كيف تموت الانظمة الملكية
ترجمة - انفوبلس
ستيفان غراند من المجلس الأطلسي
"العالم برمته في حالة ثورة، وقريبًا لن يبقى سوى ملك إنجلترا وملوك لعبة الكوتشينة"
فاروق ملك مصر في 1948
في الآونة الأخيرة، ظهر عدد كبير من الكتب البارزة بشأن "كيف تموت الديمقراطيات".
نشر كل من ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبلات كتابًا مشتركًا يحمل هذا العنوان في يناير 2019، وفي تتابع سريع بعد ذلك، قدم كل من ديفيد رونسيمان كتاب بعنوان (كيف تموت الديمقراطيات) ثم قدمت ان ابلبوم كتابها (غروب الديمقراطية) ثم نشر كل من دارون أسيموغلو وجيمس روبنسون كتاب بعنوان (الممر الضيق: الدول والمجتمعات ومصير الحرية) ثم قدم ادم برزيورسكي كتابه (أزمات الديمقراطية)، ولكن لم يظهر أي عمل مماثل بشأن كيف تموت الملكيات.
يمكن للديمقراطيات أن تتآكل وتنهار، وكذلك يمكن للاستبداد، فلماذا لا يتم نشر كتب بشأن كيف يتوقف الملوك والملكات والأباطرة والخلافة عن الحكم سواءٌ بتحول عرشهم إلى منصب احتفالي لا أكثر أو لأنهم يفقدون السلطة تماما؟
قد يكون أحد الأسباب البسيطة لندرة المطبوعات عن نهاية الانظمة الملكية هو بقاء القليل منها.
في القرن التاسع عشر، كان النظام الملكي هو الشكل الغالب للحكم في العالم، حيث كان النظام الملكي الدستوري في المملكة المتحدة وتجربة الولايات المتحدة في الحكومة الجمهورية بمثابة استثناءات لانظمة الحكم السائدة.
لقد تغير ذلك بشكل كبير، مع ظهور العصر الحديث والأفكار الليبرالية التي صاحبته، والثورة الصناعية والتغيرات الاقتصادية التي أحدثتها، والأهم من ذلك، الاضطرابات السياسية التي أحدثتها الحربان العالميتان الاولى والثانية.
لقد اصبحت الملكية الآن هي الاستثناء.
يمكن القول ان الملكية كشكل من أشكال الحكم ذهبت فعليًا الى مزبلة التاريخ، في مقابل بقاء الديمقراطيات من جانب، وأشكال أخرى مختلفة من السلطوية المتمثلة في دول الحزب الواحد، والأنظمة العسكرية، والأنظمة الشخصية، والأوليغارشية، وهذا باستثناء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تمتلك ثماني دول عربية من أصل اثنتين وعشرين ملوكًا يحكمون بشكل مطلق أو لا يزالون يلعبون دورًا مهمًا في الحكم، في وقت اختفت فيه الملكية إلى حد كبير من بقية العالم.
تيني اسوانتي (عدد سكانها 1.1 مليون) وبروناي (470 الفا) هما الدولتان الوحيدتان في أماكن أخرى من العالم غير الشرق الاوسط وشمال افريقيا حيث لا يزال الملك يحتفظ بسلطة غير قابلة على القسمة مع الاخرين.
قد تكون هذه الممالك العربية الثمانية (السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والأردن، والمغرب) من الدول الغريبة عن الانظمة السائدة في العالم، لكنها وللمصادفة من بين أهم الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اقتصاديًا وسياسيًا.
إذا كان المرء مهتمًا بأسعار الطاقة، أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو العلاقات العربية الإيرانية السنية، أو التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط، فإن مستقبل الأشكال الأحادية للحكم مسألة مهمة، فالسعودية هي اللاعب الرئيسي في تحديد إمدادات النفط العالمية وبالتالي الأسعار، وقد أصبحت الإمارات مركزًا اقتصاديًا إقليميًا وقوة عسكرية، وتضم قطر العديد من القواعد العسكرية الأمريكية، كما ان المغرب يعد بلدًا ذي أهمية استراتيجية في شمال إفريقيا، والأردن يقع جغرافيًا عند مفترق طرق حاسم في بلاد الشام، مما يجعله لاعبًا دائمًا في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
بالاضافة الى ذلك، فإن هذه الممالك الثمانية، إلى جانب إسرائيل ومصر، هي أقوى حلفاء وشركاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة ولعقود من الزمان، مبنية على افتراض "الاستقرار الاستبدادي" وهو الاعتقاد الذي يقوم على أن هؤلاء المستبدين سيثبتون أنهم ثابتون بما يكفي ليكونوا قوة استقرار في المنطقة، ولكن مع تغير الظروف في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، سيحتاج صانعو السياسة في الولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة دورية بشأن ما إذا كان هذا الافتراض لا يزال ساريًا.
