إنجازات زراعية غير مسبوقة تعزز الأمن الغذائي وتقلّص الاعتماد على النفط

تحقيق الاكتفاء من 14 محصولا
انفوبلس..
في تحول نوعي يعكس نجاح السياسات الزراعية وتنويع الاقتصاد العراقي، أعلنت وزارة الزراعة تحقيق الاكتفاء الذاتي بـ 14 محصولاً زراعياً رئيساً، وتصدير الفائض إلى الأسواق الخليجية، في إنجاز غير مسبوق.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تسجيل صادرات زراعية قياسية بلغت مليوني طن حتى مارس 2025، رغم تحديات الجفاف وتراجع المياه. وكشف مسؤولو الوزارة عن اعتماد برامج استصلاح الصحراء، واستنباط محاصيل مقاومة للملوحة والندرة المائية، فضلاً عن إدخال منظومات ري حديثة عززت الإنتاج كمّاً ونوعاً.
وتُعد هذه القفزة ثمرة جهود بدأت منذ 2003 وتكثفت مؤخراً ضمن رؤية حكومية تهدف إلى إنهاء اعتماد البلاد على النفط، عبر تنمية الزراعة والصناعة والتجارة، وجذب استثمارات استراتيجية تُقدَّر بربع تريليون دولار للعامين المقبلين.
محاصيل استراتيجية مصدّرة
وأعلنت وزارة الزراعة عن إنجاز نوعي تمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل لـ14 محصولًا زراعيًا رئيسيًا، مع القدرة على تصدير الفائض منها إلى الأسواق الخارجية، لا سيما الخليجية، في خطوة تعكس تصاعد أداء القطاع الزراعي وتحسن مؤشرات الأمن الغذائي الوطني.
وأوضح الدكتور مهدي سهر الجبوري، الوكيل الإداري للوزارة، أن من بين هذه المحاصيل الحنطة الاستراتيجية للعام الثالث تواليًا، إلى جانب البطاطا، التمور، الطماطم، الباذنجان، الخيار، الرقي والبطيخ، وغيرها من الخضروات والفواكه الأساسية.
وأشار إلى أن هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة خطط طويلة الأمد، تضمنت استنباط أصناف زراعية متكيّفة مع التحديات المناخية، كالملوحة وشح المياه، وذلك من خلال جهود دائرة البحوث الزراعية.
ومن المحاصيل التي شملتها هذه الأبحاث الحنطة، الشعير، الذرة الصفراء وفول الصويا، حيث تم تطوير أصناف قادرة على التحمّل والنمو في ظروف قاسية.
بذور محلية مدعومة
وأضاف، أن الوزارة قامت أيضًا بإنتاج بذور الذرة الصفراء محليًا، بما يمكّن من زراعتها في الربيع وحصادها صيفًا، خلال فترات شح المياه.
كما تم توزيع منظومات ريّ حديثة مدعومة بنسبة 30% من التكلفة للمزارعين، مع إتاحة خيار التسديد الآجل لمدة عشر سنوات، مما عزز من قدرة الفلاحين على التوسّع في الزراعة وتقليل الهدر المائي.
إصلاحات وهيكلة إنتاجية
وشدد الجبوري على أن الاعتماد على البحوث الزراعية التخصصية كان حجر الأساس في تطوير الإنتاج الزراعي منذ عام 2003، مؤكدًا أن هذه البحوث ساهمت في دفع مشاريع زراعية واعدة نحو النجاح.
وأشار إلى أن الوزارة تبنّت أحدث ما توصلت إليه الدراسات العالمية، لتحديث البنى الإنتاجية بما يواكب الحاجة المتزايدة ويحقق التوازن الغذائي الداخلي.
في السياق ذاته، أشار الجبوري إلى تطبيق برنامج الروزنامة الزراعية، الذي يُعدّ من أهم الأدوات التنظيمية التي تعتمدها الوزارة لضبط العلاقة بين العرض والطلب، بهدف الحفاظ على أسعار السوق ضمن مستويات مقبولة لجميع الأطراف، سواء المنتج أو المستهلك.
