أربعينية هذا العام بـ5 دولارات.. العراق يفرض رسوم دخول رمزية على الزوار.. تعرف على نصف الكأس الممتلئ

انفوبلس..
في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد غير النفطي، فرض العراق رسوماً رمزية على تأشيرات دخول الزائرين خلال الزيارة الأربعينية. ويؤكد مختصون أن هذه العائدات يمكن أن تسهم في تطوير البنية التحتية وخدمات النقل والصحة، إذا أُديرت بشفافية وبعيدة عن الفساد.
ويمثل فرض العراق أجوراً على تأشيرة الدخول الخاصة بالزيارة الأربعينية للزائرين القادمين من الدول العربية والأجنبية بقيمة 5 دولارات أي 7500 دينار عراقي، خطوة أولى نحو تحسين الإيرادات غير النفطية ودعم حقيقي للموازنة الوطنية، بحسب مختصين، حيث شددوا على أهمية أن تستثمر هذه الأموال بشكل شفاف لتطوير البنية التحتية الخاصة بالمناسبة.
وقررت وزارة الداخلية العراقية، الخميس الماضي، منح سمات الدخول (الزيارة – السياحية – الاعتيادية) مقابل رسوم (5 دولارات)، على أن يُنفذ هذا الأمر اعتباراً من 1 محرم ولغاية 20 صفر 1447هـ.
وتعليقاً على هذا القرار، يقول عضو اللجنة النيابية المكلفة بمتابعة زيارة الأربعينية في محافظة كربلاء، النائب زهير الفتلاوي، إن "الرسوم هي قرار سليم، خاصة وأن كربلاء سجلت دخول بحدود 8 ملايين زائر من داخل وخارج العراق على مدار السنة السابقة، لكن ينبغي استثمار الإيرادات المستحصلة من هذه الرسوم بشفافية كاملة لضمان عدم ضياعها في الفساد".
ويؤكد الفتلاوي أن "هذه الأموال يجب أن تدخل في تأهيل الطرق المؤدية إلى كربلاء وإنشاء جسور على نهر الفرات لتخفيف الزحام وفك الاختناقات المرورية الدائمة على هذا النهر، وتحسين خدمات النقل ومبيت الزائرين وتقديم العلاجات الصحية والخدمات الطبية مع توفير محطات استراحة نظيفة وآمنة للزائرين".
وتتفق النائبة عن محافظة كربلاء، ابتسام الهلالي، مع الفتلاوي بأن "هذه الأموال ينبغي أن تعود نصفها لكربلاء، إذ تستقبل المحافظة 20 مليون زائر خلال 40 يوماً، ما يتطلب إجراء إعادة تأهيل للمياه والمجاري والبنى التحتية بعد انتهاء الزيارة لتكون المدينة جاهزة للزيارات الأخرى".
كما تدعو الهلالي إلى "صرف جزء من هذه الأموال لتهيئة الخدمات ودعم البلدية عبر صرف مكافأة لعمال البلدية الذين يعملون بشكل متواصل من يوم العاشر من محرم إلى الأربعين، وما بعد الأربعين أيضاً حتى انتهاء شهر صفر".
وعن أهمية المردود الاقتصادي من هذه الرسوم، يبرز الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، أن "فرض العراق أجوراً على تأشيرة الدخول لكل زائر خلال موسم الزيارات الدينية يمثل خطوة أولى نحو تحسين الإيرادات غير النفطية، وهو ما نحتاج إليه بشدة في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي المرتبط بشكل كبير بعوائد النفط".
ويوضح الفرج أن "هذه الرسوم، وإن كانت رمزية، إلا أنها قد تولد دخلاً سنوياً بملايين الدولارات إذا ما تم تنظيمها وإدارتها بشكل شفاف وفعال، خاصة في ظل استقبال العراق لملايين الزائرين سنوياً خلال مناسبات كبرى مثل زيارة الأربعين".
ويعتبر أن "الأهم من ذلك، أن هذا التوجه يُظهر رغبة حكومية حقيقية بتنويع مصادر الدخل، وهو توجه اقتصادي سليم طالما لم يؤثر سلباً على حركة الزوار أو يُستخدم بطريقة تعسفية".
كما يشير الفرج إلى أهمية أن "تقترن هذه الخطوة بخطة استراتيجية للاستثمار في البنية التحتية السياحية والدينية، من أجل تعظيم الفائدة الاقتصادية من قطاع الزيارات، بما يشمل تشغيل الفنادق، النقل، الخدمات، والأسواق المحلية، خصوصاً أن عدد الزوار يتجاوز 3 إلى 5 ملايين زائر".
وفي السياق ذاته، يؤكد الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، أن "رسم تأشيرة دخول العراق قد يشكّل دعماً حقيقياً للموازنة الوطنية، إذ تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة وحدها جنت نحو 3 مليارات دولار من رسوم التأشيرات في عام واحد، وأن السوق العالمية لتأشيرات السفر تصل قيمته إلى نحو 50 مليار دولار مما يعزز تحقيق مصدر إيراد إضافي ملموس".
ويرى عيد أن "الخطوة هذه تساهم في ضبط السياحة غير المنتظمة وجودة الزوار، حيث يعمل الرسم الأعلى كعامل تصفية يجذب المسافرين الجادين ويخفف الضغط على البنية التحتية، كما يُعزز ربط الإيرادات المباشرة بتحسين الخدمات السياحية".
