كيف يمكن أن تمضي السياسة من دون أخلاق ..؟
يجري ترديد هذه المقولة داخل الأوساط السياسية العراقية وكأنها من بديهيات العقل والمعرفة، أو على أساس كونها تعني الترجمة العملية للسياسة، مع أن هذه المقولة محدودة ومحصورة في حدود الصراعات والعلاقات بين الدول، حين قالها صاحبها في أوقات الحرب العالمية.
كتب / سلام عادل
منذ سنوات يردد بعض السياسيين العراقيين مقولة، تُنسب لرئيس وزراء بريطانيا المتوفي سنة (1965) ونستون تشرشل، يقول فيها : لا يوجد في السياسة عدو دائم ولا صديق دائم، بل توجد مصالح دائمة".
ويجري ترديد هذه المقولة داخل الأوساط السياسية العراقية وكأنها من بديهيات العقل والمعرفة، أو على أساس كونها تعني الترجمة العملية للسياسة، مع أن هذه المقولة محدودة ومحصورة في حدود الصراعات والعلاقات بين الدول، حين قالها صاحبها في أوقات الحرب العالمية، ولا تعني جنْي المصالح والاستحواذ على المناصب بأي شكل كان داخل الدولة الواحدة. وما يثير الاستغراب أكثر في الأوساط السياسية العراقية أن التنافس بين القوى السياسية صار يقوم على أساس التسابق في (السفالة)، حيث كلما صار السياسي منحطاً وعميلاً وفاسداً، أو كاذباً، صار يُقال عنه سياسي ناجح.
وهي حالة مرضيّة بلا أدنى شك، ومشوهة إلى أبعد حد، لأن السياسة منذ أن ظهرت وجرى التنظير لها كانت رديفاً للأخلاق، بحسب أرسطو، الذي عدَّ السياسة من ضمن الأعمال الإنتاجية الفاضلة، فالسياسة والأخلاق هما شيء واحد بالنسبة لأرسطو، بالنظر لكون هدفهما واحد، وهو اكتساب الفضيلة للوصول إلى السعادة.
والسعادة عند الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو هي (الخير). ولعلنا حين نقرأ في القرآن الكريم نجد أن كلمة (خير) قد ذُكرت بحدود (180 مرة) بصيغة اسمية أو كمصدر، حتى قيل إن (الخير) من الألفاظ المركزية في القرآن، وأن معناها (عكس الشر) بأشكاله ونوازعه كافة "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يرَه، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرَه".
ومن هنا وضع المؤسسون الأوائل للحركات الإسلامية متبنياتهم في العمل السياسي، ويقال إن حزب الدعوة الإسلامية حين التأسيس سنة (1957) قد بدأ حراكه السياسي من قوله تعالى: "ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير". ولكن واقع الحال في العراق هذه الأيام مرير جداً على أي حال، حيث تبدو فيه متبنيات القوى السياسية على النقيض من الخير، وعلى الجانب البعيد عن الأخلاق، ويبرر لنا بعضهم هذا التوجه باتباع النهج البراغماتي، مع كونه يعرف أن (البراغماتية) مذهب غير أخلاقي في السياسة، وأنها ليست المذهب الوحيد بقدر ما هي الأسوأ. ولا أحد يفرض على السياسيين في العراق تبني (البراغماتية)، مقارنة بمذاهب سياسية أخرى قد تكون أخلاقية أكثر، مثل مذهب الإمام علي بن أبي طالب، الذي يعتبر مؤسس المدرسة الأخلاقية في السياسة، والغريب أن مَن يتبنون البراغماتية اليوم يدَّعون وصلاً ونسباً بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) !!!.
ولست أعرف مَن قال إن المصالح لا تتحقق إلا من خلال شراكات مع (الأشرار) من الناس؟!، في الوقت الذي نجحت فيها تجارب الجمع بين السياسة والأخلاق، وهي من أبرز نتاجات الفلاسفة العرب، من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا ومن ثم ابن رشد، الذين سعَوا جميعاً لتبرير الجمع بين العقل والدين.
وهي مباني تمظهرت في عصرنا الحديث من خلال نظرية (الجمهورية الإسلامية)، التي أسسها الإمام الخميني سنة (1979) في إيران، والتي فسّر فيها الرابط بين السياسة والدين باعتبارهما متلازمتان، وذلك من خلال مقولة مختصرة قال فيها (ديننا سياسة، وسياستنا دين) وهو تعبير ينتمي للمدرسة العلوية من دون أدنى شك.
#شبكة_انفو_بلس