ماذا تحقق بعد إيقاف المنصة؟ زيادة كبيرة بمبيعات الدولار والأزمة على حالها.. فجوة سعر الصرف 15%

انفوبلس..
نحو 3 أسابيع مرت على إلغاء منصة بيع العملة الأجنبية دون أي تغيير يذكر بسوق الدولار في البلاد، مع بقاء الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، فما فرقها عن نافذة البنك المركزي؟ ولماذا تمت شيطنة النافذة والسكوت على المنصة وبنوك المراسلة؟
الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي كتب على صفحته في "فيسبوك"، إنه "قبل المنصة كان البنك المركزي يبيع عبر نافذة العملة ما بين 40 إلى 50 مليار دولار سنوياً، وارتفعت في زمن المنصة إلى 81 مليار دولار عام 2024".
وأضاف، إنه "حاليا وفي ظل المصارف المراسلة يقترب الرقم من 300 مليون دولار يومياً"، مبينا إنه "قبل المنصة كان السعرَين للدولار الرسمي والموازي مقتربان كثيراً، وفي أثناء المنصة والمصارف المراسلة أصبحت الفجوة بينهما نحو 15%".
وتساءل، "أليس من المفترض أن الإصلاح المصرفي يقلص الفجوة ولا يوسعها؟".
تساؤل الخبير الاقتصادي والتفاتته في غاية الأهمية، حيث إن ما جرى هو نتيجة وخلاصة لحراك استمر عقدين ساهم فيه السياسيون والإعلاميون وغيرهم.
حيث ثبت في الأذهان أن نافذة بيع العملة هي الثقب الأسود في المال العام العراقي، وبحسب مراقبين فإن التجارب أصدق البراهين، ويرون أن المنصة كانت كارثة وبنوك المراسلة كانت فتقاً كبيراً للاقتصاد العراقي.
وتساءل المراقبون: من كان مخطئاً؟ ولماذا شيطنوا النافذة وسكتوا عن المنصة وبنوك المراسلة؟ من يتحكم بالرأي العام ويستعمله لصالحه في مجال الاقتصاد عموماً وأسعار الصرف خصوصاً؟
والمنصة الإلكترونية للتحويلات المالية، هي آلية تم اعتمادها لضمان تنظيم التحويلات النقدية الأجنبية والحد من التلاعب بأسعار الصرف. وتعمل على توثيق العمليات التجارية وتحويل الأموال من قبل المصارف والشركات المالية، مما يضمن رقابة أكثر فعالية على تدفقات العملة الصعبة داخل وخارج البلاد، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث تدهورت أسعار الصرف ووجدت فجوة كبيرة بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي ما سبّب إرباكاً كبيراً في السوق العراقي.
وأثارت زيادة مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار الأمريكي خلال الأسابيع القليلة الماضية، جملة من التساؤلات عن أسباب بيع الكميات "الهائلة" من العملة الصعبة يوميا، وذلك بالتزامن مع نقص في السيولة النقدية للدينار المحلي.
وكانت مبيعات المركزي العراقي من الدولار خلال الأسابيع الأولى من عام 2025 بمعدل نحو 300 مليون يوميا، بعدما كان في نهاية 2023، يجري تحويل 50 مليون دولار فقط، عندما فرض البنك الفيدرالي الأمريكي ضوابط مشددة على بيع الدولار بالعراق.
ورأى الخبير الاقتصادي العراقي، صالح الهماشي، أن "ارتفاع مبيعات البنك المركزي من الدولار الأمريكي تزامن مع إلغاء العمل بالمنصة الإلكترونية في مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، والبدء بالتعامل مع البنوك المراسلة (الوسيطة)".
وأوضح الهماشي، أن "البنوك المراسلة تحاول أن تضع لها خزيناً من الدولار حتى تسيّر أعمالها، بمعنى تستلم الدينار العراقي وتحول الدولار الأمريكي، فهي تتعامل مع أكثر من جهة خارجية في التبادل التجاري".
وفي مطلع عام 2023، أعلن العراق اعتماد منصة إلكترونية من أجل مراقبة حركة بيع الدولار وعمليات غسيل الأموال، وذلك بعد تحذيرات أطلقها البنك الفيدرالي الأمريكي، إضافة إلى معاقبة وزارة الخزانة العديد من المصارف المحلية لتورطها في أعمال مشبوهة.
وأشار الهماشي إلى "أربع جهات تسحب الدولار، الأولى هم مسؤولو الدولة، لأن عائلاتهم والتزاماتهم المالية في الخارج، بالتالي ملايين الدولارات تخرج من العراق شهريا، والجهة الثانية، هم المسافرون العراقيون الذين يُعطى لهم الدولار لأغراض، وإن كان بكميات بسيطة".
أما الجهة الثالثة فهي خاصة بـ"التبادل التجاري مع دول العالم، والرابعة فهي الاستهلاك الداخلي، لأن أغلب التعاملات التجارية التي تتعلق بشراء السيارات والعقارات والأدوات الكهربائية تجري بالدولار وليس بالدينار، وهذا أيضا يأخذ حصة من استهلاك العملة الصعبة والطلب عليها".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، إن "عودة البنك المركزي العراقي إلى تحويل وبيع مبالغ دولارية هائلة، وبنفس المستوى السابق قبل تطبيق الضوابط الفيدرالية، يعيد الشكوك بعودة التهريب وغسيل الأموال كما كان".
