من المرجعية .. إشارة حمراء على (النأي بالنفس)

أتذكر في الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني / نوفمبر سنة 2017، وأنا كنت حينها مراسلاً صحافياً معتمداً لدى قصر الأليزيه في باريس، جرى لأول مرة تسويق مفهوم (النأي بالنفس)، على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون
كتب / سلام عادل
كان من اللافت للنظر كثيراً خطاب المرجعية الدينية في النجف، الذي قرأه الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال مراسم رفع الراية الحسينية مساء الخميس، من ناحية كون الخطاب يأتي بدرجة من الأهمية توازي البيان التاريخيّ للمرجع الأعلى السيد السيستاني في يونيو/ حزيران سنة 2014، عندما أعلن المرجع فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش، وبموجب هذه الفتوى تغيرت مسارات الأحداث على الصعيد الداخلي العراقي، وعموم المنطقة.
وقد وردت مفردة (المنطقة)، في خطاب رفع الراية، أكثر من مرة، وبتركيز واضح يربط ما جرى من أحداث خلال مواجهة الـ12 يوماً بالشأن العراقي المباشر، حيث ورد بالنص "الشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم في المنطقة عاجلاً أو آجلاً"، وهو ما يتطلب، بحسب المرجعية "إلى أن يتنبه العراقيون إلى ذلك، ويتسلحوا بالوعي والبصيرة، ويصلحوا أمورهم بعيداً عن المظاهر الخداعة".
ولعل الإشارة إلى "المظاهر الخداعة"، فضلاً عن توصيفات مشابهة في المعنى والمضمون، مثل "الشعارات المزيفة والخادعة والرنانة"، وهي جميعها مفردات تضمنها خطاب رفع الراية، في إطار التنبيه لموجات الخطاب الإعلامي المخادع، الذي يراد منه برمجة القرار السياسي على مسطرة إسرائيل والمجموعة الغربية الداعمة لها، والتي تستهدف عزل العراق بحجة تبني سياسة (الحياد)، أو (النأي بالنفس).
وأتذكر في الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني / نوفمبر سنة 2017، وأنا كنت حينها مراسلاً صحافياً معتمداً لدى قصر الاليزيه في باريس، جرى لأول مرة تسويق مفهوم (النأي بالنفس)، على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون، وذلك خلال مؤتمر صحفي بحضور رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري، على خلفية استقالته من المنصب حين كان في زيارة إلى الرياض، وقيل في حينها إنه تم إجباره على هذا القرار وفرض الإقامة الجبرية عليه داخل السعودية، وهي تصورات أدلت بها القوى السياسية في لبنان، فيما علقت إيران على الاستقالة بكونها طليعة مغامرة إسرائيلية أمريكية سعودية مرتقبة.
وفي ذلك المؤتمر الصحفي تساءل الصحافيون، وأنا منهم، عن معنى (النأي بالنفس)، التي سعت مجموعة الدعم الدولي من أجل لبنان إلى فرضه على بيروت، والذي اتضح أن الغرض منه عزل لبنان عن دعم سوريا خلال فترة الاضطرابات وظهور الجماعات الإرهابية، والتي دخل في مواجهتها حزب الله باعتقاد أن ما يحصل في سوريا فوضى عارمة ستستهدف جميع دول المنطقة على رأسها لبنان، وستقود إلى ضياع سوريا لصالح تمدد إسرائيل، وهو ما حصل لاحقاً حين نأت لبنان بنفسها وكذلك العراق.
ومن هنا نفهم ماذا يعني (النأي بالنفس)، داخل منطقتنا المهددة بخرائط التوسع الاسرائيلية المدعومة بالأطماع الغربية، في الوقت نفسه لا أحد يطالب المجموعة الغربية، من بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، بـ(النأي بالنفس)، وعدم دعم التوحش الاسرائيلي، الذي تجاوز كل الحدود والقوانين الدولية، بل صار يهدد السلم والأمن الإقليمي أكثر من أي حقبة زمنية سابقة.
وفي الختام .. يدعو بيان المرجعية من بأيديهم الأمور "أن يتقوا الله، ويحكموا ضمائرهم، وأن يراعوا في قراراتهم وتصرفاتهم مصلحة شعبهم وبلدهم والمنطقة كلها، لأن مصالح شعوبها مترابطة ومتشابكة"، وبالتالي لا ينبغي الانخداع بالشعارات الرنانة والمزيفة، التي تريد منهم (النأي بالنفس)، حتى لا يتم ابتلاعهم كما جرى ابتلاع غيرهم، فالأوضاع في المنطقة "بالغة الخطورة، والشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم فيها عاجلاً أو آجلا".
#شبكة_انفو_بلس