والبعثيون الموالون لسوريا، والنخب العسكرية على الالتفاف حول صدام باعتباره الملاذ الوحيد ضد نظام شيعي متأثر بإيران.
كما يمكن أن يفرض تغييرًا سياسيًا على صدام، بما في ذلك الإطاحة به.
يمكن أن يجبر عدُد قليل من أفراد الأسرة أو كبار مسؤولي الحزب أو كبار الضباط العسكريين صدام على تقاسم السلطة، في حالة نجاته من الازمة الحالية. هؤلاء سيرون الحاجة إلى إبقاء صدام على الأرجح بسبب احتفاظه بولاء قوات الأمن والاستخبارات والحزب، وقد يخشون أيضًا أن يؤدي إزاحته على الفور إلى اندلاع ثورة واسعة النطاق.
العراق ليس لديه "خطة تقاعد" لحكامه وصدام يفترض بالتأكيد أنه إذا لم يتمكن من الفرار - ونعتقد أنه من غير المعهود له أن يهرب من القتال - فيجب عليه التنازل أو مواجهة القتل.
يمكن لصدام أن يعرض تقاسم السلطة مع كبار القادة العسكريين الذين قد يحظون بالاحترام الشعبي والذين يعتقد أنهم مرتبطون به بشكل وثيق وبالتالي سيحمونه.
ومن المرجح أن يقبل معظمهم مثل هذا العرض من أجل حماية أنفسهم من المزيد من التغيير الشامل والخطير، ولن يكون هناك تغيير جوهري في السياسات العراقية أو النوايا.
كذلك من المحتمل أن يأمل القادة العسكريون المتعاونون في السيطرة على صدام ومن المحتمل أن يظلوا موالين له طالما يوجد تهديد عسكري خارجي.
من المحتمل أن ينظر صدام إلى الترتيب مع الجيش على أنه زواج مصلحة يتم فسخه عندما يتم استعادة النظام ويكون منصبه آمنًا مرة أخرى.
ومن المحتمل أن يكون لضباط الجيش والحزب في هذا الترتيب وجهة نظر مماثلة بالنسبة لهذه العلاقة ويأملون في الإطاحة بصدام في "تاريخ لاحق".
يمكن ان يتم عزل صدام من قبل أحد أفراد دائرته المقربة أو كبار الشخصيات العسكرية الذين يعتقدون أن استمرار حكمه يهدد حياتهم وعائلاتهم وثرواتهم.
إذا قُتل وظلت أجهزته الأمنية متماسكة، فمن المحتمل أن يتم الاستيلاء على السلطة من قبل قائد عسكري كبير أو من قبل لجنة من الناجين من تكريت ومسؤولي حزب البعث وضباط الجيش الكبار بمساعدة المخابرات وأجهزة الأمن.
من المحتمل أن تتنافس هذه النخب السياسية على المناصب فيما بينها، لكن الصراع على السلطة في هذا السياق لن يشمل بالضرورة داعمين أجانب.
ومن المحتمل أن تقدم حكومة لاحقة تنازلات كبيرة للحد من التوترات الإقليمية من أجل تعزيز موقفها، ولكن ليس بسبب انها اختلفت مع ادعاء صدام بأن الكويت تنتمي إلى العراق، أو رؤيته للهيمنة الإقليمية للعراق، أو تكتيكاته الوحشية، أو أسلوبه في حكم الرجل القوي.
من المحتمل أن يتطلع القادة الجدد إلى الولايات المتحدة للحصول على تأكيدات بالقبول الضمني، على سبيل المثال، عدم إجراء محاكمات جرائم حرب، وعدم فرض تعويضات، وعدم وضع قيود على الجيش العراقي، ورفع جميع العقوبات.
من غير المرجح أن يوافق أي نظام يأتي بعده، مهما كان مواليًا للغرب أو تعاطفه المعلن، طواعية على تقليص القوة العسكرية للعراق.
ومن غير المرجح أن يقدم النظام العسكري تنازلات بشكل خاص، ولن يرغب أي نظام لاحق، مهما كان راغبًا في علاقات منسجمة مع الغرب أو مع الأنظمة المجاورة، في أن يُنظر إليه على أنه يتصرف نيابة عن قوة خارجية.
