دعوات لتشديد الرقابة.. كيف تتسلل السلع الممنوعةٌ من الاستيراد إلى الأسواق العراقية؟

انفوبلس/ تقرير
لا تزال منتجات زراعية وغذائية معينة تتواجد بالأسواق الشعبية في بغداد والمحافظات الأخرى على الرغم من القرارات الحكومية المتشددة لمنع الاستيراد، لكن ما الذي يجعل تلك المنتجات تجد طريقها إلى الأسواق رغم الحظر؟ وما الذي يدفع بالمواطنين للاستمرار في شرائها؟
قرر المجلس الوزاري للاقتصاد إيقاف استيراد محاصيل مثل الطماطم، السكر، الرقي، البطيخ، الباذنجان، وغيرها، وذلك بسبب توفرها محلياً بهدف تنظيم السوق ودعم الأمن الغذائي الوطني.
تؤكد الحكومة العراقية التزامها بحماية المنتجات الوطنية من خلال تشريعات وإجراءات عملية. من أبرز هذه الجهود قانون حماية المنتجات العراقية رقم (11) لسنة 2010، الذي يهدف إلى حماية الصناعة المحلية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية، مثل الإغراق والدعم غير المشروع.
كما أصدرت الحكومة، خلال العام الماضي، تسع قرارات جديدة لتنظيم الاستيراد وفرض حماية جمركية إضافية على بعض السلع المستوردة، بهدف دعم المنتج المحلي وضمان استقراره في السوق.
حديث مواطنون وتجار
وبحسب المواطنة أم جعفر، فأنها تميل أكثر إلى شراء الخضراوات والفواكه المستوردة، بسبب انخفاض أسعارها وتوفرها على مدار جميع المواسم، مما يجعلها الخيار الأول رغم وجود بدائل محلية. بينما يطالب رحيم داوود، صاحب أرض زراعية، بتشديد الرقابة على الأسواق الشعبية ومحاسبة التجار الذين يروجون للبضائع المستوردة، مشددًا على أن استمرار دخول المنتجات الأجنبية يشكل تحديًا كبيرًا أمام مصدر رزقه ويُضعف الاعتماد على المنتج المحلي.
استيراد المنتجات يأتي في إطار الحصول على بضائع بأسعار منافسة وكلفة أقل مقارنة بالمنتجات المحلية، إضافة إلى توفير أصناف غير متوفرة محليًا، والرغبة في تنويع مصادر التوريد لتقليل الاعتماد على مورد واحد، مع التركيز على جودة المنتجات، بحسب حديث تاجر الخضراوات والفاكهة رسول حميد.
في المقابل، يؤكد التاجر رعد قيس دعمه الكامل للمنتجات المحلية، حيث يعتمد بشكل رئيسي في توريد تجارته على المزارع العراقية، حرصًا منه الابتعاد عن وسائل التهريب والطرق غير المشروعة، وتعزيز الاقتصاد الوطني.
يؤكد الخبير الاقتصادي ستار البياتي أن تدفق المنتجات الزراعية والغذائية الممنوعة من الاستيراد إلى الأسواق الشعبية في بغداد يشكل تحدياً بالغ الأثر على الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن هذا الوضع يؤدي إلى تقويض قدرة المنتج المحلي، وتقليل معدلات الإنتاج الزراعي المحلي، بفعل المنافسة غير العادلة التي تفرضها تلك السلع، والتي غالباً ما تُدخل عبر منافذ غير رسمية وطرق تهريب تنتهك القوانين وتشوه السوق.
ويقول البياتي أن دخول هذه المنتجات بأسعار منخفضة يشكل إغراءً للمستهلكين لكنه في الوقت ذاته يضر بالاقتصاد الوطني، إذ تفقد السوق العراقية جودتها التقليدية، كما يحرم الخزينة العامة من إيرادات جمركية مهمة كان من الممكن أن تُسهم في تعزيز الموازنة العامة، وبالتالي دعم مختلف القطاعات الحيوية.
ويشير إلى أن العراق يمتلك شبكة حدودية واسعة تضم 23 منفذاً حدودياً جوياً وبرياً مع دول الجوار، ما يوفر فرصة فريدة لتنمية التجارة الخارجية وتنويع مصادرها بما يخدم الاقتصاد الوطني، خاصة أن التعامل مع اقتصادات مختلفة يمكن أن يسهم في تعزيز القدرة التنافسية للعراق في الأسواق الإقليمية والدولية.
ويضيف أن الجهات الحكومية المختصة تابعت بدقة تداعيات هذا التحدي على القطاع الزراعي المحلي، حيث لاحظت تراجعاً ملموساً في الإنتاجية بسبب الإغراق بالمنتجات المستوردة. ومن هنا جاءت الخطوات الاستباقية للدولة بمنع استيراد بعض المحاصيل الزراعية الموسمية مثل الطماطم والباذنجان والرقي، مع التركيز على دعم المنتج المحلي وتنظيم السوق بما يحقق الأمن الغذائي.
