عن ديمقراطية الشيعة ودكتاتورية السُنة

يتميز أبناء الطائفة الشيعية بنزعة التعايش مع المذاهب والأديان والقوميات الأخرى، ويميلون إلى التشارك والشراكة مع الآخرين، على عكس النظرة المتعالية لدى أبناء الطائفة السُنية ذات النزعة الاستحواذية
كتب / سلام عادل
لا توجد دولة سُنية عربية واحدة تتبنى الديمقراطية، ولا حتى الدول السُنية غير العربية، مما يجعل الثابت في الأنظمة السُنية سيادة الديكتاتورية، التي لا يتم فيها استبدال الحاكم إلا من خلال الانقلابات أو الثورات أو التدخلات الخارجية، وغالباً ما يتم استبدال دكتاتور بدكتاتور آخر، وهذا يجري في الأنظمة الجمهورية عموماً، أما الأنظمة الملكية، فهي ملك وراثي يتيح قدراً بسيطاً من التداول داخل السلطة التنفيذية وفق مقاسات وشروط واشتراطات وأمزجة العوائل الحاكمة.
ولهذا حين حصل التغيير في العراق سنة 2003 بسقوط دكتاتورية صدام العربي السُني، دخلت الدول السُنية المحيطة بالعراق في حالة إنذار وترقب وقلق، خشية شيوع الديمقراطية في المنطقة، وكانت حوارات النخبة في تلك الفترة تتركز على إمكانية حصول ذلك، حتى حين جاء الربيع العربي، الذي طال ست دول عربية، فسر المفسرون خلفيات ما حصل بدوافع ترتبط بالمتغيرات العراقية وفق قاعدة تساقط أحجار الدومينو.
وبطبيعة الحال لم تقدم متغيرات الربيع العربي، التي أسقطت الحكام العرب السُنة الواحد تلو الآخر، إلى تغيير المسار الدكتاتوري، ولعل مردود ذلك يرتبط بالبنية الثقافية للمجتمعات العربية السُنية، التي ترفع طاعة الحاكم إلى درجة مقدسة، باعتبار ان طاعة الحاكم جزء من الدين تطبيقاً لقوله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، من دون اعتبار لطبيعة ونوعية وسلوك هذا الحاكم مادام ممسكاً بالسلط، وهذه الآية محل اختلاف في التفسير والمقصد بين الشيعة والسُنة.
ومن هنا يظهر التفاوت بين المدرستين، حيث يسعى الشيعة إلى إسناد الحاكمية وليس طاعة الحاكم، ومع فرض جملة شروط واشتراطات على الحاكم تصل احياناً إلى المقارنة بالأئمة المعصومين، وهي مقارنة تعجيزية تجعل من أي حاكم شيعي تحت ضغط معايير اخلاقية وقيمية وسلوكية غير متوفرة إلا لدى إمام معصوم، فيما لا تضع المجتمعات السُنية اعتباراً لأخلاق الحاكم.
وفي كل الأحوال يتميز أبناء الطائفة الشيعية بنزعة التعايش مع المذاهب والأديان والقوميات الأخرى، ويميلون إلى التشارك والشراكة مع الآخرين، على عكس النظرة المتعالية لدى أبناء الطائفة السُنية ذات النزعة الاستحواذية، الأمر الذي يكشف عن حقيقة الفارق بين حكم الشيعة في العراق، وبين حكم السُنة في بقية الدول العربية، فالشيعة في العراق أعطوا للمكونات الأخرى تمثيلاً في السلطات الثلاث، فيما تم حرمان الشيعة من أي تمثيل في الأنظمة المحكومة من قبل السُنة، وهذا هو الفارق بين ديمقراطية الشيعة ودكتاتورية السُنة.