عن المشاركة الانتخابية.. وشرعية السلطة.
لو كان من وجهة نظر واحدة, وأيضاً قد يعطي الواقع فعالية للسلطة بغض النظر عن شرعيتها من عدمه, ما دامت تخلق التزامات يجب طاعتها, وغالباً ما تُفهم الشرعية السياسية في هذا السياق بأنها تبرير للسلطة القسرية إذا ما كانت صادرة من قبل الدولة
أحمد الخالصي
تُعد الشرعية من الأسئلة الجوهرية في مجالي السياسة والقانون، ورغم تبعية الأول للأخير غالباً في مجال التحديد الشائع، إلا أنها ظلت تشغل حيزاً شبه منفصل في هذا المضمار، من حيث اختلاف الإجابات في هذا الصدد.
فهذا المصطلح الذي لازال مثار جدل في اشتباكه اللفظي مع المشروعية, حتى في الفكر الغربي, بين دعاة الاختلاف بين المفهومَين, وبين آخرين داعين للدمج بينهما, لم يسلم هو ذاته من تعدد التعاريف ووجهات النظر حوله, فمثلاً الشرعية السياسية عند ماكس فيبر تدور حول الإطار الوصفي للمفهوم, وتقوم على ركيزة ثلاثية من، تقاليد ,كاريزما، وعقلانية القانون.
في قبالة ذلك نجد حضور التوافق كمعيار لتبرير السلطة السياسية وما يتبعه من التزام ,
حتى لو كان من وجهة نظر واحدة, وأيضاً قد يعطي الواقع فعالية للسلطة بغض النظر عن شرعيتها من عدمه, ما دامت تخلق التزامات يجب طاعتها, وغالباً ما تُفهم الشرعية السياسية في هذا السياق بأنها تبرير للسلطة القسرية إذا ما كانت صادرة من قبل الدولة, أو هناك التزامات على المستوى السياسي من قبل الناس تجاهها, وهذا ما يعتمد بشكل جوهري على وجود تبرير تملكه السلطة في ممارساتها, بينما دعا جون سيمونز للتمييز بين المعيار الأخلاقي والشرعية السياسية الفعلية للدول.
ومن ناحية أخرى فإن المعنى القانوني للشرعية نابع من التزام القائمين بالنظام السياسي داخل السلطة بدستور مسبق, وهو ما يشير إليه مونتسكيو.
أما في الشريعة الإسلامية، فإن هذا الجدال الذي دار كثيراً داخل أروقة الفكر الغربي, لم يكن له حضور, فالدين عين السياسة, من ثم كل شيء يُبنى على الشريعة, فتضحى الشرعية السياسية والقانون مفردتَين ضمن مفردات الشريعة, ويعود ذلك إلى عاملَي الأسبقية والبناء, فالإسلام جاء قبل دولته، وهو أمر بديهي لا يحتاج إلى توضيح, فيصبح منطقياً تبعاً لذلك أن يكون البناء، أي العامل الثاني, يقوم على أساس الدين الذي هو الأسبق، من هنا فالشرعية السياسية للسلطة في الإسلام تعود إلى الشرع, كتعريف وتحديد, ضمن إطار المبادئ المنصوصة في وقتها والمستمرة إلى الزمن الحاضر, أو ضمن المفاهيم العامة التي تضمنتها الشريعة الإسلامية, فيما قد يطرأ من مستحدثات, لتجاوز حاجز الزمن ومسألة التجديد الذي قد يرافقه، وهذه رؤية إجمالية تتفادى الدخول في الاختلاف المذهبي الإسلامي تجاه تحديد معنى الشرعية، إذ تختلف معايير الشرعية في الفكر السياسي السُني عن نظيره الشيعي.
انتهت قبل مدة قصيرة انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وهي تأتي بعد نحو عقد كامل من الغياب، وبغض النظر عمّا أفرزته من نتائج هنا وهناك، لكن ما يهمنا هو الرؤية المسيطرة على الفهم العام الشعبي من خلال الربط الحاصل بين ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات وشرعية النظام السياسي القائم، ويعتبر هذا الضعف مؤشراً على عدة أمور سلبية تحيط العلاقة بين الشعب والسلطة، والتي منها الثقة والامتعاض والشعور باليأس جراء المخرجات السياسية السابقة، لكن هل يؤثر ذلك في شرعية السلطة أو النظام القائم؟، ورغم أهمية هذه المؤشرات في تقييم السلطة، لكنها لا تنتج أي تفنيد واقعي لها، لكون الشرعية معياراً نظرياً يفتقد أهميته الواقعيه يوماً بعد آخر لصالح السلطة القائمة بوصفها حقيقة يجري التعامل معها، بغض النظر عن طبيعتها ولا معاييرها المستوفاة، كذلك فإن طبيعة النظام الدولي، كنسيج نفعي مختلط ومشتبك في ظل معادلتَي التبادل أو السطوة، سوى في ظل القطبية الليبرالية_ الاشتراكية، أو في ظل الأحادية، قد فرض منهاج محدد في التعامل، ليس من ضمنه شرعية هذه السلطة أو تلك، مما يعني أن مسألة الشرعية محددة ضمن النطاق الداخلي وهذا متعارف، لكن هذه البديهية وفي ظل هكذا مجتمع دولي بما يحمله من طبيعة براغماتية وصراعية، حجَّم من قابلية هذا المفهوم على إنتاج التغيير، إذ قلل من فاعلية هذا المعيار، لصالح الوجود الفعلي للسلطة، ومن ثم وفرت لهذه الأخيرة في كثير من الأحيان ما يمكن أن نسميه (شبه الحماية الخارجية)،
نظير ما توفره من تواجد محدد ومستقر في الميدان الدولي ، بعكس ما قد يفرزه التغيير المتكرر بحجة الشرعية أو غيرها، والذي ينسحب بدوره للتأثير على النسيج الدولي بما يحمله من ترابط اقتصادي وتجاري وإلخ...،
وأُوضّح هذا الأمر ليس من باب التبرير، بل من باب الحقيقة التي يجري طمسها بالشعبوية والشعارات الفارغة، بالإضافة لكون الذهنية العامة دائماً ما تربط انعدام الشرعية بتغيير السلطة.
لكن تبقى هذه المؤشرات بما يفرزه تراكمها مستقبلًا، عوامل ضاغطة ومهددة لبنية وهيكلية العلاقة المتبادلة بين المحكومين والنظام القائم.
#شبكة_انفو_بلس