يجب أن يدور في أذهان الملوك العرب أنفسهم مسألة مستقبل النظام الملكي، فمع تحول العالم تدريجياً بعيدًا عن النفط والغاز الطبيعي، واستمرار ذكريات الربيع العربي التي لا تزال حية لدى سكان المنطقة، وقيام شريكهم الأمني المتمثل في الولايات المتحدة بتقليل تواجده العسكري في المنطقة، يجب أن يتساءل هولاء الملوك عن آفاقهم المستقبلية، وما هو احتمال أن يتمكنوا من الاستمرار على العرش، وإلى متى؟ وما هي الخيارات الإستراتيجية المتاحة لهم إذا استمر الضغط الشعبي للمطالبة بالتغيير؟ وما هي أفضل استراتيجية يتبعونها في إدارة الضغوط الشعبية من أجل التغيير؟ وإذا بدأ الدفع باتجاه هذا التغيير، فكيف يمكنهم تجنب نهاية كارثية لحكمهم، سواءٌ في شكل انقلاب عسكري أو ثورة اجتماعية؟
بالمقارنة مع تدفق الكتب بشأن كيفية موت الدول الديمقراطية، يوجد القليل للغاية من المنشورات بشأن كيفية انتهاء الملكيات.
هناك فجوة في الأدبيات، مما يضعف فهمنا ليس فقط للتطورات المحلية، ولكن - والأهم من ذلك - للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وبالتحديد، ما مدى دوام بعض الدول الأكثر محورية في المنطقة، وكيف يمكن لسياساتها الداخلية أن تؤثر على دورها المستقبلي في الشؤون الأمنية الخاصة بها؟
لاحظ علماء السياسة خوان لينز وألفريد ستيبان وجولي مينوفز وجود فجوة في فهمنا فيما يتعلق بالانتقال من الانظمة الملكية إلى الانظمة الديمقراطية قائلين: "لم تسهم السياسة المقارنة إلا قليلاً في التحليل العام لكيفية تحرك الملكيات نحو الديمقراطية. تتميز الأدبيات العلمية بشأن التحولات الديمقراطية على وجه الخصوص بعمل مقارن ضئيل بشأن المحاولات - الفاشلة والناجحة على حد سواء - لتحقيق الديمقراطية الكاملة للأنظمة الملكية".
هذه الفجوة في الفهم موجودة لان دراسة الملكيات أصبحت شيئًا منسيًا ونظرًا لندرة الملكيات، كان المتخصصون في دراسة منطقة الخليج بحلول التسعينات من بين الباحثين السياسيين القلائل الذين تفرغوا لدراسة الانظمة الملكية كشكل سياسي للحكم.
تسعى هذه الورقة إلى تضييق الفجوة في فهمنا لكيفية انتهاء الأنظمة الملكية، وتدرس التحولات السابقة بعيدًا عن الملكية، حيث تبحث أولاً في تاريخ الملكية كشكل للحكم على مستوى العالم، ثم التجارب التي تعتبر حديثة لحكم الانظمة الملكية في العالم العربي، في محاولة لفهم الخطوط الرئيسية ومنها تاريخ الملكية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وأين تراجعت بسرعة وأين ثبت انها اكثر ديمومة ولماذا، وما الذي حدث عادةً بعد انتهاء الأنظمة الملكية، من حيث المسارات التي اتبعتها تلك البلدان لاحقًا؟
كما تسعى الورقة إلى فهم الخيارات الاستراتيجية التي يواجهها الملوك في الاستجابة للضغط الشعبي من أجل التغيير، وما هي الخيارات التي كانت متاحة لهم في مراحل رئيسية مختلفة، وما هي الخيارات التي اختاروها، وما هي النتائج الواضحة لتلك القرارات؟
تركز هذه الورقة التحليلية على "الأنظمة الملكية الحاكمة" أي الأنظمة السياسية التي يلعب فيها الملك دورًا نشطًا في الحكم.
هناك العديد من أشكال الاستبداد في العالم، لكن هذه الورقة تركز على مستقبل ما يصفه علماء السياسة "الأنظمة الملكية الحاكمة".
لقد صنفت أدبيات العلوم الاجتماعية الملكيات بطرق مختلفة، وهو الامر الذي يخلق بعض الارتباك التحليلي، فقد فرق العديد من العلماء بين الملكيات المطلقة (التي يكون فيها الملك هو الحاكم بلا منازع) والملكيات الدستورية (التي يلعب فيها الملك دورًا محدودًا يحدده الدستور)، وفي هذا الصدد، من المفيد الإشارة الى مقال نشر عام 2014، اقترح فيه كل من ألفريد ستيبان وخوان لينز وجولي مينوفز تصنيفًا من ثلاثة اقسام يميز بين "الملكية الحاكمة" و "الملكية الدستورية" وما يسمونه "الملكية البرلمانية الديمقراطية"، وقد حددوا في المقال بشكل سليم ان عامل التمييز الرئيسي بين الأنظمة الثلاثة هو من يقرر تشكيل الحكومة وانهاء وجودها، ففي نظام ملكي برلماني ديمقراطي يقوم البرلمان المنتخب بحرية بهذه المهمة، وفي الملكية الدستورية يلزم الامر دعمًا من البرلمان والملك، وفي النظام الملكي الحاكم يقرر الملك وحده ذلك، ووفقًا لهذا المعيار، فإن جميع الملكيات العربية الثمانية هي "ممالك حاكمة"، وسيكون هذا موضوع هذه الورقة.
