الغاز المصاحب في العراق.. خُطط مستقبلية "واعدة" تمتد لـ 4 سنوات: ستعود بالنفع الكبير
انفوبلس/ تقرير
يواصل العراق خُططه الرامية إلى استغلال الغاز المصاحب للعمليات النفطية في غالبية حقول النفط، وفي مقدمتها حقل الزبير النفطي، حيث نجحت وزارة النفط في رفع معدل الكميات المستثمرة من الحقل إلى 147 مليون قدم مكعب يومياً.
العراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم وهو ثاني أكثر دولة بعد روسيا تُحرق الغاز المصاحب، كما يعالج العراق حاليا 1.5 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز المصاحب، أي نصف الكميات التي تنبعث يوميا من هذه المادة.
ووفقا لتقديرات رسمية سابقة، فإن العراق يحرق أكثر من 18 مليار متر مكعب من الغاز في العام الواحد، مما يضيع على البلاد فرصة استثماره، في توليد الكهرباء أو تصدير الفائض منه.
وتفيد التقديرات الأولية لوزارة النفط، بأن العراق يمتلك احتياطياً يقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب من الغاز، حيث إن نحو 70% من الغاز العراقي هو غاز مصاحب لاستخراج النفط لمعالجته، ويحلّ العراق في المرتبة الـ 11 بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي الذي ينقسم إلى غاز مصاحب وحُر.
ويهدف العراق إلى التوقف عن الحرق الروتيني للغاز واستثماره بتوليد الكهرباء، خاصة بعد توقيع الحكومة المبادرة الأممية "مرحلة الصفر في الحرق الروتيني للغاز المصاحب لإنتاج النفط".
*استثمار الغاز المصاحب
أكد مدير عام شركة غاز الجنوب، حمزة عبد الباقي، حرص الوزارة على الاستثمار الأمثل للغاز المصاحب من الحقول النفطية المنتجة، والعمل على استثمار جميع الكميات المتاحة. وقال عبد الباقي، في بيان، إن "اجتماع الإدارة المشتركة مع شركة غاز البصرة كان قد قرر رفع معدل الكميات المستثمرة في حقل الزبير النفطي من 35 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى 147 مليون قدم مكعبة يوميًا".
وأشار إلى أن "المشروع تضمّن زيادة عدد كابسات محطة حمار مشرف في حقل الزبير إلى 11 كابسة بإضافة 5 كابسات جديدة، وهو ما عمل على رفع سعة الضاغط من 35 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى 147 مليون قدم مكعبة يوميًا".
يُعد مشروع استغلال الغاز المصاحب في حقل الزبير النفطي بداية جيدة لعملية أوسع نطاقًا لاستغلال الغاز المصاحب واستخدامه لأغراض تعود بالنفع على العراق، بدلًا من مجرد حرقه من خلال حرق آبار النفط.
*غاز البصرة
حقق مشروع استغلال الغاز المصاحب، الذي تنفذه شركة غاز البصرة بمساعدة شركة شلّ، تقدمًا مهمًا خلال السنوات الماضية، علما أن شركة غاز البصرة تستثمر الغاز المصاحب من 4 حقول نفطية في محافظة البصرة.
ويتمثل الهدف الرئيسي بوصفه مرحلة أولى من هذا المشروع، بتمكين العراق من زيادة استقلاليته في جانب الطاقة وتحقيق تنوع اقتصادي من خلال جمع الغاز المصاحب وتصنيعه، الذي يُحرَق حاليًا في حقول الرميلة وغرب القرنة 1 والزبير.
ووصل إنتاج الشركة من الغاز، خلال المدة بين 2019 و2020، لذروته بتحقيق 1035 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا، وهو ما يكفي لتوليد 3.5 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.
وتعد شركة غاز البصرة مسؤولة حاليًا عن توفير 70% من احتياج العراق من الغاز السائل.
*إنتاج الغاز في العراق
ينتج العراق الغاز حاليًا عبر شركات غاز الشمال والبصرة والجنوب، وهناك خطط لوقف حرق الغاز في الحقول النفطية واستثماره.
*العراق يضع خطة لأربع سنوات لوقف حرق الغاز المصاحب للنفط
وأكد وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، في تصريحات سابقة، أن العراق وضع خطة لاستثمار الغاز ومنع حرقه نهائيًا خلال 4 سنوات"، لافتا إلى أنه "ستكون هناك نتائج ملموسة خلال السنة الأولى من عمر الحكومة، خصوصًا في بعض الحقول الجنوبية".
وأوضح وزير النفط، "أهمية مشروع استثمار الغاز من حقلي الناصرية والغراف اللذين يقعان ضمن اهتمام الحكومة وأولوياتها لإضافة أكثر من 200 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى الإنتاج الوطني من الغاز".