في هذه السيناريوهات، من المحتمل أن تؤكد سوريا وإيران وتركيا دعمها لوحدة أراضي العراق، وربما لن تتمكن من الاستيلاء على الأراضي العراقية لكن الدولتين ستستمران في تشجيع المعارضين العراقيين في ضيافتهم ويراقبون الحدود مع العراق عن كثب.
سيناريو الانقلاب من خارج النظام:
الأفراد المتورطون في التمرد أو مجموعة من المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين يشغلون مناصب متوسطة المستوى ويلقون باللوم على صدام وجنرالاته في تدمير العراق قد يشعلون عملية للإطاحة بالنظام بأكمله.
سيتم القضاء على أفراد عائلة صدام والحزب وقادة الحكومة وحتى كبار القادة العسكريين المرتبطين بصدام.
من المحتمل أن يواصل الضباط العسكريون لعب دور أساسي في هيكل القيادة، ولكن قد يكون من الصعب جدًا العثور على شخص للإشراف على حكومة مؤقتة، ومن المحتمل تشكيل حكومة جبهة وطنية ضعيفة.
سيتنافس الخصوم داخل العراق وخارجه على السلطة، ومن المحتمل أن ينهار التحالف الهش المكون من سبعة عشر حزباً والذي تم تشكيله في دمشق في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وستحاول الفصائل المتنافسة إحكام قبضتها على أجزاء من البلاد وبغداد.
من المحتمل أن يشكل الأكراد حكومة مستقلة في المحافظات الشمالية وربما يعلنون الاستقلال، وسيطالب رجال الدين الشيعة في جنوب العراق بصوت مؤثر للأغلبية الشيعية في الحكومة الجديدة.
في ظل هذا السيناريو، سيشير جيران العراق العرب إلى دعمهم لاستمرار الحكومة العربية السنية، وسوف تطمع تركيا بشكل أكثر صراحة في الأراضي التي تم التنازل عنها للعراق منذ عقود، لكنها لن تعبر الحدود على الأرجح ما لم تهدد الاضطرابات الكردية الأمن الداخلي التركي، ومن المحتمل أن تستولي إيران على النقاط الحدودية الرئيسية وحقول النفط في المناطق الحدودية.
مراكز القوى
سيلعب الجيش وحزب البعث دوراً في تحديد مستقبل العراق السياسي مع صدام أو بدونه.
من الواضح أن هناك عوامل أخرى مثل الطموحات بين العائلات الممتدة ذات النفوذ، والمنافسات القديمة بين العرب والأكراد والسنة والشيعة، ولكن التوترات العرقية قد تهدأ في البداية إذا نجح التمرد ضد صدام.
الجيش
لعب الجيش العراقي تقليديًا دورًا رئيسيًا في تحديد القيادة السياسية للبلاد.
منذ عام 1932 عندما استقل العراق حتى عام 1968 عندما استولى حزب البعث على السلطة من خلال انقلاب عسكري، قام ضباط الجيش العراقي بستة انقلابات ناجحة ومحاولات فاشلة لا حصر لها.
لم يتمكن أي نظام عراقي من تجاهل النفوذ السياسي للجيش، ولا سيما ميله إلى الانقلابات التصحيحية، ومن المرجح أن يلعب دورًا حاسمًا في تحديد أي خليفة لصدام.
تم تقييد استقلال الجيش من قبل نظام البعث، واستخدم صدام الاستنزاف الطبيعي - بما في ذلك الموت في الحرب العراقية الإيرانية - وعمليات التطهير والاعتقالات والإعدامات للقضاء على جيل أقدم من الضباط العسكريين أقل موثوقية من الناحية السياسية وخلق مكانهم كادر جديد من الموالين العسكريين.
كما قام بتعيين أفراد الأسرة والعشيرة من تكريت وغيرهم من الموالين في مناصب رئيسية، وكثيراً ما نقل أو أجبر على التقاعد كبار الضباط الشعبيين لمنعهم من بناء قواعد سلطة مستقلة.
كما حصل صدام على الولاء العسكري من خلال توفير نصيب الأسد من الميزانية لمخزونات ضخمة لبعض أفضل المعدات العسكرية المتاحة وإلقاء مكافآت سخية على الضباط.
أخيرًا، بنى صدام الحرس الجمهوري كحارس سني موالي لضمان ولاء الجيش له وللمؤسسة السنية التكريتية.
يكاد يكون من المؤكد أن الحروب مع إيران والكويت قد كلفت صدام الدعم العسكري الذي كان موجودًا.
