لماذا يضحي إقليم كردستان بأموال تعادل 175% من إيراداته مقابل عدم تسليم النفط لبغداد؟
أنفوبلس/..
لم تتوصل الحكومة الاتحادية في بغداد وكذلك وزارة النفط، إلى صيغة تفاهمية تجعل إقليم كردستان يخضع لقرار المحكمة الاتحادية لتكون إدارة إنتاج وتصدير النفط في الإقليم بموافقة وإدارة بغداد، واختارت وزارة النفط استهداف الشركات العالمية النفطية العاملة في الإقليم قضائيًا، في صيغة "تضيّق" على الإقليم إمكانية إدارة نفطها وحيدة بالاشتراك مع الشركات العالمية.
وتعد هذه القضية الخلافية، من أقدم القضايا المعلقة بين بغداد وأربيل، قبل أن تقرر المحكمة الاتحادية في شباط/فبراير الماضي، عدم دستورية قانون النفط والغاز الذي شرعه برلمان إقليم كردستان عام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز، فيما ألزم قرار المحكمة الاتحادية حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم إلى الحكومة الاتحادية متمثلة بوزارة النفط.
ولاقى قرار المحكمة الاتحادية رفضًا من قبل السلطات في الإقليم، وعلى رأسها مجلس قضاء إقليم كردستان، الذي قال مؤخرًا في بيان إنّ "المحكمة الاتحادية ليست لها صلاحيات إصدار قرارات بإلغاء قانون النفط والغاز في إقليم كردستان الصادر عام 2007، وأن القانون سيظل ساري المفعول"، معتبرًا أنّ "الدستور لم يحدد عمليات التنقيب وإنتاج وتصدير النفط والغاز من الخصوصيات الحصرية للسلطات الاتحادية".
وتدور المسألة الخلافية على دستورية قرار المحكمة الاتحادية من عدمه، على مفردة "الحقول الحالية" التي وردت في المادة 112، التي حصرت اشتراك الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم، وبينما تم تشريع الدستور في عام 2005، فإنّ الإقليم يعتبر أنّ الحقول المنتجة في الأعوام التي تلت 2005، ليست من ضمن "الحقول الحالية" المشار إليها في الدستور، إلا أن الخبراء يرون بالمقابل أنّ مفردة الحقول الحالية تضم الحقول المستشكفة وغير المطورة أيضًا، وليست المنتجة في حينها فقط.
ووسط رفض الاقليم إخضاع انتاج وادارة النفط الى حكومة بغداد، يتبادر الى الذهن مسألة هامة تتمثل بحصول الشركات الاجنبية نحو 56% من ايرادات النفط، ولم تتحصل حكومة الاقليم سوى على 44% من ايرادات نفطها خلال 2021، نتيجة العقود التي تحمل صيغة "المشاركة"، على العكس من عقود جولات التراخيص للحكومة الاتحادية التي تحمل صيغة عقود "خدمة" مع الشركات الاجنبية.
وبحسب بيانات شركة "ديوليت"، فإنّ مجموع الإيرادات من صادرات نفط إقليم كردستان بلغت أكثر من 9 مليار دولار، كانت حصة الإقليم منها 4 مليار دولار فقط، وهو أمر قد انتقدته وزارة النفط الاتحادية مرارًا، مبينةً أنّ "عقود المشاركة بالإنتاج لحقول إقليم كردستان، تمنح المقاول حصة من النفط المستخرج، إضافة إلى حرية التصرف بحصته من الكميات المنتجة، وبيعها بالمكان والوقت الذي يحدده المقاول"، فضلًا عن أنّ "كلف الإنتاج تعادل 4 أضعاف الإنتاج في جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية".
وبالمقارنة فيما إذا سلّمت حكومة الإقليم إنتاجها النفطي بالكامل إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، فإنّ حصة الإقليم خلال موازنة 2021، كانت بنسبة 12.67% من موازنة 2021 التي بلغت 88 مليار دولار، ما يعني أنّ حصة الإقليم كانت ستبلغ أكثر من 11 مليار دولار، ستتسلمها كاملة لو أنها سلمت إنتاج النفط بالكامل إلى الحكومة الاتحادية، أي أنها خسرت 7 مليار دولار، وهي أكثر من الأموال التي تسلمها الإقليم نتيجة بيع نفطه عبر الشركات الأجنبية بنسبة 175% والتي بلغت 4 مليار دولار فقط.
