10 أيام لعراقي في إيران.. ماذا يحصل في الجمهورية المحاصرة ؟
الحصار الذي خنق العراقيين 13 عشر سنة قد أكل الأخضر واليابس خلال تلك السنوات، إلا أنه رغم العوز دفعت غريزة البقاء إرادات الجميع لمواجهة الحرمان، وصرنا حتى هذه الأيام نسمع من يتحدث عن ذكريات الحصار بشيء من الشموخ، باعتبار أن البلاد والعباد
كتب / سلام عادل
في منتصف التسعينيات نشر الكاتب العراقي داوود الفرحان سلسلة مقالات في مجلة ألف باء الشهيرة تحت عنوان (بلد صاعد بلد نازل)، وكان مضمون هذه المقالات يقتصر على نقل مشاهداته الشخصية عن اليابان، بعد أن قام بزيارة الى ذلك البلد الحديث والمتطور في كل شيء، لهذا جاءت المقالات بصيغة ممتعة من جنس أدب الرحلات.
والأكثر إثارة في هذه المقالات ـ التي بلغ عددها 195 مقالة وقد جرى جمعها في كتاب خاص لاحقا ـ أنها كانت تُحدِث ضجيجاً من الأسئلة في عقلية المتلقي العراقي، لكونها كانت تفتح جلسات مقارنة بين اليابان ـ باعتباره بلدا صاعدا ـ وبين العراق الذي كان يمر بأصعب الفترات خلال اشتداد الحصار الاقتصادي عليه، ولهذا كان يُعد بمثابة بلد نازل.
وكان الحصار الذي خنق العراقيين 13 عشر سنة قد أكل الأخضر واليابس خلال تلك السنوات، إلا أنه رغم العوز دفعت غريزة البقاء إرادات الجميع لمواجهة الحرمان، وصرنا حتى هذه الأيام نسمع من يتحدث عن ذكريات الحصار بشيء من الشموخ، باعتبار أن البلاد والعباد قاوموا الحصار الأمريكي، وسعَوا إلى ابتكار ما يمكن ابتكاره من أدوات ومستلزمات ضرورية أبقت الشعب على قيد الحياة.
ولهذا تبدو إرادة التحدي والمقاومة في الجمهورية الإسلامية في إيران أكبر رافع لقدرات هذا البلد المحاصَر منذ ما يزيد على 40 سنة بمختلف أشكال الحصارات المركبة والمتراكمة، ما يجعل البلد واقفاً على قدميه بثبات لدرجة تثير الدهشة في ذهن كل زائر، وهو ما حصل لي شخصياً خلال الأيام العشرة الفائتة التي قضيتها بين ثلاث مدن كبرى، هي طهران ومشهد وقم.
ولولا ضيق الوقت لقمت بزيارة المزيد من المدن العظيمة، مثل أصفهان وتبريز وشيراز، ويشمل ذلك مناطق عبادان والمحمرة، وحتى الجزر التابعة لإيران في مياه الخليج، مثل جزيرة كيش التي يُحكى أنها صارت تعتبر واحدة من وجهات السياحة العالمية لكونها تقع في المياه الدافئة وسط بيئة بحرية خلابة.
ولكن المهم هنا ليست السياحة في ايران، أو محاولة الاستمتاع بجغرافيا وتضاريس هذا البلد المترامي الأطراف والمتعدد الأعراق والأديان، وإنما التأمل بالقدرات الصناعية والزراعية الجبّارة التي جعلت البلاد في حالة اكتفاء ذاتي من كل شيء، وكأنه بلد ليس فيه أي حصار ولا هم يحزنون، من ناحية وجود كل شيء يحتاجه الإنسان في الأسواق والبيوت والشوارع.
واللافت للنظر أن شوارع إيران المزدحمة عادةً بالسيارات الإيرانية الصنع، سواء كانت مركبات صغيرة أو مركبات نقل أو حمل، هي شوارع مبنية بإحكام ونظامية إلى أبعد حد، لدرجة تنتشر فيها شبكات المراقبة بالكاميرات على جميع الطرق الداخلية والخارجية، كما تنتشر المجسرات والتقاطعات والأنفاق التي تساهم في انسيابية الحركة للتخفيف من زخم وجود 85 مليون نسمة.
وتحتوي أسواق إيران على كل ما يحتاجه الإنسان من مستلزمات غذائية واستهلاكية وأدوات، وجميعها (ساخت إيران) التي تعني (صُنِع في إيران)، حتى أنني تفاجأت حين دخلت في أحد المجمعات التجارية الخاصة بالأجهزة الكهربائية، لكوني وجدت ما لا يقل عن 300 جهاز من صناعة إيرانية، الى جانب مختلف العُدد اليدوية ومواد البناء ذات الجودة العالية.
ولا شك أن الأكثر إثارة هو الوضع الأمني المستتب والمستقر، والذي ينطوي على رسائل تتقصد الحكومة إيصالها إلى جميع زائري البلاد، باعتبار أن الحياة العامة تخلوا من المظاهر المسلحة والسيطرات، ويصل الأمر إلى عدم الحاجة لحمل جواز سفر أو بطاقة تعريفية أثناء التجوال في طول الجمهورية وعرضها، وهو استعراض أمني يدل على التمكن والتمكين، وهو بلاد أدنى شك يثير جدل أو نقاش يندرج في سياق قدرات إيران العسكرية المتزايدة التي جعلتها تفرض معادلة ردع إقليمية عجزت أمريكا على مواجهتها.
وعموماً .. ما هو موجود في إيران يجعل كل زائر يشاهد جبل الصبر والتحدي والاعتداد بالنفس داخل كل مواطن إيراني يحب بلده ولا يقبل له الانكسار، ويغذي كل ذلك فلسفة وفكر ورؤى اقتصادية وسياسية خلقتها دوافع روحية تقف وراءها قيادة تؤمن بالدنيا وبالآخرة وتعرف كيف تتوازن الأمور بحكمة، وهو ما جعل إيران في نظري خلال الأيام العشرة التي زرتها فيها عبارة عن (بلد صاعد)، وسيكون نووياً في أقرب وقت.
#شبكة_انفو_بلس