رسالة إلى (الخائف) في معنى أن تكون شهيدا

الأغرب في شموخ الحاجة (أم علي)، ليس فقط خبرتها بوجوه الشهداء، بل روحها العاشقة للسماء الممزوجة بالترفع والتعالي على الدنيا، لذا تجدها ضاحكة، وهي تقول : ما زال عندي ابن ثالث
كتب / سلام عادل
في تلك الضاحية الصامدة جنوب بيروت، مررتُ في زيارة للحاجة (أم علي)، وهي الخبيرة بوجوه الشهداء، فهي تعرفهم قبل استشهادهم، بمجرد أن تنظر للشخص تقول "هذا يريد أن يستشهد"، وذلك لكونها رافقت وعملت مع أجيال من الشهداء، ابتداءً من الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وحتى اللحظة، وهي قدمت شهيدين من أبنائها، أحدهم نفذ عملية استشهادية مع زوجته، ورحل تاركاً لها رضيعة صغيرة اسمها زينب، تقول (أم علي) : إن زينب منحتها عمراً أطول جعلها تعارك الصبر إن جاء يخذلها.
والأغرب في شموخ الحاجة (أم علي)، ليس فقط خبرتها بوجوه الشهداء، بل روحها العاشقة للسماء الممزوجة بالترفع والتعالي على الدنيا، لذا تجدها ضاحكة، وهي تقول : ما زال عندي ابن ثالث، شو بدي أساوي فيه ؟ مع كونها كانت قد ودعت في معارك الضاحية الأخيرة نسيبها (أبو مهدي)، وهو الآخر كان أحد اختباراتها قبل أن يودعهم بإجازته الأخيرة، قالت له : أنت بدك تستشهد، ما هيك ؟
وفي الأزقة الأخرى من تلك الضاحية الحسينية الشامخة، مررتُ على بيت الحاج (أبو عصام)، وهو ليس ككل المنازل، فجدران هذا المنزل مزينة بصور الشهداء، حيث فقد الحاج (أبو عصام)، ثلاثة من أبنائه، أحدهم أول استشهادي لدى الحزب، وآخرون لحقوا بهم تباعاً، حتى جاءت معركة طوفان الأقصى، ليقدم (أبو عصام)، زوجته وابنته ونسيبه، ورغم كل ما حصل يقول أبو عصام : كلنا فداء للإمام الحجة عجل الله فرجه.
ومن هنا تبدو المسافة بين الموت والحياة، لمن تعود على الفقد، أو الذين تطوعوا للشهادة، غير مرتبطة بقواعد الرياضيات، ولا تخضع لمعادلات الربح والخسارة، بحسابات السوق والبورصات، لأن الاستشهاد يتحول إلى تجارة مع الله، كما جاء في القرآن (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)، ولهذا تبدو سياسة الاغتيالات، او التهديد بالقتل، الذي اعتمدته إسرائيل منذ الستينيات تجاه حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية والإسلامية، مجرد تخويف لا قيمة له.
ولعل التعليق الساخر، "إن الحياة عندي لا تساوي قيمة إطار النظارة"، والذي صدر عن الإمام القائد في ايران سماحة السيد علي الخامنئي، في معرض رده على إعلانات تل ابيب، من كونها تسعى وراء اغتياله، هو تعليق يرتبط بمقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين قال "إن دنياكم أهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي بنعيم يُفنى".
وما بين علي وعلي هناك الحسين وأخيه العباس، وسلسلة لا حصر لها من الأعلام والعلماء والأئمة والقادة، بعضهم قضى نحبه، وبعضهم ينتظر، وجميعهم يرتبط بالمعاد وجنات النعيم على نهج نبي ختم النبوة من بعده، مما يجعل الشهادة أمام من تربى وتعلم على يد الشهداء، او من صادق وزامل وقاتل مع الشهداء، وحتى أمام من شيّع ودفن شهداء أعزاء، إنما هو شرف ونهاية سعيدة لا خوف فيها ولا هم يحزنون.
وما الموت إلا نصر على الموت نفسه، وهو ما تعلمناه نحن شيعة أهل البيت، ولعل أحدنا حين يبدأ بالتعرف على الموت، في أول مرة برحيل عزيز ما، يبدو صادما ثم يكون حزيناً ثم يشعر بالفقد، إلا أنه في النهاية يتحول إلى شرف ومفخرة، وبالذات حين تأتي لحظة الشهادة في مواجهة العدو، وهو المعنى في أن تكون شهيداً، وهو رسالة إلى (الخائف)، بأن من يريد قتلك إنما يخشاك، وكفى في أن تكون مرعباً لعدوك في حياتك ومرعباً له في مماتك، فلِمَ الخوف ؟ كن شهيداً أفضل.
#شبكة_انفو_بلس