الملوك والملكات في تاريخ البشرية:
النظام الملكي قديم قدم المستوطنات الزراعية الكبيرة الأولى التي ظهرت على وجه الأرض.
يعتقد بعض العلماء أن الحاجة إلى حيازة الأراضي الصالحة للزراعة والدفاع عنها - واضيف لها بعد ذلك بوقت قصير، الحاجة الى حماية طرق التجارة لبيع ثمار زراعة تلك الأرض - قادت البشر الأوائل إلى تركيز السلطة بيد عضو واحد من مجموعتهم.
كان الملوك والملكات الأوائل يعتبرون إما آلهة أو نالوا رضا الالهة على القيام بواجباتهم في الحكم.
لاحظ الفيلسوف يوفال نوح حريري أن هناك العديد من الأشكال السياسية الأخرى التي يمكن تصورها والتي كان من الممكن أن يختارها المستوطنون الزراعيون في تلك الفترة، لكن الملكية كانت إلى حد بعيد الخيار الأكثر شيوعًا، ربما لأن أي خيار آخر كان يتعدى الادراك الجماعي السائد في ذلك الوقت.
تُعرف المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات بأنها مهد الحضارة، حيث ظهرت فيها بعض أولى المستوطنات الزراعية الكبرى في العالم في العصور القديمة.
حكم مدينة أور السومرية عددًا من الملوك (وفي وقت ما ملكة)، كما كان الحال مع الإمبراطورية الأكادية التي تلت ذلك، وكذلك بلاد بابل وحمورابي الآشورية (التي أصبحت مدينة نينوى عاصمتها).
إلى الغرب، كان للحثيين والكنعانيين والفينيقيين والفلسطينيين والإسرائيليين ملوك، كما كان الحال ايضًا مع مصر في الجنوب الغربي (حيث لم يكن من غير المألوف ايضًا أن تحكم الملكات هذه المناطق).
خلال العصور القديمة الكلاسيكية، ظهرت إمبراطوريات أوسع مثل الفارسية تحت حكم كورش ثم داريوش، والإسبرطية والأثينية ومن ثم المقدونية تحت حكم الإسكندر الأكبر، والرومانية، وغيرها والتي حكمت من قبل الملوك والاباطرة وبعد ذلك القياصرة.
بعد قرون عدة، غزا أتباع النبي محمد، في العقد الذي أعقب وفاته عام 632م، شبه الجزيرة العربية برمتها، ثم نشروا الحكم الإسلامي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وغربًا إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وشرقًا إلى وسط وجنوب آسيا.
بعد وفاة علي، الخليفة الراشدي الرابع والأخير، عام 661 م، حكمت الأسرة الأموية لما يقرب من قرن من الزمان، حتى غزا اراضيها العباسيون عام 750م وانتقلت العاصمة من دمشق إلى بغداد.
في غضون ذلك، أسس الشيعة الإسماعيليون ما أصبح يُعرف بحكم الأسرة الفاطمية في أوائل القرن العاشر، وحكموا شمال إفريقيا وأجزاء مهمة من الشرق الأوسط في نهاية المطاف، واتخذوا من القاهرة الجديدة عاصمة لهم، حتى هزمهم القائد الكردي صلاح الدين عام 1171.
دمر الزعيم المغولي جنكيز خان آخر بقايا الحكم العباسي عندما استولى على بغداد عام 1258، واستمر أباطرة المغول اللاحقون (وكانوا يعرفون بلقب "الخان") في تأسيس أكبر إمبراطورية قارية في تاريخ البشرية.
بعد نصف قرن، بدأ عثمان، زعيم إمارة الأناضول، بالاستيلاء على أراضي الإمبراطورية البيزنطية المتفككة وضمها لممتلكاته، وبهذه الطريقة، أنشأ هو والسلاطين الذين تبعوه الإمبراطورية العثمانية، التي وصلت في النهاية إلى ضواحي فيينا.
لقد استخدموا الإسلام لحشد المؤمنين، وادعوا أنهم الخلفاء الشرعيون للخلفاء الإسلاميين الكلاسيكيين.
استمرت الإمبراطورية العُثمانية قرابة ستة قرون، حتى أدت الهزيمة في الحرب العالمية الأولى إلى تفككها عام 1922.
كانت الخلافة الإسلامية غير متجانسة، حيثُ كان الخلفاء يميلون إلى أن يكونوا منفتحين في الحكم وفقًا لطبيعة السكان الذين قاموا بحكمهم، لكنهم تشاركوا في سمات معينة وهي:
اولًا: انهم لم يحكموا أراضيهم بشكل كامل الا في حالات نادرة، وبعد هزيمة الامويين حكم الخلفاء اللاحقون جزءًا فقط من الامة او المجتمع الإسلامي.