ويشدد البياتي على ضرورة تعزيز الإجراءات الرقابية والجمركية المشددة على المنافذ الحدودية، فضلاً عن تطبيق العقوبات الرادعة بحق المهربين الذين يستغلون ثغرات النظام لتمرير بضائع تدخل ضمن ما يسمى بالاقتصاد غير الرسمي، ما يضر بسمعة الاقتصاد العراقي ويعرقل مسارات التنمية.
ويكمل إن رفع الرسوم الجمركية على بعض الواردات، في إطار استراتيجية الحكومة لدعم الصناعة والزراعة الوطنية، يعد خطوة إيجابية، لكنه يتطلب توازناً دقيقاً مع القوانين والاتفاقيات الدولية، خاصة أن العراق لا يزال يتمتع بوضعية مراقب داخل منظمة التجارة العالمية، التي تسمح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 5% فقط، وهو ما يمكن أن يشكل أداة قانونية لحماية المنتج الوطني وتعزيز الإيرادات المالية للدولة.
ويختتم البياتي بالقول إن الاستثمار الأمثل في المنافذ الحدودية، إلى جانب تطوير منظومة الرقابة الجمركية والإجراءات القانونية، يشكلان ركيزتين أساسيتين لتعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق تنمية زراعية، إضافة إلى خلق مناخ تجاري متوازن يضمن حماية المستهلك والمنتج المحلي في آنٍ واحد.
هذا وتعمل لجنة تشجيع المنتج الوطني على تقييم جودة المنتجات المحلية واحتساب القيمة المضافة، بهدف دعم الشركات الوطنية وتعزيز قدرتها التنافسية. وتسعى هذه الجهود لتحقيق توازن بين حماية المنتج المحلي وضمان توفر السلع بأسعار مناسبة للمستهلكين.
كما يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي، ضرورة منع تداول السلع الممنوعة من الاستيراد، مع فرض عقوبات صارمة ومتابعة دقيقة من الجهات المختصة، وذلك بهدف حماية الإنتاج المحلي.
ويشدد قصي على أهمية السيطرة على ما يُعرف بـ"العلوات" – وهي تلك الممارسات غير القانونية التي تُمكّن تهريب السلع – مقترحاً تأسيس شركة وطنية متخصصة على مستوى العراق، تتولى مسؤولية نقل المنتجات الزراعية بشكل منظم. تأتي هذه الخطوة لتقليل معدلات التلف التي تتعرض لها المحاصيل خلال عمليات النقل، وتسهيل عمليات الإدخال والسيطرة على جودة وكميات المواد المستوردة، ما ينعكس إيجاباً على تقليل التكاليف وتحسين إدارة السوق بشكل عام.
ويضيف أن تنظيم قطاع النقل الزراعي من خلال تخصيص شركة واحدة لهذه المهمة سيعزز من كفاءة العمليات الرقابية، ويضمن الالتزام بمعايير الجودة، بعيداً عن التشتت الذي يرافق استخدام وسائل نقل متعددة وغير منظمة.
كما يوضح قصي أن مسؤولية حماية القطاع الزراعي لا تقع فقط على عاتق الجهات الرسمية، بل تشمل أيضاً المستهلكين وباعة الجملة والتجزئة، الذين يجب عليهم الامتناع عن شراء السلع الممنوعة من الاستيراد.
وتعد حماية المنتج العراقي أولوية ملحة في إطار المساعي الحكومية للعمل على دعم اقتصاد البلاد وتطوير الصناعة، وإنشاء المشاريع الاستراتيجية.
جهود حكومية
وكانت الهيئة العامة للجمارك، قد أعلنت عن بدء تطبيق قوائم الأسعار الجمركية الجديدة للبضائع والسلع المصادق عليها بموجب قرار مجلس الوزراء، اعتبارًا من 1 حزيران 2025 في جميع المراكز الحدودية بما فيها منافذ إقليم كردستان.
وقالت الهيئة إن هذه القوائم جاءت بعد مراجعة شاملة أجرتها اللجنة المشكلة بموجب الأمر الديواني رقم 61 لسنة 2024 بهدف تحديث الأسعار الجمركية لتكون مقاربة للأسعار الفعلية المعتمدة عالميًا دون المساس بالنسب المئوية المحددة في قانون التعرفة الجمركية أو القرارات الأخرى ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، قال مصدر من هيئة الجمارك، إن قرار رفع الرسوم الجمركية على بعض السلع المستوردة، جاء من أجل حماية المنتج المحلي، وإتاحة الفرصة لتطوير الاقتصاد الوطني، وتحقيق القدرة التنافسية، لتكون المنتجات المحلية تنافس السلع الأخرى في العالم، وبالتالي يلجأ المستهلك العراقي إلى إكمال ما يحتاجه من متطلبات زراعية وغذائية من السوق المحلية، وتقليل الاعتماد على البضائع المستوردة.