من جانبه، قال مدير عام الدائرة الفنية لوزارة النفط، علي وارد حمود، في تصريحات سابقة، إن "أعمال استثمار الغاز المصاحب قيد التشييد تتضمن مشروعات حقول ميسان والحلفاية بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 مليون قدم مكعبة يوميًا، إضافة إلى حقول الناصرية بطاقة 200 مليون قدم مكعبة يوميًا".
وأضاف، إن حقل الحلفاية سيبدأ بإنتاج الغاز في العام الجاري (2023) وسيوفر كميات لمحطات توليد الطاقة الكهربائية"، لافتًا إلى أن "الكميات الكلية المنتجة حاليًا في العراق لا تزيد على 2800 مليون قدم مكعب، وهي لا تكفي لتلبية الحاجة المحلية التي تعمل وزارة الكهرباء للوصول إليها والمقدرة بـ 35 ألف ميغاواط".
*دور عادل عبد المهدي في مجال استثمار الغاز
أعلن العراق يوم الأحد في 20 آذار/ مارس من عام 2016 (عندما كان عادل عبد المهدي وزيراً للنفط) عن تصديره الشحنة الأولى من مكثّفات الغاز، من ميناء خور الزبير في جنوب البلاد إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربيّة المتّحدة، وذلك للمرّة الأولى في تاريخه.
ونقل عن وكيل وزارة النفط العراقيّة لشؤون الغاز حامد الزوبعي قوله خلال مؤتمر صحفي أمام وسائل إعلام عراقية يوم 20 آذار/مارس 2016، إنّ "شركة غاز البصرة نجحت في تصدير الشحنة الأولى من مكثّفات الغاز بواسطة ناقلة بنميّة تُدعى "كورا أي"، وأنّ "الشركة العراقيّة لتسويق النفط "سومو" قامت بتنظيم إجراءات تصدير الشحنة البالغ حجمها 10 آلاف متر مكعّب، ومن المتوقّع تصدير شحنة ثانية من المادة نفسها بعد فترة وجيزة".
وأضاف الزوبعي، إنّ "عمليّات تصدير مكثّفات الغاز سوف تتواصل، نظراً إلى تحقيق فائض عن الحاجة المحلية، كما تسعى الوزارة إلى تصدير أنواع أخرى من نواتج معالجة الغاز المصاحب"، منوّهاً بأنّ "تصدير مادة "الكوندنسيت" يفتح الباب أمام الدولة لتحقيق المزيد من الإيرادات الماليّة، إذ إنّ سعر الطنّ الواحد منها في الأسواق العالميّة هو في حدود الـ 350 دولاراً".
وكما قال وزير النفط عادل عبد المهدي آنذاك في مقال نشره موقع وزارة النفط في 15/03/2016، فإنّ "الشركات لم تلزم في جولة التراخيص الأولى باستخلاص الغاز المصاحب، لكن بدءاً من جولات التراخيص الثانية أُدرجت موادّ تلزم المتعاقدين باستخلاص الغاز".
ويضيف عبد المهدي، إنّ "نسبة استثمار الغاز الطبيعي المصاحب وصلت في عام 2015 إلى 50% من الكميّات المنتجة البالغة 3000 مليون قدم مكعّب يوميّاً". مشدّداً على أنّ "إنتاج الغاز الحرّ ارتفع من 600 مليار قدم مكعّب يوميّاً في عامي 2013 و2014 كحد أعلى، إلى 1100 مليار قدم مكعّب يوميّاً كحدّ أعلى في الأشهر الأخيرة، كما ارتفع إنتاج الغاز السائل للفترة نفسها من 4300 طنّ في اليوم كحدّ أعلى إلى 5000 طنّ في اليوم في الأشهر الأخيرة".
ويعدّ مشروع غاز البصرة الذي أطلقته الحكومة العراقيّة بالشراكة مع "شل" الهولنديّة و"ميتسوبيشي" اليابانيّة في عام 2011، والذي بدأ أعماله الفعليّة في عام 2013، أكبر مشروعات استخلاص الغاز المصاحب ومعالجته حول العالم، ويمثّل ركيزة أساسيّة في جهود العراق لاستغلال موارد الغاز في شكل أكثر كفاءة.
وقد منح البنك الدوليّ الذي يُدير مبادرة شراكة عالميّة لتقليل الكميّات المحروقة من الغاز في تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، جائزة التميّز التقديريّة إلى شركة غاز البصرة على جهودها في تقليص كميّات الغاز المحروق من الحقول التي تديرها، قبل أن يقوم مجدّداً بمنح جائرة أخرى إلى وزارة النفط العراقيّة على جهودها في المجال نفسه في آذار/ مارس من العام 2016، في خطوة تشير إلى تقدّم البرنامج العراقيّ لإصلاح قطاع الغاز.