ثانيًا: قاموا بدمج القوة السياسية والدينية في شخص واحد، فلم يمثل الخليفة الإيمان والمؤمنين فحسب، بل ادعى أيضًا سلطته على مجتمعات جغرافية محددة.
ثالثًا: كانت قواعد الخلافة متشابهة حيث تم انتخاب او اختيار الخلفاء الراشدين (الأربعة الأوائل) بالإجماع، لكن الخلفاء اللاحقين حصلوا على المنصب من خلال مزاعم الخلافة الوراثية وهي ادعاءات ليس لها أساس يذكر في الشريعة الإسلامية، ولكنها مع ذلك كانت مقبولة على نطاق واسع.
رابعًا: بدءًا من العباسيين، استخدم الخلفاء بيروقراطية مدنية لإدارة الشؤون اليومية للدولة، جنبًا إلى جنب مع مجموعة من رجال الدين المسلمين (العلماء) الذين فسروا الشريعة الإسلامية والممارسات الإسلامية للرأي العام، وقد أقام الخلفاء القصور والمساجد والمكتبات لإيواء الوظائف الاحتفالية والإدارية لحكمهم.
خامسًا واخيرًا: بينما كانت السلطة مركزية في عهد الخليفة، غالبًا ما تُرك قدر كبير من الحكم الذاتي للمسؤولين المحليين لإدارة الشؤون المحلية.
هذا الإرث الإسلامي في الحكم سيمثل مصدرًا مهمًا للتأثير على التطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في القرن العشرين.
خلال العصور الوسطى، تولى الملوك والملكات الأوروبيون بتطوير وإضفاء الطابع الرسمي على الملكية كمؤسسة، بعد أن أنشأوا هيكلًا إداريًا واسع النطاق لإدارة شؤون الممالك، جنبًا إلى جنب مع سلسلة إقطاعية متقنة من الالتزامات والامتيازات العمودية بين الملك أو الملكة، والبارونات والفرسان، والفلاحين والأقنان.
أصبحت دواوينهم الملكية مراكز للترفيه والفنون، وخلال هذه الفترة، تمكن الملوك الأوروبيون من احداث تغيير في الحكم الملكي لينتقل من حكم مجموعة محددة من الناس إلى حكم منطقة جغرافية معينة، وهو التغيير الذي وضع الأساس للدولة القومية الحديثة.
+الموجة الديمقراطية:
في أوائل القرن التاسع عشر، حكم الملوك والملكات تقريبًا كل ركن من أركان العالم "المتحضر".
كانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بتجاربهما في الملكية الدستورية والديمقراطية التمثيلية، على التوالي، غريبتين عن ذلك العالم، وكانت تجربتهما في مرحلتها الاولية الوليدة، وبعيدًا عن الديمقراطية الكاملة.
مشروع أنظمة العالم، وهي قاعدة بيانات جديدة طورها علماء السياسة آنا لوهرمان، وماركوس تانينبرغ، وستافان ليندبرج، تظهر في شكل بياني الأنظمة السياسية حول العالم في مراحل مختلفة من التاريخ الحديث.
بالتوسع في البيانات من مشروع "أنواع الديمقراطية"، الذي يستخدم تقييمات الخبراء لوصف الأنظمة السياسية، فإنه يصنف البلدان بمرور الوقت إلى أربع فئات: الأنظمة الاستبدادية المغلقة (الأحمر: لا انتخابات ولا حقوق فردية)، والأنظمة الاستبدادية الانتخابية (البرتقالي: انتخابات، مع عدم وجود حقوق فردية)، وديمقراطيات انتخابية (أزرق فاتح: انتخابات مع حقوق محدودة)، وديمقراطيات ليبرالية (أزرق غامق: انتخابات وحقوق كاملة).
تُظهر خريطة تفاعلية كيف كان شكل العالم في عام 1800 من خلال نوع النظام حيثُ تم تصوير المملكة المتحدة وأيرلندا والولايات المتحدة باللون البرتقالي (أنظمة استبدادية انتخابية)؛ وتم تلوين كل دولة أخرى في العالم باللون الأحمر باعتبارها (أنظمة استبدادية مغلقة).
بعد قرن من الزمان، انتشرت الديمقراطية في العديد من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وخارجها، مثل بلجيكا وسويسرا وأستراليا التي باتت تعتبر ديمقراطيات ليبرالية، وفرنسا ونيوزيلندا وغيرها التي اصبحت ديمقراطيات انتخابية، وحفنة من الدول الأوروبية وأمريكا الجنوبية ادنى جبال الأنديز التي تعتبر انظمة استبدادية انتخابية.
كانت هذه تغييرات مهمة، لكنها حدثت بشكل تدريجي نسبيًا امتد على مدار قرن من الزمان، وفي الوقت الذي غيرت فيه شكل العالم جذريًا الا انها حولت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الى منطقة نائية لم تصلها تلك التغييرات.
في أوروبا، أدى الإصلاح إلى تجزئة الولاءات الدينية، وبعد ذلك، أنتج عصر التنوير مجموعة من الأفكار الليبرالية بشأن المساواة وحقوق الرجال التي رفعت في النهاية مكانة الفرد في التفكير الشعبي ليسمو فوق المفاهيم القديمة بشأن التقاليد والحق الإلهي للملوك.
