حساب الخزينة الموحّد والنظام الرقمي.. هل يحلّان مشكلات العراق المالية ويحدّان من الفساد؟
إنفو بلس/..
ما زال العراق يعتمد الترتيبات المصرفية الحكومية على نحو مجزّأ، وهذا الأمر لا يُمَكّن الرقابة الفعّالة للإدارة المالية من تحقيق أهدافها في ضبط المال العام، لكن في حال الاعتماد على "حساب الخزينة الموحّد" سيكون أداةً أساسية لتوحيد وإدارة الموارد النقدية للحكومة.
في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بتاريخ 1 تشرين الثاني 2022، وجّه رئيس المجلس محمد شياع السوداني، بإنشاء حساب "الخزينة الموحّد" لضبط أموال الدولة ومنع تسرّبها وهدرها.
أعقب ذلك، في 24 كانون الثاني 2023، اجتماع لوزير المالية طيف سامي مع أعضاء اللجنة التوجيهية الخاصة بتنفيذ مشروع نظام الإدارة المالية العامة IFMIS، بحضور وكيل الوزارة وعدد من المديرين العامين للدوائر المعنية بالمشروع.
وذكرت الوزارة (آنذاك)، في بيان، أن الاجتماع ناقش المُخرجات المصادَق عليها خلال الفترة السابقة، واستعراض المراحل المقبلة لتنفيذ مشروع نظام الإدارة المالية العامة وفق التوقيتات الزمنية المحددة والكُلف المرصودة، فضلا عن بحث مدى استجابة النظام مع باقي الأنظمة الفرعية مثل إعداد الميزانية الاتحادية وأنظمة المشتريات والمدفوعات والأصول الثابتة ونظام الرواتب ونظام الإيرادات والإدارة النقدية.
وتابع البيان، "إذ تتركز الفوائد الأساسية من نظام معلومات الإدارة المالية العامة من قدرته على تحسين التقارير المالية والإدارية وهيكل حسابات شامل للحكومة الاتحادية وتوحيد هيكل الحسابات لدى الهيئات المستقلة، إضافة إلى إصدار التقارير وفقاً للإحصائيات المالية الحكومية ووضع أُسس الحسابات اللامركزية في الوزارات الاتحادية، واعتماد نظام معلوماتي محاسبي مُعترَف به دولياً ونظام معلوماتي على أحدث مستوى دولي فنياً وعلمياً وتحسين عمليات المراقبة والتدقيق، فضلا عن تحسين إدارة الإيرادات والمصروفات والنقد والتدفقات النقدية والمصروفات وحسابات الرواتب ومتابعة حسابات تكاليف المشاريع".
وأشار إلى، أنه "تم خلال الاجتماع تقديم عرض تفصيلي حول تصميم وتنفيذ المراحل القادمة للمشروع، وعلاقته المباشرة بنظام حساب الخزينة الموحّد، على النحو الذي يلائم طبيعة النظام المالي والمحاسبي في العراق، فضلا عمّا يقدمه تطبيق النظام من مزايا الاستخدام الأمثل للموارد النقدية للدولة".
*الحد من الفساد
ويوم الخميس الماضي، ترأس السوداني، اجتماعاً للجنة توطين الرواتب وحساب الخزينة الموحّد، بحضور محافظ البنك المركزي العراقي ووزيرة المالية ومستشاري رئيس الوزراء، والمديرين العامين لمصارف الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة، وممثل ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
وناقش الاجتماع، بحسب البيان، "حساب الخزينة الموحّد وتوطين رواتب الموظفين في دوائر الدولة كافة، وتطبيق نظام الدفع الإلكتروني pos، والتداول بشأن التعاقد مع شركة استشارية عالمية، للنهوض بواقع المصارف المتلكئة".
وشدد على أن "نظام حساب الخزينة الموحّد سيُسهم في الحد من الفساد".
وشهد الاجتماع، وفق البيان، "التأكيد على أهمية حساب الحكومة الموحّد الذي يُتيح الاطلاع على الرصيد الفعلي اليومي للحكومة لتحديد نفقاتها، بدلاً من توزيعها على أكثر من حساب، كما أنه يتيح تصفية الحسابات وحذف المكررة منها".
*ما هو النظام الرقمي لإدارة المعلومات المالية؟
يُعرف نظام الإدارة المالية أيضاً باسم نظام المعلومات المالية وهو موجود لتحقيق هدف فريد من نوعه داخل النشاط التجاري، فهو مُتاح للوفاء بالالتزامات المالية للشركة نظراً لاستحقاق هذه الالتزامات، وهي تسعى إلى القيام بذلك مع استخدام أقل قدر ممكن من الموارد المالية في حدود بعض هامش الأمان المحدد سلفاً.
يقوم نظام الإدارة المالية بإنتاج بعض النواتج، بما في ذلك ميزانيات التشغيل والميزانيات، والتقارير المحاسبية، وتقارير رأس المال العامل، وتوقعات التدفقات النقدية، والتحليلات المستندة إلى اعتبارات مختلف السيناريوهات.
يمكن تحليل البيانات المالية نفسها بطرق مختلفة، بما في ذلك تقييم الاتجاه وتحليل النسب والنمذجة المالية. إن العمليات التوأمية للتخطيط المالي والتنبؤ، بدورها، يمكن تحقيقها من خلال الجمع بين نظام إدارة معلومات الموازنة ونظام دعم القرار، وبدلاً من ذلك، يمكن أن توجد جميعها في نفس النظام في حالة نظام IFMIS.
