الإحصاء والتجهيل السكاني
لعل أصحاب (منشورات الطشه)، الذين يجهلون أهمية الإحصاء والتعداد السكاني في عملية التنمية وبناء البلاد، لا يعلمون أن الإحصاء والتعداد السكاني لا يرتبط بالخيارات السياسية للمواطنين، كونها خيارات متحركة تتغير مع المواسم الانتخابية وتتقلب مع تغير التيارات الحزب
كتب / سلام عادل
وفق توصيات الأمم المتحدة ينبغي أن يجرى الإحصاء السكاني كل 10 سنوات، وهو ما تم اعتماده في العراق خلال 104 أعوام من عمر الدولة العراقية الحديثة، بحصيلة بلغت نحو تسعة إحصاءات، آخرها كان عام 1997، ولم يكن شاملاً بسبب انعزال المحافظات الشمالية الثلاث عن سلطة بغداد، وبالتالي بقي الهيكل الإداري في الدولة من دون بيانات منذ 37 سنة اعتماداً على إحصاء سنة 1987.
وكان أول إحصاء في العراق سنة 1920، والذي تم على يد سلطة الاحتلال البريطاني، ثم تبعه تعداد عام 1927، والذي أُلغيت نتائجه لكثرة الأخطاء التي رافقت العملية، ثم تعداد عام 1934، الذي أُجري لغرض الانتخابات، ثم تعداد عام 1947، ومن بعده آخر تعداد في العهد الملكي عام 1957، لندخل في أول تعداد في العهد الجمهوري عام 1965، ثم تعداد 1977 و1987 وآخرها عام 1997.
والملاحظ أن حكومات العراق الجديد فشلت بإقامة تعداد عام 2007 وعام 2009، وحتى عام 2017، وذلك بسبب الأزمات السياسية والأمنية المتوالية، على الرغم من قرار المحكمة الاتحادية رقم (73) الصادر عام 2010 الخاص بالتعداد العام للسكان، الذي صدر ليفصل بين الإحصاء السكاني الوارد في المادة 140 وبين التعداد السكاني المقرر إجراؤه في العراق.
ويعود تاريخ الإحصاء السكاني عالمياً إلى العهد اليوناني والعهد الفرعوني، وكذلك الحضارتين الصينية والهندية القديمتين، وجرى تنفيذ الإحصاء في العالم الإسلامي أول مرة خلال العهد الأموي إبان حقبة الخليفة عمر بن عبد العزيز، باعتبار أن الإحصاء وسيلة تساعد في اتخاذ القرارات لما يقدمه من بيانات ومعلومات تخدم مسار الإدارة الرشيدة.
ومع ذلك ظل الجدل يلاحق محاولات التعداد في العراق خلال الـ21 سنة الماضية، آخرها بعض الطروحات الفنتازية، التي تتحدث عن (خرق أمني)، يتمثل بتسريب بيانات المواطنين، أو طرح آخر يتحدث عن التلاعب الديموغرافي في ظل عدم تضمين تعداد سنة 2024 أسئلة القومية والمذهب، وهي جميعها افتراضات وفرضيات يدحرجها البعض من على منصات السوشيال ميديا دون علمية ودراية، يضاف لها فوبيا من هذا النوع أو ذاك.
ولعل أصحاب (منشورات الطشه)، الذين يجهلون أهمية الإحصاء والتعداد السكاني في عملية التنمية وبناء البلاد، لا يعلمون أن الإحصاء والتعداد السكاني لا يرتبط بالخيارات السياسية للمواطنين، كونها خيارات متحركة تتغير مع المواسم الانتخابية وتتقلب مع تغير التيارات الحزبية والأيدولوجيات، بغض النظر عن النوع الديموغرافي، فالشيعة الذين كان يُقدر عددهم قرابة مليون ونصف فرد، بحسب تعداد 1920، مقابل مليون سُني آنذاك، لا يزالون هم الأكثرية رغم تغير الأنظمة والحكومات.
ومن هنا ينبغي عدم (تجهيل السكان) ببعض الخزعبلات لغرض إعاقة الإحصاء، أو تحريف الفائدة منه، سيما وأن الدولة العراقية ابتداءً من عام 1963 أُدخلت مادة (الإحصاء) كقسم دراسي أساسي في الدراسة الجامعية، منذ أن كانت كلية الإدارة والاقتصاد يطلق عليها اسم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهو تخصُّص بات اليوم يُدرَّس في كافة جامعات البلاد ويتخرج منه سنوياً عشرات الطلبة، الذين يتطلب منهم تغذية الحكومة بالأرقام والتحليلات الإحصائية.
ولذا ينبغي التفاعل والتجاوب مع الفرق الإحصائية، التي ستنتشر في عموم المحافظات خلال هذا الأسبوع، لغرض القيام بالإحصاء الشامل، الذي تأخر أربعة عقود، والذي بموجبه سيتم رسم مسار السنوات العشر القادمة.
#شبكة_انفو_بلس