جلبت الثورة الصناعية الاضطراب الاقتصادي والصراع الطبقي، وخلقت أرضًا خصبة لأفكار أخرى بشأن كيفية تنظيم المجتمع، وفي غضون ذلك، عزز صعود القومية الولاءات السياسية حول الدولة القومية.
أخيرًا، قلبت الحربان العالميتان الاولى والثانية النظام السياسي القديم تمامًا: فقد خسر آل رومانوف وهاسبورغ وهوهينزولرن والعثمانيون عروشهم في الحرب العالمية الأولى، وفقد البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون والبلجيكيون (واليابانيون) ممتلكاتهم الاستعمارية خلال أو في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
على الصعيد العالمي، كانت الصورة متشابهة، حتى لو كانت القوى الدافعة للتغيير مختلفة بعض الشيء.
كانت الإمبريالية الأوروبية بالطبع، قد تراجعت أو أزالت العديد من الملكيات التقليدية في أماكن أخرى من العالم، وأدت نهاية الاستعمار، الذي عجل به إضعاف القوى الأوروبية نتيجة خوضها حربين عالميتين، إلى ظهور نخب جديدة بأفكار جديدة، دفعت النخب القديمة التي كانت موالية للقوى الأوروبية أو تم تنصيبها من الغرب بما في ذلك الطبقات الملكية المحلية، الى الهامش.
كجزء من نضالات الاستقلال، تم تجريد الهياكل الملكية أو تفكيكها بالكامل في أماكن متنوعة مثل غانا ونيجيريا وكينيا والهند وباكستان وتايلاند وفيتنام وإندونيسيا.
كتب العالم السياسي صمويل هنتنغتون في أوائل التسعينيات أن العالم قد شهد ثلاث موجات من التحول الديمقراطي: بدأت واحدة خلال القرن التاسع عشر واستمرت حتى الحرب العالمية الأولى حيث انتشرت فكرة الديمقراطية وتوسيع السلطة الشعبية، والثانية مع إنهاء الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية؛ والثالثة بدأت في منتصف السبعينيات في شبه الجزيرة الأيبيرية، ثم امتدت إلى أمريكا اللاتينية وآسيا، وبلغ ذروتها في أوروبا الشرقية وأفريقيا بعد انهيار الشيوعية في التسعينيات.
وفقًا لأحد المقاييس، كان هناك تسع وعشرون دولة ديمقراطية عند قمة الموجة الأولى، وست وثلاثون دولة عند قمة الموجة الثانية، وأكثر من ستين دولة في الموجة الثالثة.
حدثت الانتكاسات الديمقراطية بعد كل من هذه الموجات.
العديد من الأنظمة الديمقراطية الحديثة التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى لم تصمد سواء في فترة ما بين الحربين أو ما بعد الحرب العالمية الثانية، وينطبق الشيء نفسه على الدول الديمقراطية الجديدة التي نشأت عن طريق إنهاء الاستعمار في إفريقيا وآسيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والتي استسلم العديد منها لحكم الرجل القوي.
كما شهدت أحدث موجة ديمقراطية، التي بدأت بعد انهيار الشيوعية وبلغت ذروتها حوالي عام 2000 تراجعات كبيرة منذ ذلك الحين.
تصنف منظمة فريدوم هاوس الدول على مقياس مكون من مائة نقطة، بناءً على الحقوق السياسية والمدنية التي تمنحها لمواطنيها، وفي كل عام تلى عام 2005، تجاوز عدد البلدان التي انخفضت درجاتها في مقياس منظمة فريدوم هاوس عدد البلدان التي ارتفعت درجاتها على هذا المقياس.
يعتبر هنتنغتون أن هذا جزء متأصل من عملية الدمقرطة، فقد كان لإرساء الديمقراطية في عدد قليل من البلدان في منطقة ما تأثير العدوى وأدى في كثير من الأحيان إلى تحول البلدان المجاورة إلى الديمقراطية أيضًا، ولكن لن تنتقل جميع البلدان بنجاح إلى الديمقراطية.
تأثير الموجة امر حقيقي، لان كل موجة جلبت معها غطاءً ديمقراطيًا اوليًا، ولكن تبع ذلك انخفاض في مقاييس الديمقراطية عندما لم تنجح عدد من البلدان على الحفاظ على مكاسبها الديمقراطية، ولكن مع كل موجة متتالية، تقدمت الديمقراطية، والبيانات تؤكد ذلك.
أعقب كل موجة ديمقراطية انتكاسات، لكن الاتجاه كان نحو زيادة مطردة في عدد الديمقراطيات مقارنة بالدول غير الديمقراطية في العالم.
علاوة على ذلك، فإن البلدان التي شهدت أكبر انخفاض في الحرية في السنوات الأخيرة كانت من بين الدول غير الديمقراطية وتلك التي حاولت حديثًا أن تصبح ديمقراطية.