نعتقد أن العديد من الضباط والمجندين يشعرون بالاستياء الشديد ضده لتخليه عن المكاسب المكتسبة في الحرب المكلفة مع إيران وتدمير القدرة العسكرية العراقية في حرب الكويت.
ربما يرى القادة العسكريون أن هناك حاجة لحماية المؤسسة ضد تنافس أكبر على موارد أقل في عراق ما بعد الحرب، وقد يرى بعض كبار الضباط أن تقاسم السلطة مع صدام هو السبيل الوحيد لحماية الجيش حتى يتمكن من إعادة البناء بعد الحرب.
قد يرغب هؤلاء الضباط أيضًا في الحصول على صوت في السياسة الداخلية لتجنب وصمة المسؤولية عن خسارة الحرب.
من المرجح أن يعملوا على استعادة الاستقرار إذا كانوا يعتقدون أن العراق على وشك التفكك، ويمكن أن يتحركوا ضد صدام إذا اعتقدوا أن ذلك سيؤدي إلى علاقات أكثر انسجامًا مع الدول العربية وغيرها من الجيران الإقليميين والوصول إلى المشتريات العسكرية اللازمة لإعادة بناء القوات المسلحة.
سيكون لقادة الحرس الجمهوري الساخطون أفضل فرصة للإطاحة بصدام أو تقليص سلطته.
الحزب:
لا يُعرف الكثير عن مكانة حزب البعث، واستعداده لتحدي صدام على السلطة، أو قدرته على البقاء في ظل نظام بدونه.
على مر السنين، تمكن صدام من القضاء على منظري الحزب والشخصيات الشعبية الذين اعتقد أنهم قادرون على بناء قاعدة قوة داخل الحزب.
حكم الحزب العراق من خلال سيطرته على مجلس قيادة الثورة والمناصب الحكومية، وقد جرد صدام تدريجياً مجلس قيادة الثورة، وبالتالي الحزب من قدرته على انتخاب القادة، بمن فيهم الرئيس، أو مناقشة السياسة.
في كثير من الحالات، جعل الكفاءة أو الولاء الشخصي المعيار الأساسي للتقدم على عضوية الحزب.
كلما اتسع نطاق الانقلاب في بغداد، قل احتمال أن يلعب حزب البعث دورًا في الحكومة الجديدة. من المحتمل أن يكون القادة البعثيون الذين نجوا من الانقلاب غير مهمين في تحديد السياسة.
من المحتمل أن يكون الجيل الأكبر سناً في الحزب قد تم تطهيره فعليًا من أي ممثلين أو مفكرين قادرين، وربما يفتقر جيل الشباب إلى المبادرة اللازمة لتشكيل قوة سياسية فعالة، وربما يفوق الولاء للأسرة والروابط الطائفية الولاء لآلة سياسية عفا عليها الزمن.
لا يوجد متصدرون واضحون للخلافة في الجيش أو الحزب. في حال نجو من الحرب وفي حال عدم استخدامهم ككبش فداء للهزيمة واعدامهم قريبًا فأن وزير الدفاع سعدي عباس الجبوري، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة حسين رشيد المحمد، ونائب رئيس الأركان العماد نعمة فارس أو قائد الحرس الجمهوري اياد الراوي سيكونون مرشحين محتملين خصوصا اذا كانوا في بغداد
قد يكون ضابط عسكري سابق غير مرتبط بالهزيمة في الكويت، مثل الفريق ماهر عبد الرشيد، مرشحًا للسلطة.
من المحتمل أن يحاول القادة العسكريون الذين يسيطرون على العاصمة منع عودة القادة العسكريين المنافسين المحتملين إلى بغداد الذين تقطعت بهم السبل خارج المدينة.
علاوة على ذلك، يمكن لضباط الجيش والبيروقراطيين الحزبيين الساخطين الذين عانوا على أيدي النظام القديم أن ينفذوا عمليات ثأر للدم من شأنها أن تضعف بشكل خطير البنية التحتية للحزب.
قد يقرر الجيش والحزب العمل سويًا لتسهيل الانتقال إلى حكومة ما بعد صدام وكسب قبول العراقيين والحكومات الأجنبية.
قد يتفقون على شخصية عسكرية غير مثيرة للجدل، مثل وزير الدفاع السابق شنشل، لرئاسة النظام الجديد مع رجل من الحزب في المرتبة الثانية - وهو تكوين مماثل أوصل حزب البعث إلى السلطة في عام 1968.