أما وزارة الزراعة تقول إنها تبذل جهوداً متواصلة للحد من انتشار المنتجات الزراعية والغذائية الممنوعة من الاستيراد، وذلك عبر التنسيق مع الجهات المختصة لضمان حماية المنتج المحلي وتوفير احتياجات السوق.
ويقول مستشار الوزارة مهدي القيسي، أن دور الوزارة يرتكز على التأكد من وفرة المنتج المحلي في الأسواق، لا سيما محاصيل الخضراوات والبيض والدجاج، وبأسعار تنافسية تلبي حاجات المستهلكين. وفي حال توافر هذه المنتجات بشكل كافٍ، يُطلب من المجلس الوزاري للاقتصاد اتخاذ قرار بمنع الاستيراد للحفاظ على استقرار السوق ودعم المنتج الوطني.
ويلفت القيسي إلى أن وزارة الزراعة، ممثلة بدائرة التخطيط والمتابعة وأذرعها الميدانية، ومنها مراكز البيع الرئيسية وفروعها في المحافظات، تتابع بشكل مستمر حالة العرض والطلب، وتقوم بالتأكد من أي نقص في المنتجات المحلية. عند الحاجة، يُطلب من المجلس الوزاري للاقتصاد فتح باب الاستيراد لضمان التوازن بين العرض والطلب، حيث ان منع الاستيراد في ظل نقص المنتج المحلي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويضر المستهلك.
كما يؤكد القيسي أن الأمن الاقتصادي يعمل على متابعة وضبط المنتجات، وفي حال ضبط كميات من المحاصيل تأتي عبر التهريب أو خارج ضوابط الاستيراد يتم التنسيق مع وزارة الزراعة لتحديد ما إذا كانت تلك المحاصيل مهربة أم من الإنتاج المحلي.
ويختتم القيسي بالقول إن وزارة الزراعة مستمرة في عملها للسيطرة على الأسواق، وتحديد الاحتياجات وفترات المنع أو الفتح في الاستيراد، إلى جانب تقديم الاستشارات والتعاون مع الجهات الأمنية حين يتم ضبط مواد مهربة من المنتجات الزراعية أو الغذائية، لضمان اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة والحفاظ على سلامة السوق الوطنية.
وفي شهر نيسان الماضي 2025، أعلنت وزارة الزراعة العراقية، منع استيراد وتداول 37 مادة زراعية في الأسواق المحلية، فيما فتحت باب الاستيراد لـ 7 محاصيل. إذ ذكرت في بيان، أنها وجهت الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن فتح استيراد سبعة محاصيل زراعية، وهي: الطماطم، البطاطا، اللهانة، القرنابيط، الخس، الشلغم، والشوندر، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المواد المتسربة إلى الأسواق المحلية، وذلك وفقاً للقوانين والتعليمات المعمول بها.
وشملت المواد الممنوعة من الاستيراد، وفق البيان: تقاوى البطاطا المستوردة بموجب إجازات استيراد صادرة عن طريق إقليم كوردستان، وبيض التفقيس، ولية الغنم والشحوم المصنعة، والحيوانات الحقلية المستوردة كالجاموس والأغنام والعجول من الذكور والإناث لأغراض التربية، إضافة إلى الحيوانات المهددة بالانقراض، وأسماك البيرانا المفترسة، واللحم المفروم بأنواعه كافة، وأجزاء الذبيحة كالرأس والأطراف، والبروتين الحيواني، والخيول، والحيوانات المفترسة، ونبات الحنة ونبات الجت بكامل أجزائهما، ونبات جوز الهند بأجزائه وأليافه وثماره الحاوية على القلف.
كما تضمّنت قائمة الحظر المواد النباتية المستخدمة في تغليف الإرساليات كالقش والحلفاء، وقصب السكر، والفطريات والبكتيريا الضارة بالنباتات، والتربة الصالحة للزراعة والمحتوية على مواد عضوية، وشتلات وبذور وبراعم وأوراق نباتات الخشخاش، القات، الداتورة، وعشبة النيل، والتبوغ غير المعبئة (الفل)، ونبات وردة الختمة (الخطمة) وأجزاؤه، وفسائل النخيل بأنواعها، النسيجية وغير النسيجية، وأي جزء من النخلة، بالإضافة إلى نخيل الواشنطونيا، ونبات القطن باستثناء التيلة.
وشمل القرار أيضًا منع استيراد الحمضيات بجميع أنواعها وأجزائها عدا الثمار، وكذلك نباتات المانجو (العنبة)، الجوافة، القشدة، الزيتون، الهايبسكس، والتفاح الإيراني، والعنب، بجميع أجزائها باستثناء الثمار، إلى جانب التمور، العسل، الدجاج الحي، البصل، وبيض المائدة.