تُظهر بيانات "فريدوم هاوس" أن البلدان التي تم تصنيفها على أنها "غير حرة" أو "حرة جزئيًا"، بدلاً من دول "حرة"، هي التي تعرضت لأكبر انخفاض.
من بين ثلاثين دولة شهدت أكبر انخفاض في الحرية على مدار عقد من الزمان في السنوات الأخيرة، كانت سبعة وعشرون دولة "غير حرة" أو "حرة جزئيًا".
بالعودة إلى قاعدة بيانات أنظمة العالم، كان مدى المد الديمقراطي على مدى القرن الماضي هائلًا. لقد أصبحت أمريكا الشمالية، ومعظم أمريكا الوسطى والجنوبية، وكل أوروبا تقريبًا الآن إما ديمقراطيات ليبرالية أو انتخابية، كما حققت الديمقراطية تقدمًا كبيرًا في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء.
بشكل اجمالي، يصنف فريدوم هاوس 115 دولة من أصل 195 دولة في العالم على أنها ديمقراطيات انتخابية على الأقل، ومن الممكن، كما جادلت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في مقال نشرته قبل وفاتها، أن هناك موجة ديمقراطية أخرى تنتظرنا.
هل باتت الأنظمة الملكية قطعة اثرية تاريخية؟!
في نفس الوقت الذي كان فيه عدد الديمقراطيات يتزايد، انخفض عدد الملكيات وخصوصا ما تُعرف بـ "الملكيات الحاكمة" بشكل حاد.
لم تتحول كل الأنظمة الملكية السابقة إلى ديمقراطيات، بل تحول عددٌ منها إلى أشكال أخرى من الاستبداد أو الى دول شبه الاستبدادية، لكن هناك عدد من الملكيات تحول الى دول ديمقراطية.
وثق مقال نُشر في مجلة الإيكونوميست عام 2019 مدى التراجع المطلق في عدد الملكيات من الأنواع الثلاثة التي ذكرناها سابقًا سواء كانت حاكمة أو غير ذلك، منذ عام 1900، ولاحظت المجلة أنه بعد ان كان هناك ما يقرب من مائة وستين مملكة في عام 1900، انخفض العدد إلى أربعين فقط عام 2019، وكان الرقم الأخير أقل إذا نظر المرء في الملكيات الحاكمة بالتحديد، لأنه في معظم البلدان الأربعين، أصبح دور الملك اسميًا بشكل صارم، وبالتالي وكما قلنا سابقًا لم يتبق سوى عشرة ممالك حاكمة، ثمانية منها في الشرق الأوسط وهي الدول الست المكونة لمجلس التعاون الخليجي بالإضافة الى الأردن والمغرب، اما الممالك الحاكمة خارج هذه المنطقة فكانت اربع هي بروناي واسواتيني الصغيرتان.
أسباب ذلك بسيطة.
تشرح مقالة الإيكونوميست السبب بعبارات درامية وغير مهذبة، ولكنها مع ذلك دقيقة.
إذا لم تكن الملكية موجودة، فلن يخترعها أحد اليوم، فشرعيتها تنبع من طقوس قديمة وقصص صبيانية، وليس من نظام قائم على غرض معين او هادف إلى تحقيق الحكم الرشيد، كما انه ينقل السلطة من خلال آلية تنمي العيوب الخلقية بدلاً من الذكاء.
النظام الملكي الحاكم متحيز جنسيًا وطبقيًا وعنصريًا ومصمم خصيصًا لمنع التنوع والمساواة والجدارة الشخصية من التسلل إلى صفوفه الفطرية.
يضيف عالم السياسة شون يوم قائلًا: "الملكية الحاكمة تبتعد الجميع عن السلطة باستثناء دائرة صغيرة من الأقارب المرتبطين بيولوجيًا بالحاكم".
أصبح الملوك نادرون كما هو الحال مع الاباطرة، ومع ذلك، تشير مقالة الإيكونوميست إلى أن الملكية هي عبارة عن نظام سياسي مع هامش قليل من السلطة وهذا ما يفسر اختفاء ملكيتين فقط خلال هذا القرن هما توغو والنيبال وتعزو المقالة قوة البقاء في الممالك المتبقية على وجه الارض إلى حقيقة أن عددًا قليلاً جدًا من الدول الملكية مازالت تمارس أي سلطة حقيقية – لكن يجب ان نؤكد هنا ان هذا يحدث مع الممالك في العالم باستثناء الممالك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تعتبر الأنظمة الملكية العربية القائمة اليوم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الابتكارات الحديثة نسبيًا.
ومن المفارقات، أنه بينما كانت الملكية تنهار في أوروبا، كانت تبرز من جديد وفي شكل جديد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا كنتيجة لتراجع الهيمنة الأوروبية على المنطقة.
حكمت الإمبراطورية العثمانية معظم الشرق الأوسط وشمال افريقيا من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، ومع ضعف الإمبراطورية العثمانية وانهيارها، بسط البريطانيون والفرنسيون سيطرتهم في جميع أنحاء المنطقة، ومارسوا الحكم المباشر في بعض الأجزاء، وحافظوا على مجالات التأثير في مناطق اخرى.
