الشيعة وعلم الببليوغرافيا

يجمع الدارسون والباحثون أنه لا يوجد تعريف واحد للببليوغرافيا ولكن على العموم يمكن أن نشير إلى ما يذكره أغلب الدارسين وهو أن الببليوغرافيا كلمة يونانية الأصل كانت تدل على نسخ المخطوطات أو الكتب عموماً، ثم أصبحت تدل على حصر الكتب ووصفها ووضع قوائم لها، وبهذا فهي قد "انتقلت من كتابة الكتب إلى الكتابة عن الكتب". وهناك من يسميها بالمرجعية أو البحث المرجعي، وهو يعني" إعداد سجل علمي للإنتاج الفكري المكتوب سواء كان مخطوطا أو مطبوعا".

لقد ارتبط ظهور الببليوغرافيا بظهور الكتب فهناك من يرى أنها ظهرت مع الآشوريين والبابليين والبطالسة واليونان فهناك عمل ببليوغرافي مهم قام به الشاعر اليوناني كاليماخوس Callimacus  حين كان قيّماً على خزانة الإسكندرية الشهيرة في أواسط القرن الثالث للميلاد، وقد عرف العرب الببليوغرافيا باسم الفهرست الفارسية ودلّت على قوائم كتب مكتبة أو خزانة كفهرسة بيت الحكمة في بغداد، وفهرسة مكتبة الحكم المستنصر في قرطبة. كما دلت كلمت الفهرست عند العرب على الببليوغرافيا بالمعنى الحديث، وهذا ما نجده عند ابن النديم وابن خير الإشبيلي وفهرست مؤلفات الجاحظ. أما أشهر الأعمال الببليوغرافية عند العرب فهي حسب أحمد شوقي فهرست ابن النديم، وإرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد لابن إبراهيم الأكفاني، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كوبري زاده، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة، وقد عرف الشيعة الإمامية هذا العلم مع كتاب الفهرست لشيخ الطائفة الطوسي الإمامي، ويجب أن لا يتبادر إلى الذهن أنّ تدوين الفهارس لدى الشيعة قد بدأ مع فهرس الشيخ الطوسي، فهناك آراء تؤكّد أنّ خدمات الشيعة في هذا المجال قد سبقت ذلك، لكنّنا نريد القول بأنّ ذلك الفهرس بالإضافة إلى فهرسي منتجب الدين وابن شهرآشوب هي من أهم المراجع الفهرسية الشيعية حيث تشتمل على معظم المعلومات الخاصة بالشيعة حتى نهاية القرن السادس الهجري، وفي أيامنا هذه لا يمكن لباحث أن يستغني عن الموسوعة الجليلة للشيخ الطهراني رحمه الله والتي حملت عنوان الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

أنواع الببليوغرافيا:

اختلف الباحثون في تقسيم الببليوغرافية حسب الأساس الذي يعتمدونه لهذا التقسيم كالزمان والمكان وطبيعة الإعداد والإنجاز وحدود الاشتغال، وعموما يمكن تقسيم الببليوغرافية إلى:

• ببليوغرافية نسقية: وهي التي تسعى "لإعداد القوائم وحصر النتاج الفكري وضبطه" وتركز على الجانب الفكري في الكتاب، ومن الأنواع التي تدخل في هذه الببليوغرافية:

• الببليوغرافيات العامة ومنها العالمية أوالدولية واللغوية والقومية والإقليمية.

• الببليوغرافيات الخاصة وهي التي تختص بموضوع معين أو بمؤلِف معين أو زمان أو مكان محددين.

• ببليوغرافية تحليلية: وهي التي تركز على دراسة الجانب المادي من الكتاب فتصفه وصفا دقيقا يشمل كل مكوناته كالغلاف والتجليد والخط والحبر والورق. كما أنها تقارن نسخه إذا كان مخطوطا و طبعاته إذا كان مطبوعا.

وقد قسم بعض الباحثين الببليوغرافيا ليس على أساس نتيجتها بل على أساس صيرورة إنجازها فكان تقسيمهم انعكاسا لطريقة إعداد الببليوغرافيات حيث يمثل كل نوع مرحلة من مراحل الإعداد الببليوغرافي:

أ- ببليوغرافيا سردية: وهي التي تسرد المؤلفات الخاصة بالدراسة وفق ترتيب معين، مع ذكر بعض المعلومات الببليوغرافية كالعنوان والمؤلِف والناشر والطبعة والسنة والمحقق وعدد الأجزاء.

ب- ببليوغرافيا وصفية: تتطرق هذه الببليوغرافيا إلى وصف الكتاب شكلا ومضمونا من خلال التركيز على أبوابه وفصوله.

ج- ببليوغرافيا تحليلية (موضوعية): وهي تختلف عن تلك التي ذكرنا سابقا والتي تهتم بالجانب المادي للكتاب. فهذه الببليوغرافيا يتم فيها الغوص في مضامين الكتاب من خلال تلخيص ما جاء في كل باب أو فصل من فصوله وأبوابه بشكل موجز.

د- ببليوغرافيا نقدية تقويمية: وهي التي نقدم من خلالها "تقويما إجماليا للكتاب بذكر مزاياه ونقائصه" وذلك على مستوى المضمون والشكل إن أمكن.

يسجل هذا العلم اليوم منجزاً مهماً آخر على مستوى العالم الإسلامي فقد رُفع الستار عن أثر مهم في عالم الفهارس الإمامية، وهو نتاج 60 عاماً من الجهد البحثي العظيم ومن متخصص يُعد خاتمة المفهرسين الإمامية، إنه العلامة السيد أحمد الإشكوري دام ظله مع موسوعته الببليوغرافية مصنفات الإمامية، و التي عرّفت بنحو (١٤٠٠٠) كتابًا إماميًّا، في حفل بهيج حضره العلماء والأساتذة الباحثين، قال المؤلف: "أنا لا أعتبر نفسي مؤلفاً ناجحاً".