يمكن لعدد قليل من القادة البعثيين البقاء على قيد الحياة وحتى دمجهم في نظام انتقالي لأن لديهم خبرة فنية أو اعترافًا أجنبيًا.
ومن الأمثلة على ذلك نائب رئيس الوزراء سعدون حمادي، وهو تكنوقراطي تلقى تعليمه في الغرب ويعمل كقيصر اقتصادي فعلي للعراق، أو نائب رئيس الوزراء طارق عزيز، الذي يشغل منصب وزير الخارجية ومعروف في العواصم الغربية والعربية وموسكو. في نهاية المطاف، ستثبت الأنماط السياسية العراقية التآمرية التقليدية - ولا سيما الانقلاب الدموي - وجودها، وسيسعى رجل قوي واحد للسيطرة على بغداد.
وبحسب الدستور العراقي لمجلس قيادة الثورة سلطة انتخاب رئيس جديد في حال خلو المنصب، لكن لا يحتمل أن يستخدم "مرشح" هذه الآلية لنقل السلطة إلا إذا كان متأكداً من "انتخابه".
الخلافة دون دمار: الآليات القانونية
لم يمر العراق بأزمة خلافة منذ ثورة 1968 التي أوصلت حزب البعث اللواء أحمد حسن البكر و "نائبه" صدام حسين إلى السلطة، وخرج البكر من منصبه في 1979، لكن لم تكن هناك معارضة جادة لصدام.
أعطى الدستور المؤقت لعام 1968 لمجلس قيادة الثورة سلطة انتخاب الرئيس واختيار رئيس جديد إذا استقال. نقلت المراجعات اللاحقة للدستور السلطة من مجلس قيادة الثورة إلى الرئاسة لكنها ابتعدت عن قضية الخلافة.
في عام 1980 اقترح صدام تعديل الدستور للسماح بانتخاب الرئيس عن طريق استفتاء شعبي.
كما هو الحال مع معظم "الإصلاحات" السياسية في العراق، كانت هذه عروض على الورق فقط تهدف إلى تهدئة الاضطرابات العرقية وإقناع الميول الليبرالية في غرب بغداد.
لم يكن لدى صدام أي نية لتوسيع الامتياز الانتخابي أو نقل العراق إلى مجتمع سياسي أكثر ديمقراطية. نائبه، طه محيي الدين معروف، كردي، لم يكن أبدًا جزءًا من عملية صنع القرار وليس لديه قاعدة سلطة، وبالتأكيد لن يخلف صدام.
الآفاق
نعتقد أن صدام سيفعل كل ما هو ضروري لإبقاء نفسه ونظامه في السلطة والحفاظ على قدرته العسكرية.
من المحتمل أن يكون منصبه آمنًا طالما بقيت أجهزته الاستخباراتية والأمنية على حالها، والجيش يدعمه، ويُنظر إليه على أنه يتمتع بالسلطة، ويعتقد خصومه المحتملون أنه قد يعقد صفقة تضمن بقائه.
تشير إشارات صدام في خطابه الأخير إلى "رفاقه في القيادة" إلى أنه ربما سمح بالفعل لأعضاء مجلس قيادة الثورة مثل سعدون حمادي، وعزت إبراهيم، وطارق عزيز، وربما بعض كبار الشخصيات العسكرية بلعب دور أكثر فاعلية في تشكيل السياسة، وحتى هذه الظروف قد لا تكون كافية لإنقاذه.
قد يُجبر صدام على تقديم المزيد من التنازلات لكبار المسؤولين المدنيين والجيش لضمان تعاونهم في القمع الوحشي للعصيان ودعم حكمه المستمر.
إذا كان الأمر كذلك، فستكون سلطاته محدودة وقد يشهد العراق فترة طويلة من عدم الاستقرار بعد انتهاء التمرد كقادة عسكريين وسياسيين حول صدام يتنافسون على السلطة.
سيكون الاقتصاد عاملا رئيسيا فإذا استمرت عقوبات الأمم المتحدة ولم يتمكن صدام من بيع النفط، فسيكون منصبه داخليًا في خطر أكبر بشكل متزايد، وحتى إذا تم رفع الحظر، فإن التحدي الهائل لإعادة الإعمار الذي يواجه العراق سيتطلب من صدام التعامل بنشاط وكفاءة أكبر مع المشاكل الاقتصادية أكثر من أي وقت مضى.