في السراء والضراء، ساعد الاستعمار الأوروبي في إنشاء المؤسسات وإرساء الشرعية للعديد من الممالك القائمة في الشرق الأوسط الحديث، فقد رسم البريطانيون والفرنسيون الحدود حيث لم تكن موجودة من قبل، كما قاموا بجمع السلطة بيد القلة، وساعدوا في رفع بعض القادة المحليين إلى مناصب في السلطة داخل هذه الأراضي.
تركت الحربان العالميتان الاولى والثانية القوى الأوروبية منهكة عسكريًا واقتصاديًا، لدرجة ان هذه القوى اُجبرت على تفكيك ممتلكاتها الاستعمارية تدريجيًا، ومع انسحابها من المنطقة، تركت القادة المحليين باعتبارهم الحكام السياديين للبلدان المستقلة حديثًا في كثير من الأحيان.
وسط تنامي المشاعر المعادية للاستعمار والقومية في المنطقة - وهي ظاهرة كانت نتاج الحداثة بحد ذاتها - أصبح ملوك الشرق الأوسط وسيلة لحركات الاستقلال الوطني للعديد من دول الشرق الأوسط، كما كان للمنطقة تاريخ طويل من الملوك والأمراء والخلفاء وهو الامر الذي ساهم بلا شك في قبولهم من قبل السكان المحليين.
+
متانة الملكيات العربية:
تضافرت العوامل التي مكنت الملكيات العربية من التفوق في البقاء، وشملت هذه العوامل الثروة النفطية الوفيرة، والدعم العسكري من الولايات المتحدة، والمسؤولية المتصورة لهؤلاء القادة في نظر مواطنيهم.
سمحت الثروة النفطية للممالك الخليجية بتوزيع العائدات على أصحاب المصلحة الرئيسيين، وبالتالي الحفاظ على السلام الاجتماعي، وعندما انتشرت احتجاجات الربيع العربي في المنطقة، أعلن ملوك الخليج عن برامج دعم جديدة لتوجيه المزيد من الأموال إلى مواطنيهم، ووعد العاهل السعودي بمبلغ مائة وثلاثين مليار دولار لزيادة رواتب الحكومة، ومساعدة العاطلين عن العمل، وتوفير الإسكان المدعوم، ودعم المؤسسات الدينية.
وخصصت دولة الإمارات 1.6 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية للمياه والكهرباء في الإمارات الشمالية الأكثر فقراً في البلاد، ووزعت البحرين هدايا نقدية بقيمة 3600 دولار لكل أسرة بحرينية، وأعطى سلطان عُمان شيكات شهرية بقيمة 375 دولارًا للعاطلين، وقد ساعدت هذه الأموال دول الخليج على مواجهة الربيع العربي والتحديات السياسية الأخرى التي كانت ماثلة امام حكامها.
لا تتمتع الأنظمة الملكية في المغرب والأردن بالثروة النفطية، ولكنها استفادت أيضًا من الهبات المالية لدول الخليج.
خلال الربيع العربي قدم مجلس التعاون الخليجي للأردن والمغرب نصف مليار دولار لكل منهما كمساعدات إنمائية، وسمحت هذه الأموال بتأجيل ما كان يمكن أن يكون إصلاحات اقتصادية مؤلمة في وقت مشحون سياسيًا.
كما وفرت الولايات المتحدة الحماية العسكرية لملوك المنطقة.
ففي اطار سعيها لتحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، ضمنت الولايات المتحدة أمن الأنظمة الملكية من خلال القواعد العسكرية ونشر الجنود، ومبيعات الأسلحة، والمساعدة العسكرية والإنمائية، وقد سمح الضمان الأمني الأمريكي الضمني لهذه الدول بإنفاق أقل بكثير مما كانت ستنفقه على الدفاع عن نفسها، وأن تكون أكثر أمانًا مما لو كانت ستحصل عليه من خصومها في الداخل والخارج.
كما استفادت الأنظمة الملكية في المنطقة من بعض الشرعية التي حصلوا عليها تاريخيًا في عيون مواطنيهم، حيثُ يستمد العديد من الملوك شرعية علاقتهم بالقيادة من التاريخ القبلي لبلدهم.
أمير قطر، على سبيل المثال، ينحدر من سلالة آل ثاني، وهي جزء من قبيلة تميم المهيمنة في البلاد، والتي تفاوضت مع البريطانيين في القرن التاسع عشر لحماية القبيلة من الحكم العثماني، مما أدى في النهاية إلى إنشاء دولة قطر، اما أمير الكويت فهو جزء من عائلة الصباح التي تم اختيارها في القرن الثامن عشر من داخل قبيلة عنيزة لتحكم الكويت.
يدعي بعض ملوك المنطقة أيضًا وجود اساس ديني يعتبر أساسًا لحكمهم.