*ما هو حساب الخزينة الموحّد؟
أما حساب الخزينة الموحد فهو هيكل موحد للحسابات البنكية الحكومية كافة يضمن الاستخدام الامثل للموارد النقدية الحكومية، حيث يتم من خلاله جمع أرصدة الحسابات البنكية لإظهار صافي حركة الإيرادات والمصروفات وبالتالي ينعكس ذلك تلقائيا على حساب الخزينة الموحد، ويهدف المشروع إلى تسهيل عمليـة الرقابة المالية.
وبحسب دراسة عن إدارة التقييم السريع لحساب الخزينة الموحد نشرها البنك الدولي، فإن حساب الخزينة الموحد هو إحدى الممارسات في أنظمة الدفع وتحصيل الإيرادات الضريبية والتحكم بالإنفاق، من خلال التعامل المركزي مع أرصدة الحسابات المصرفية الحكومية.. وهو جزء من حلول أنظمة معلومات الإدارة المالية.. ويتم عادة من قبل الخزينة المركزية أو المحاسب العام في وزارة المالية.
*فوائد الحساب
المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أوجز فوائد إنشاء حساب الخزينة الموحد، إذ وصفه بـ"الأداة الأساسية لتوحيد وإدارة الموارد أو التدفقات النقدية للحكومة المركزية، إذ مازال العراق يعتمد الترتيبات المصرفية الحكومية على نحو مجزّأ". معتبراً، أنه "لا يمكن للرقابة الفعّالة للإدارة المالية أن تحقق أهدافها في ضبط المال العام ما لم تعتمد على ترتيبات مصرفية حكومية موحدة غير مجتزأة".
وتابع، "ومن ثم تقليل تكاليف الاقتراض، إذ كثيراً ما اقترضت الحكومة العراقية من المصارف الحكومية في سنوات ماضية لسد العجز في الموازنة السنوية، وكانت مصادر ذلك الاقتراض جلّها من ودائع حكومية فائضة في حسابات حكومية مختلفة، بسب غياب المعلومات الكفء عن الوفرة المالية المتناثرة بمختلف الحسابات المصرفية".
ولفت، إلى أن "العراق مازال من بين البلدان التي لديها ترتيبات مصرفية حكومية مجزّأة في التعاطي مع الإيرادات والمدفوعات الحكومية، ما يستوجب العمل اليوم، أن تحظى الإدارة المالية الحكومية بإطلاق مشروع إنشاء حساب الخزانة المالية الموحد وعلى وفق الأوليات التي جاءت في مبادئ إصلاح الإدارة المالية العامة والتي نصّ عليها المنهاج الوزاري للحكومة العراقية".
وأكد، أن "انتشار الحسابات الفرعية للوزارات والدوائر والمؤسسات العامة بالشكل الراهن، قد أفقد الإدارة المالية والسلطات الرقابية القدرة على المساءلة في متابعة التصرفات المالية، لذا فإن تجميع الأموال في حساب الخزينة الواحد أو الموحد يعني تجميع جميع الأموال الحكومية في حساب واحد، والذي من شأنه أن يقلل من تكاليف الاقتراض، ويوسع الائتمان، ويحسّن السياسة المالية للحكومة، ويحسن في الوقت نفسه من الرقابة والمساءلة في نطاق عمل وحدات الإنفاق الحكومية، والحد من فساد التصرفات المالية والاعتداء على المال العام".
*الحساب الموحّد و IFMIS
يؤكد صالح، أن "إطلاق إنشاء حساب الخزينة الموحد يأتي كشرط ضروري لاستكمال النظام الرقمي والذي يسمى: النظام المتكامل لإدارة المعلومات المالية IFMIS، فالمشروعان متكاملان ويعملان معاً في ضبط التدفقات النقدية اليومية للخزينة العامة للدولة وفي أعلى مستويات الحوكمة أو الانضباط والمساءلة المالية".
*تأخر العراق في تطبيق النظام
أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، عبدالرحمن المشهداني، يقول إن "العراق لا يزال يعمل بالنظم المالية التي وضعت منذ أيام الحاكم المدني، بول بريمر، والتي تسمح للدوائر والمؤسسات أن تفتح حسابات منفصلة لها وإدارة شؤونها المالية بشكل منفصل".
ويضيف، إن عدم وجود حساب الخزينة الموحد "يشكل عنصر خلل في إيرادات الميزانية العامة، وعلى سبيل المثال، توجد لمؤسسات مثل الجمارك والضريبة حسابات منفصلة تابعة لها تودع فيها الإيرادات، وتبقى مخصصات نفقاتها من الخزينة".
*ارتفاع ضخم في الإيرادات
إيرادات الحكومة الاتحادية سترتفع بنسبة تتجاوز الـ 50 في المئة
توقع المشهداني في حال تطبيق هذا النظام، فإن "إيرادات الحكومة الاتحادية سترتفع بنسبة تتجاوز الـ 50 في المئة، وقد تحد من الفساد إذا عدلت الأنظمة الإدارية المختلفة لتصبح مؤتمتة".
ويؤكد، إن "تطبيق حساب الخزينة الموحد أصبح ضرورة، من أجل توضيح الإيرادات التي تصل للخزينة بشكل أفضل، وتحديد إنتاجية المؤسسات ونفقاتها، وضبط الإدارة المالية".
*عقبات
ويرى المشهداني، أنه قد تكون هناك عقبات، ولكن "في حال فرض تطبيق هذا النظام ستكون جميع المؤسسات الحكومية ملزمة بتحويل إيراداتها، والكشف عن نفقاتها بشكل واضح، فيما سيتم إغلاق العديد من الحسابات الخاصة التي كانت تودَع فيها الإيرادات الحكومية".