وبيّن أن السياسة الزراعية التي تنتهجها الوزارة منذ عام 2003 تقوم على تحقيق نمو كمي ونوعي للإنتاج، خصوصًا في قطاع الحبوب، مع التركيز على توفير تقنيات إنتاج حديثة غير متاحة للقطاع الخاص، واستنباط برامج استراتيجية لرفع إنتاجية وحدة المساحة.
وقد استعانت الوزارة بجهود علمية من مؤسسات رصينة داخل وخارج العراق، إلى جانب تعاون مشترك مع الوزارات الساندة لتسهيل تنفيذ هذه الخطط وتوسيع نطاق الاستصلاح الزراعي، تمهيدًا لتوسيع مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد.
أعلى رقم في الصادرات
ووصل حجم صادرات العراق الزراعية إلى نحو مليوني طن حتى شهر مارس من العام الجاري، وهو أكبر رقم تسجله وزارة الزراعة في تاريخها، بحسب الوزير عباس المالكي في مقابلة صحفية في الشهر الماضي.
المالكي أضاف في المقابلة، على هامش فعاليات الأسبوع الزراعي العراقي، أن الصادرات الزراعية كانت تسجل سابقاً حوالي 200 ألف طن، وكانت تقتصر على أصناف قليلة أبرزها التمور، أما الآن فباتت تشمل أكثر من 13 صنفاً.
يأتي هذا في وقتٍ تعاني فيه البلاد من أزمة. جفاف نتيجة تراجع مستويات مياه نهري دجلة والفرات، إذ تراجعت الأراضي الزراعية المروية بمياه الأنهار في العراق بنسبة 61% خلال عشر سنوات، لتبلغ 6.3 ألف كيلومتر مربع بنهاية عام 2023، بحسب بيانات هيئة الإحصاء العراقية.
منظومات الريّ المحورية
وفي نيسان الماضي، أبرم العراق تسعة عقود لشراء منظومات الري المحورية بقيمة 250 مليار دينار (190 مليون دولار)، مستهدفاً التوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية للتغلب على الجفاف، حسبما أفاد المالكي في حديث صحفي بوقت سابق.
وأوضح، أن الدولة عبر نشر 13 ألفاً من رشاشات المياه المحورية على امتداد البلاد، تمكنت من زراعة 4 ملايين دونم، وهو ما ساعد على التغلب على أضرار انحسار مساحة الأراضي المروية على ضفتي دجلة والفرات، كما نوّه بأن التوسع إلى الأراضي الصحراوية مكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي وأوجد فائض إنتاج للتصدير لنحو 11 سلعة استراتيجية، تتصدرها التمور والقمح والبطاطا.
وبلغ إنتاج العراق من القمح 6.3 مليون طن العام الماضي بزيادة تصل إلى 21% على أساس سنوي، وفق مسؤول حكومي، وهو ما يعني تحقيق البلاد للاكتفاء الذاتي من الحبوب للسنة الثانية على التوالي.
تنويع الاقتصاد
أشار الوزير لوجود فرص استثمارية عدة في قطاع الزراعة في العراق، منها في مجال الثروة الحيوانية، وفي مشروع صحاري كربلاء.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحدث في عن جهود تنويع الاقتصاد في البلاد، حيث رأى أنه "لا يمكن للعراق الاعتماد فقط على إيرادات النفط كمصدر وحيد لتغطية نفقاته، لذلك ذهبنا إلى تنمية القطاعات الأخرى، بما في ذلك الصناعة، والزراعة، والتجارة".
وتطرق السوداني إلى جهود الحكومة في مجال تسهيل إجراءات التصدير، ووضع وزارة التجارة خطة لدعم الصادرات، وهو ما قفز بحجم تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية إلى أكثر من 950 ألف طن العام الماضي، مقارنة بنحو 400 ألف طن في 2023.
ولدى العراق خطة لجذب استثمارات بربع تريليون دولار خلال العامين الحالي والمقبل، تشمل مشاريع في الزراعة ومدن الصناعات الغذائية المواكبة لها.