الملك عبد الله الثاني ملك الأردن على سبيل المثال هو جزء من الأسرة الهاشمية، التي تعود نسبها إلى النبي محمد، كما أن أسلافه عملوا كأوصياء دينيين على مكة والمدينة في ظل الحكم العثماني.
اما الملك محمد السادس ملك المغرب فيدعي أنه سليل مباشر للنبي كجزء من الأسرة العلوية، ويدعي علاقته بوصف ارتبط منذُ وقت طويل بالسلاطين المغاربة وهو "امير المؤمنين".
أما في السعودية، فمنذ تأسيس الدولة أطلق العديد من حكامها على انفسهم لقب "خادم الحرمين".
تساعد هذه المؤهلات القبلية والدينية على تعزيز شرعية مزاعم الملوك العرب باحقيتهم في الحكم، ومع ذلك، فإن اسباب ديمومة هذه الممالك العربية كثيرًا ما تكون عبارة عن مبالغات.
ما يقرب من نصف الممالك العربية التي كانت قائمة عام 1950، لم تعد قائمة اليوم.
في مصر على سبيل المثال أطاح الضباط الأحرار بالملك فاروق في انقلاب عسكري عام 1952، وفي شمال اليمن، أطاح الجيش بالإمام محمد البدر الذي تم تنصيبه حديثًا عام 1962، كما نجا النظام الملكي العماني من تمرد في الجنوب في الستينيات، بعد الاستعانة بمساعدة البريطانيين والسعوديين، كما تعرضت السعودية والمغرب لمحاولات انقلابية، بينما عانى النظام الملكي الأردني من حرب أهلية.
وفي الآونة الأخيرة، نجا النظام الملكي في البحرين من الربيع العربي بعد تدخل عسكري من دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية للمساعدة في قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
كتب شون يوم قائلًا "من الخمسينيات إلى السبعينيات، اشتهرت الملكيات الحاكمة في الشرق الأوسط بالانهيار".
بالرغم من هذا المنظور التاريخي، يبدو مستقبل الأنظمة الملكية العربية أقل ضمانًا بكثير.
صحيح أن الأنظمة الملكية العربية أثبتت أنها أكثر استقرارًا من معظم البدائل الاستبدادية الأخرى بعد ان نجت من الربيع العربي (وان كان ذلك بالكاد في البحرين)، في حين تم الإطاحة بمعظم الجمهوريات العسكرية في المنطقة (تونس ومصر واليمن وليبيا) من قبل الاحتجاجات الشعبية، وانضمت سوريا تقريبًا إلى تلك القائمة، لكن هذه الأنظمة، كما يشير شون يوم نجت "لانهم يبدون جيدين فقط حينما يقارنون ببقية دول المنطقة، التي تبدو سيئة للغاية" كما ان الثورات التي أطاحت بالعديد من الجمهوريات العسكرية، كانت مدفوعة جزئيًا بمحاولات نقل السلطة السياسية من الأب إلى الابن لتقليد الخلافة الوراثية التي تمارس في الملكيات.
يبدو ان العوامل المسؤولة عن استدامة الأنظمة الملكية العربية تتغير هي ايضًا.
لقد شرع العالم في التحول إلى الطاقة "الخضراء" التي ستقلل تدريجياً من الطلب على النفط، وبالتالي تقلل عائدات الثروة النفطية التي اعتمدت عليها هذه الأنظمة.
كما يبدو أن الولايات المتحدة تقلل من انخراطها العسكري والدبلوماسي في الشرق الأوسط، وقد لا تتمكن الدول العربية - في حالة مواجهة الحكم فيها للتحديات- من الاعتماد على دعم واشنطن بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في الماضي، ويبدو ايضًا أن المواطنين في هذه الدول أقل استعدادًا من ذي قبل لمنح حكامهم ولاءً غير مشروط.
يقول بعض الباحثين السياسيين بأنه بالرغم من فشل معظم ثورات الربيع العربي، فإن تجربة الثورة غيرت نظرة المواطنين العرب الى الابد، وفي استطلاعات الرأي فأن اغلبية المواطنين العرب (في البلدان التي يُسمح فيها بأجراء مثل هذه الاستطلاعات) أشاروا باستمرار الى انهم يعتبرون الديمقراطية افضل نظام لحكم مجتمعهم كما ان هذا الدعم للديمقراطية اعلى بين المواطنين الأصغر سنًا والأكثر تعليمًا.
كل هذا يجب أن يسترعي انتباه الملوك العرب، لأن اتجاه الأمور ليس واعدًا بالنسبة لهم.
ضم العالم 160 مملكة حاكمة في عام 1900، ولكن لا يوجد سوى عشرة منها اليوم، وقد تمتع الملوك العرب بظروف مواتية ساعدتهم على البقاء كاستثناء للتغيير الذي عاشه العالم حتى الآن، لكن هذه الظروف تتغير بسرعة.
قد يكون هؤلاء الملوك قادرين على تجاوز العاصفة، لكن الاحتمالات ليست في صالحهم، ويحتاج الملك الحكيم إلى التفكير بجدية في المستقبل، وإذا لزم الأمر، التفكير في البدائل المتاحة امامه.