ويشدد على أن "تنويع الإيرادات أصبح ضرورة ملحّة للعراق بعد الاعتماد شبه الكليّ على النفط، وبالتالي فإن رسوم التأشيرة عند مستوى عادل وشفاف ومرفق بتحسين ملموس للخدمات، يعزز الثقة من قبل المواطن والزائر ويرسّخ دعائم الاقتصاد غير النفطي".
ويمثل القرار تحوّلاً ملموساً في مقاربة الدولة لإدارة المناسبات الدينية الكبرى، عبر إدخالها في حسابات التنمية المستدامة والتمويل غير النفطي، في وقت تتزايد فيه الحاجة لتخفيف الاعتماد على صادرات النفط كمصدر شبه وحيد للموازنة العامة.
وعلى الرغم من أن المبلغ المفروض يبدو ضئيلاً من حيث القيمة الفردية، إلا أن الكتلة البشرية الضخمة التي تستقبلها كربلاء – والتي تجاوزت 20 مليون زائر خلال أربعينية العام الماضي – تجعله رقماً لا يُستهان به من حيث العائد السنوي. وبعملية حسابية بسيطة، فإن جمع 5 دولارات من 10 ملايين زائر فقط، يولّد إيراداً قدره 50 مليون دولار، وهو مبلغ كافٍ لإحداث نقلة نوعية في خدمات الطرق، والمبيت، والصحة، والنظافة، إذا ما أُحسن توظيفه.
غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في فرض الرسم، بل في آلية صرفه. فالشارع العراقي، المثقل بتاريخ من الشبهات حول سوء إدارة الأموال العامة، ينظر بحذر إلى هذا النوع من الإيرادات التي غالباً ما تذهب إلى "جيوب الفساد" دون أن يلمس المواطن أو الزائر أثراً ملموساً لها على الأرض. من هنا، يُعد ربط هذا الإجراء بخطة شفافة ومعلنة، تتضمن تفاصيل الإنفاق، ومؤشرات الأداء، وعمليات التدقيق المالي، أمراً حاسماً في كسب ثقة الجمهور وتثبيت جدوى القرار.
ما طرحته النائبة عن كربلاء، ابتسام الهلالي، بشأن ضرورة تخصيص نسبة محددة من هذه العائدات لصالح المحافظة المستضيفة، يعكس منطقاً عادلاً في توزيع الموارد. فمدينة كربلاء تتحمل العبء الأكبر من تدفق الزوار، من حيث الضغط على البنى التحتية والخدمات، ما يتطلب دعماً مالياً مباشراً لتعزيز قدرة البلدية ودوائر الصحة والنقل على تلبية الاحتياجات المتصاعدة. وهذا يعيدنا إلى أهمية وضع آلية واضحة تضمن أن يُعاد استثمار العائدات في المناطق التي أسهمت فعلياً في توليدها.
يشكّل هذا الرسم، في بُعده الأشمل، خطوة متقدمة ضمن مسار استراتيجي طال انتظاره لتفعيل الاقتصاد السياحي الديني، والذي يُعد من الكنوز غير المستثمرة في العراق. فزيارة الأربعين وحدها تُعد واحدة من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم، وتُوفر فرصة استثنائية لتشغيل قطاعات متعددة: من النقل والفندقة والتغذية، إلى الصناعات المحلية، والخدمات اللوجستية، وفرص العمل المؤقتة والدائمة.
لكن هذه الفرصة تبقى مهدورة ما لم تُرافقها بنية تحتية حديثة، وسياسات تسويقية، وإدارة ميدانية ذكية قادرة على تنظيم تدفق الزائرين، وتوجيههم، وتوفير بيئة آمنة وصحية، مع تقليل الازدحام والفوضى، واستيعاب الكتل السكانية الطارئة.
فرض الرسوم لا يُعد فقط خطوة اقتصادية، بل يحمل أيضاً أبعاداً تنظيمية وأمنية. إذ من شأن تنظيم تأشيرات الدخول والربط الإلكتروني للبيانات، أن يُسهم في مراقبة تدفق الزوار، وفرز الحالات، ومنع الدخول غير المشروع، ورفع مستوى الانضباط الإداري، وهو ما ينعكس إيجاباً على الأمن العام، لاسيما في ظل التحديات التي ترافق أي تجمع بشري بهذه الضخامة.
وأشار بعض المختصين إلى تجارب دولية مثل الولايات المتحدة، التي تجني مليارات الدولارات سنوياً من رسوم التأشيرات، وتُوظفها لتطوير خدمات الموانئ والمطارات والسياحة والرقابة الأمنية. ومن هنا، فإن العراق أمام فرصة لتطوير نموذج خاص به، يستند إلى خصوصيته الدينية والاجتماعية، ويضع معايير تتناسب مع الزائرين المتدينين الباحثين عن أجواء روحية وخدمات لائقة، وليس "سياحة تجارية" بالمعنى المتعارف عليه.
وبين الطموح الاقتصادي والمخاوف الشعبية، يقف قرار فرض رسوم تأشيرة زيارة الأربعين على مفترق طرق: فإما أن يُدار بواقعية وشفافية ليكون نواة اقتصاد ديني مستدام، أو أن يتحوّل إلى رقم جديد في سجلات الهدر والفساد. وما بين الخيارين، تتحدد ليس فقط جدوى القرار، بل ملامح مستقبل جديد للزيارات الدينية في العراق، كرافعة اقتصادية حقيقية، لا عبء موسمي متكرر.