ووفقًا لهذه الحصة في الموازنة، فإنّ الإقليم كان سيتسلم أكثر من 900 مليون دولار شهريًا، أي أكثر من 1.3 تريليون دينار، لكنّ الحكومة الاتحادية كانت تستقطع مبالغ تعادل مبيعات 250 ألف برميل يوميًا (7.5 مليون برميل شهريًا)، وترسل المتبقي من حصة الإقليم، التي كانت تبلغ شهريًا نحو 200 مليار دينار فقط، من أصل حصة الإقليم الكلية البالغة 1.3 تريليون دينار، كانت ستتسلمها كاملة لو أنها سلمت النفط إلى الحكومة الاتحادية.
وبتسلّم الإقليم 200 مليار دينار شهريًا، أي ما يعادل 2.4 تريليون دينار خلال 2021 أو 1.6 مليار دولار، بالإضافة إلى 4 مليار دولار كإيرادات المبيعات النفطية عبر الشركات الأجنبية، فأن مجمل ما تحصل عليه الإقليم كان 5.6 مليار دولار فقط، فيما كان سيتحصل على 11 مليار دولار لو أنه سلم كامل إنتاجه النفطي إلى الحكومة الاتحادية، أي أنّ رفض الإقليم لتسليم نفطه إلى الحكومة الاتحادية، جعل إيراداته أقل بنسبة 100%.
ولما تقدم، تطرح تساؤلات عن سبب تخلي الإقليم بحصته من الموازنة التي قد تفوق الـ11 مليار دولار، مقابل موافقته على 4 مليار دولار فقط تتسلمها من الشركات الأجنبية التي تدير عملية إنتاج وتصدير النفط في الإقليم والاستمرار بقضية تتسبب بتوتر علاقاته مع بغداد فضلًا عن كونه يكلفها خسارة ضعف ما تتحصل عليه من إيرادات بيع النفط.
الخبير في قطاع النفط والغاز، ريبوار محمد قال إنّ "تجاوب الإقليم مع هذا الملف يتوقف على أن يكون التعامل معه دستوريًا وحل المشاكل العالقة، من بينها قانون النفط والغاز"، مشيرًا إلى أنّ "الإقليم لا مشكلة لديه في تسليم كامل النفط وإيرادات المنافذ إلى الحكومة إذا ما تم معالجة هذا الملف دستوريًا".
وأضاف أنّ "شركات النفط الأجنبية أبرمت عقودها في الإقليم وفق شروط قانونية ونصت بعض العقود على عدم تغيير الأوضاع مع التغييرات القانونية في العراق، كما أكدت العقود على اللجوء للتحكيم الدولي عند نشوب المشاكل الداخلية".
من جانبه، يكشف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، عن عقبة وحيدة تقف أمام موافقة الإقليم على تسليم كامل نفطه وإيراداته إلى بغداد.
عبد الكريم وفي رده على "غياب الجدوى الاقتصادية لتمسك الإقليم بتصدير نفطه وخسارة حصته من الموازنة"، أكد، أنّ "الإقليم مستعد لتسليم كامل إيراداته بكل أنواعها إلى بغداد، وقد تم عرض هذا الأمر منذ حكومة عادل عبد المهدي، بشرط أن تتعامل بغداد مع ديون الشركات الأجنبية التي بذمة الإقليم".
إلا أن بغداد رفضت هذا الأمر، وتم الاتفاق على تسليم 250 ألف برميل يوميًا من الإقليم إلى بغداد من أصل أكثر من 400 ألف برميل يصدرها الإقليم يوميًا، مقابل أن تتعامل حكومة الإقليم مع ديون الشركات، بحسبما أكد عبد الكريم، في حين بيّن أنّ "هذا الأمر جرى أيضًا في حكومة الكاظمي بموازنة 2021".
ويقول كريم إنّ "الخلاف الدائر مع وزارة النفط حاليًا يعود لذات المشكلة، حيث ترفض الوزارة التعامل مع ديون الشركات الأجنبية التي بذمة الإقليم، وهو ذات السبب الذي يجعل الإقليم رافضًا لتسليم نفطه وفسخ العقود مع الشركات الأجنبية وتحميل الإقليم لوحده تبعات ذلك"، معتبرًا أنّ "الإقليم اضطر للتعامل مع هذه الشركات بعد أن قامت بغداد بقطع حصة الإقليم تمامًا في عام 2014".