مشهد الحرب بين الجمهورية والكيان لا حرب ولا سلم حتى رد الصائل

حتى تستكمل طهران استعادة ردعها ربما نحتاج إلى سنوات، بالضبط كما حدث مع مصر في حرب الاستنزاف وصولا إلى حرب 73 أو مع إيران نفسها في الحرب العراقية الإيرانية.
زاهر موسى
لو أردنا قراءة مشهد العدوان الصهيوني على إيران الآن، فعلينا اللجوء إلى المعطيات والحقائق، ولنبدأ من هذا السؤال: لو كانت إسرائيل قد حققت السيادة الجوية في إيران، واستطاعت تدمير الجزء الأكبر من المواقع النووية وقواعد إطلاق الصواريخ ومنظومة القيادة والسيطرة كما تزعم، فلماذا تحتاج الولايات المتحدة بشدة في هذه العملية؟ وتتوسل لها كي تشارك معها؟
ستكون الإجابة المقبولة الوحيدة قائمة على الحقائق بالشكل الآتي:
أولا/ سلاح جو العدو متفوق بشكل واضح على أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، هذا واضح، لكن سلاح الجو هذا يواجه تحديات صعبة أهمها، المسافة الكبيرة بين الأراضي المحتلة وإيران ومساحة إيران الشاسعة أيضا وكلتاهما تجعلان الوصول والقصف أمرا عسيرا ومكلفا ومستنزفا، يضاف إلى ذلك أن عدد الطائرات الإسرائيلية - القادرة على تنفيذ هجوم أرضي محدود وفي نفس الوقت تجاوز منظومة الدفاع الجوي الإيرانية ومسافة الطيران الكبيرة - جيد ويتجاوز 100 طائرة هجومية، لكن ليس على مدى حملة جوية مستمرة لفترة طويلة، خصوصا في ظل استهداف إيران للمطارات العسكرية الإسرائيلية مثل نيفاتيم وغيرها، والأهم هنا أن بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن لا نصف ولا حتى ربع المواقع النووية تضررت، بل إن خلاصة الهجوم الإسرائيلي هو اتلاف عدد كبير من أجهزة الطرد في منشأة نطنز، في حين أن منشأة نطنز نفسها ومعها منشآت فوردو وبوشهر وبارشيان لم تتعرض إلى أضرار، بل من الصعب تدميرها لناحية بنائها الصعب والعميق.
ثانيا/ التعويل الإسرائيلي على تأثير الاغتيالات في إرباك منظومة القيادة والسيطرة الإيرانية مبالغ به، حيث تم تعويض مَن اغتيلوا بشكل سريع وحقق بدلاؤهم نجاحات، وأما فرق التخريب من العملاء فهم في وضع صعب، بعد الاعتقالات الواسعة ومطاردة الاطلاعات واستخبارات الحرس والباسيج لهم، وقد بلغ بهم الوهن اختلاق حرائق في النفايات لتحقيق أي حدث إعلامي، وباتت عمليات إطلاق المسيرات من داخل إيران أو من حدودها نادرة في اليومين الأخيرين، وبحسب المعلومات المسربة فإن اعترافات من تم إلقاء القبض عليهم ستُطيح بشبكات عملاء هائلة، ليس في داخل إيران فقط وإنما في العراق وأذربيجان أيضا.
وعلى ضوء ما تقدم فإن الهجمات الجوية الإسرائيلية مؤذية لكنها غير مدمرة، وباتت تل أبيب عمياء عن الأهداف المهمة في إيران، حيث بلغ بها الأمر أن تستهدف قناة تلفزيونية لا تقدم ولا تؤخر عسكريا، وهذا دليل على انقطاعها عن مصادرها الاستخبارية ممن تم اعتقالهم أو في انتظار ذلك.
كل هذا يدفع إسرائيل إلى توسل الولايات المتحدة كي تتدخل، ويدفع ترمب أيضا إلى الغضب والتهور إعلاميا، فهو لا يريد حالة اللا حرب واللا سلم أبدا، وتل أبيب كذلك تكره الاستنزاف، وحتى تستكمل طهران استعادة ردعها ربما نحتاج إلى سنوات، بالضبط كما حدث مع مصر في حرب الاستنزاف وصولا إلى حرب 73 أو مع إيران نفسها في الحرب العراقية الإيرانية.
#شبكة_انفو_بلس