*إيجابيات استثمار الغاز المصاحب
حدّد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي إيجابيات استثمار الغاز المصاحِب لاستخراج النفط العراقي. وقال العوادي: "منذ اكتشاف النفط في البلاد والغاز يُحرق هدرا دون استثماره"، مشيرا إلى أن "العراق يستورد غازاً سنوياً بمبلغ يُقدر بـ 5 مليارات دولار، ويُهدر ويُحرق الغاز بمعدل من 8 - 10 مليارات دولار"، لافتا إلى أن "رؤية الدولة تتجه نحو استثمار الغاز المهدور مستقبلا".
وأوضح: "إن جولة التراخيص الأخيرة التي وقِّعت بين وزارة النفط وعدد من الشركات برعاية رئيس الوزراء، مهمة جدا لاستثمار الغاز، حيث أعطت الشركات وعودا بأن تقدم للعراق ربع ما يستورده خلال فترة 15 شهرا من تاريخ المباشرة بالتنفيذ"، لافتا إلى أنه بعد 3 سنوات تغطي الشركات حاجة العراق من الغاز، ويكون مكتفيا ذاتيا".
وأشار إلى أن "المجتمع الدولي يطالب العراق بإجراءات عملية للحد من التغيير المناخي، ومنها الغاز المحترق والمهدور، وبالتالي استثمار الغاز سيعود بالنفع الكبير للعراق، في كل المجالات، وسيصبح مصدرا للنفط والغاز وسيكون تأثيره أكبر في المنطقة والعالم جيوسياسيا، وسيتضاعف، وسيستثمر مبلغ استيراد الغاز من الدول الأخرى بالقطعات الداخلية كالتعليم والصحة، ويستجيب للمطالبات الدولية تجاه التغيير المناخي، على اعتبار أن حرق الغاز يُسهم في التأثير السلبي على المناخ".
وأكد، إن "الملف المناخي سيدخل في كل شيء مستقبلا بالتعاملات العالمية، وسيرتبط بالقروض العالمية، والعلاقات الدولية، مشيرا إلى "أن "العراق يقع ضمن أكثر 5 دول بالعالم تأثرا بالتغيير المناخي، وبالتالي توجه العراق نحو الطاقة النظيفة سيُسهم في الحد من التغير المناخي".
*إهمال الحكومات
وفي السياق ذاته، أكد الباحث الاقتصادي صالح لفتة، أن العراق يمتلك احتياطات غاز كبيرة، منها حقول الغاز الحُر والغاز المصاحب، و"هناك فرصة لأن يصبح من المنتجين والمصدّرين الكبار في العالم، لكن للأسف ما زال العراق يحرق مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي سنوياً، حارماً موازنة العراق من المليارات التي هي بحاجة ماسّة إليها لسدّ العجز السنوي فيها".
ورأى الباحث الاقتصادي، أن "إهمال الحكومات المتعاقبة هو السبب في تأخير تطوير صناعة الغاز". محمّلاً إياها "المسؤولية عن الثروات الطبيعية التي تُهدر، لأنها لم تولِ صناعة الغاز الاهتمام المطلوب وركزت على النفط لتضيع فرصة على العراق لأن يصبح من كبار مصدري الغاز في العالم، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، وعدم الاعتماد على دول الجوار".
ومع ذلك هناك فرصة للعراق يجب اقتناصها لتأسيس صناعة غاز تكفي حاجة العراق والتصدير لدول أخرى، بحسب لفتة، الذي أشار إلى أنه بعد حل العقبات التي يتوجب معالجتها للوصول إلى ذروة الإنتاج التي تمكنه من الحصول على مورد كبير للموازنة، ومنها حل الفقرات الخلافية بقانون النفط والغاز، وخصوصاً المشاكل مع إقليم كردستان العراق، وتوسيع الاستثمارات في صناعة واستخراج الغاز، وتحديث البنية التحتية لهذه الصناعة وتنويع منافذ التصدير، وإبعاد التدخل والمحسوبية بعقود الاستثمار، وجلب الشركات الرصينة القادرة على تطوير صناعة الغاز العراقي سريعاً.
ومنذ بدء إنتاج النفط في العالم، بدأت معه ممارسة حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام. وتحرق الشركات النفطية الغاز لأن ذلك أقل تكلفة من معالجته وبيعه، إلا أن هذا الغاز المحترق مصدر كبير لتلوث الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة.