تطمينات حكومية ومخاوف اقتصادية.. ماذا يقول الواقع عن أزمة السيولة المالية في العراق؟

تأخر الرواتب فجر الجدل
تطمينات حكومية ومخاوف اقتصادية.. ماذا يقول الواقع عن أزمة السيولة المالية في العراق؟
انفوبلس/..
شهدت الأيام الماضية تصاعد الأحاديث عن وجود شحة في السيولة المالية في العراق، خصوصاً مع تأخر صرف مستحقات الموظفين والمتقاعدين عن شهر كانون الأول 2024. وعلى الرغم من التطمينات التي أطلقتها وزيرة المالية طيف سامي، إلا أن خبراء اقتصاديين حذروا من أن الوضع المالي لعام 2025 يختلف عن الأعوام السابقة، بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يشكل المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة.
في هذا السياق، أكد عدد من المتخصصين في الشأن المالي، ومستشار حكومي، أن لا خطر حقيقياً يهدد رواتب الموظفين والمتقاعدين، مشيرين إلى أن الأزمة ستؤثر على النفقات الاستثمارية بشكل رئيسي، ما يعني توقف المشاريع وتقليل فرص العمل.
*تطمينات حكومية أم أزمة حقيقية؟
الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني قال، إن “الأحاديث عن وجود أزمة مالية غير صحيحة ولها أهداف أخرى، وتُطرح في الشارع لبث الهلع، خاصة أنها تتعلق بالرواتب، وهي قوت الناس ومحركهم الأساسي”.
وأضاف المشهداني: “عام 2025، مهما يكون فيه مستوى الشح، لن يكون أشد قسوة من عام 2020 إبّان جائحة كورونا وتوقف تصدير النفط، حيث لجأت الحكومة آنذاك إلى الاقتراض وتمكنت من تجاوز الأزمة. أما اليوم، فالأمر مختلف، لأن النفط لم ينقطع ولم تهبط أسعاره إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل”.
وأوضح المشهداني، أن “الإيرادات النفطية الشهرية للعراق تصل إلى نحو 7 مليارات دولار (ما يعادل 10.5 تريليون دينار عراقي)، وهذه الإيرادات تغطي الرواتب التي تصل إلى نحو 7.5 تريليون دينار شهرياً، ما يعني أن الحديث عن شحة السيولة المتعلقة بالرواتب غير مقنع”.
وأشار إلى أن “الشح الحالي يتعلق بالمشاريع الاستثمارية، حيث تظهر حسابات وزارة المالية حتى نهاية شهر تشرين الأول الماضي أنها صرفت نحو 100 مليون دولار فقط على المشاريع الاستثمارية من أصل 7 مليارات دولار تم تخصيصها للنفقات التشغيلية. وهذا يعكس تخوف الحكومة من استغلال المال العام في الحملات الانتخابية المقبلة”.
*تطمينات وزيرة المالية والمخاوف الكردية
خلال الأيام الأولى من شهر كانون الثاني 2025، شكا عدد من الموظفين والمتقاعدين من تأخر صرف مستحقاتهم المالية، فيما تداولت أنباء عن نقص في السيولة النقدية لدى المصارف العراقية. لكن الحكومة سارعت إلى نفي هذه الأنباء، مؤكدة أنها لا تواجه أي إشكال في تأمين الرواتب.
وكان العراق قد رفع ميزانيته في عام 2024، بعد تسجيل إنفاق قياسي خلال عام 2023، شمل تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد، إلى جانب إطلاق مشاريع لتحديث البنية التحتية. ومع ذلك، حذرت جهات اقتصادية من أن الوضع المالي في عام 2025 سيكون أكثر تعقيداً، مع تراجع أسعار النفط عالمياً.
في هذا السياق، أشار خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني إلى أن “الوضع المالي لعام 2025 تغير مقارنة بالعام الماضي، إذ بقي النفط مسيطراً على الإيرادات، لكن الأسعار كانت في 2024 أعلى من السعر المقدر في الموازنة والبالغ 70 دولاراً للبرميل، مما ساعد الدولة على تقليص العجز”.
وأضاف شيرواني: “في الأشهر الأخيرة، شهدت أسعار النفط انخفاضاً ملحوظاً، وكل دولار ينخفض عن مستوى 70 دولاراً للبرميل يعني خسارة العراق نحو 1.2 مليار دولار سنوياً، مما يضاعف العجز الموجود بالفعل في الموازنة”.
ورغم ذلك، أكدت وزارة المالية في بيان لها الأسبوع الماضي أن “رواتب المتقاعدين والرعاية الاجتماعية مؤمنة بالكامل، ولا توجد أي شحة في السيولة المالية التي تغطي الرواتب”، مشيرة إلى أن ما يُشاع عن أزمة سيولة ليس سوى تكهنات لا أساس لها من الصحة.
*تناقض التصريحات الحكومية
لكن شيرواني كشف عن تناقض في تصريحات الحكومة، قائلاً إن “وزيرة المالية طيف سامي أكدت أن الرواتب مؤمَّنة بالكامل لعام 2025، لكنها في الوقت ذاته أخبرت وفد إقليم كردستان الذي طالب بإطلاق الدفعات المتبقية من رواتب موظفي الإقليم لعام 2024، أن هناك أزمة سيولة وتحتاج إلى بعض الوقت لإرسال المستحقات”.
وأشار إلى أن “هذا التناقض يعكس وجود مشكلة حقيقية في السيولة النقدية، لكنها لن تؤثر على النفقات التشغيلية مثل الرواتب، بل ستنعكس على النفقات الاستثمارية التي تشكل نحو 25% من الموازنة العامة”.
*استضافة وزيرة المالية في البرلمان
من جانبه، كشف عضو اللجنة المالية في البرلمان، مصطفى الكرعاوي، عن وجود أزمة مالية حقيقية تواجه البلاد.
وقال الكرعاوي: “خلال استضافتنا لوزيرة المالية، تبين لنا وجود أزمة مالية، لكنها لن تؤثر على تمويل رواتب الموظفين، بل قد تؤدي إلى تأخير صرفها”.
وأكد، أن “اللجنة المالية البرلمانية ناقشت مع وزيرة المالية طريقة توطين وإطلاق رواتب الموظفين في إقليم كردستان، وأسباب تأخر إطلاق التخصيصات المالية وتمويل المشاريع”.
*تحذيرات من مخاطر أكبر
بدوره، قال الباحث في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، إن “الدولة العراقية قادرة على تأمين الرواتب حتى لو وصل سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً، لكنها ستواجه صعوبة في تأمين كامل النفقات الاستثمارية ما لم تتجاوز أسعار النفط حاجز الـ100 دولار”.
وأضاف حنتوش: “لا خطر حقيقياً على المرتبات ما دامت أموال بيع النفط مستمرة، ففي ظروف أصعب تمكنت الدولة من تأمين الرواتب من خلال الاقتراض الداخلي”.
ورغم التطمينات الحكومية، إلا أن هناك مخاوف من تأثير انخفاض أسعار النفط على النفقات الاستثمارية في العراق، وهو ما قد يؤدي إلى توقف المشاريع وتقليل فرص العمل. وبينما تؤكد وزارة المالية أن الرواتب مؤمنة بالكامل، فإن تناقض التصريحات الرسمية يثير القلق بشأن الوضع المالي في عام 2025.