وأضاف الهاشمي، أن "هذا الارتفاع الهائل في الحوالات يؤكد أن هناك خطأ ما يتسبب في هدر أموال البترودولار العراقي من خلال هذه الحوالات الضخمة".
وتساءل الهاشمي، قائلا: "هل أرخت إدارة بايدن الحبل، وتركت عمليات التحويل تتم دون تطبيق مشدد للضوابط الفيدرالية كما في السابق لتوريط إدارة ترامب، أم أن شركات التدقيق الدولية ولاسيما K2 جرى اختراق عملياتها، ولم تعد قادرة على ضبط التهريب وغسيل الأموال؟".
وبخصوص نقص السيولة للدينار العراقي، قال الهماشي، إن "البنك المركزي العراقي لم يفصح حتى اليوم عن حجم الكتلة النقدية العراقية الخارجة عن السيطرة، لكنها تتراوح ما بين 80 إلى 90 ترليون دينار، هي أموال سائبة في السوق للتعاملات التجارية، ولا يستطيع المركزي تدويرها".
وتابع: "طبع البنك المركزي المزيد من العملة العراقية، ثم إنفاق وزارة المالية هذه الأموال للرواتب والمشاريع، بطريقة الذهاب بلا عودة، بمعنى أنها لا يمكن تدويرها، ولهذا السبب تقل السيولة بشكل مستمر".
الأمر الثاني، يضيف الهماشي، أن "المصارف العاملة في العراق، وهي 76 مصرفا ما بين حكومي وأهلي، كلها معطلة، كونها حتى هذه اللحظة لا توجد لديها رؤوس أموال، باستثناء ثمانية منها فقط، وهي البنوك المراسلة".
وبيّن الهماشي، أن "68 مصرفا من مجموع 76، ليس لديها رؤوس أموال ولا ودائع، إذ إن سعر الفائدة لا يزال منخفضا في العراق، والذي يصل إلى 7.5 بالمئة، لهذا يكتنز المواطن العراقي أمواله في البيت ولا يودعها، وهذا كله أثّر على السيولة النقدية".
وأكد الخبير الاقتصادي، "وجود خلل في السياسة المالية والنقدية في العراق، تحول دون إدارة الأموال والسيطرة على الكتلة النقدية وتدفقاتها من خلال إنفاقها وجنيها ثانية، إضافة إلى غياب آلية عمل المصارف، كل ذلك أدى إلى عجز في السيولة المالية بالبلد".
ونوه الهماشي إلى أن "وزارة المالية لا تزال تعتمد على خزينها المالي في صرف الرواتب وغيرها، وليس على إيراداتها، كونها لم تستطع حتى اللحظة تنويع الإيرادات، إضافة إلى أن الإنفاق عال بشكل أكبر من الإيرادات، لهذا يصبح عجزا في الكتلة النقدية".
وعلى الصعيد ذاته، قال صاحب إحدى شركات الصرافة في بغداد، أحمد الشمري، إن "البنك المركزي حث المصارف الأهلية على ضرورة سحب الأموال العراقية من المواطنين، حتى لو بقيت لمدة 12 ساعة فقط في خزينة المصرف".
وأكد الشمري، أن "البنك المركزي أكد للمصارف المحلية أنه سيعطي عملة للمصارف التي تأتي بالعملية المحلية من المواطنين على شكل ودائع، لذلك فإن اشتراط البنك على المواطنين الراغبين بشراء عقار قيمته 100 مليون دينار فأكثر كله يصب في هذا الجانب".
ولفت إلى أن "إيداع المبلغ المالي في عملية شراء العقار سيحرك خزائن هذه المصارف، بالتالي يكون لديها رؤوس أموال يمكن تدويرها على مدار السنة، وأن قرار البنك المركزي ربما جاء من أجل تشغيل المصارف هذه بعد إلغاء المنصة الإلكترونية وغياب المنفعة التي كانت تحققها منها".
وبسبب نقص السيولة في الدينار العراقي، قال عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب مصطفى سند، خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن "العراق يمر بأسوأ أزمة مالية، بسبب الديون الداخلية، لذلك فإن الحكومة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين بسبب نقص السيولة الحاد".
وبحسب بيانات البنك المركزي العراقي، فقد تقلص حجم الودائع في البنوك التجارية في العراق إلى أدنى مستوى في 22 شهرا، وذلك بعدما صلت إلى 123 تريليون دينار في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، مقابل 127.5 تريليون في الشهر الذي قبله.
كما تقلص حجم الودائع بمقدار 7 تريليونات دينار في ستة أشهر (من يونيو إلى نوفمبر 2024)، ما يعكس اتجاها مستمرا نحو تراجع مستويات الادخار في النظام المصرفي العراقي خلال الأشهر الأخيرة.