الرئيس التركي ينهي اتفاقاً نفطياً "تاريخياً" مع العراق.. ما الأسباب وهل تنذر الخطوة بأزمة جديدة؟

انفوبلس/ تقرير
وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الاثنين 21 تموز/ يوليو 2025، على إنهاء اتفاق نفطي "تاريخي" بين العراق وتركيا، بعد 52 عاماً من إبرامه، وهو الاتفاق الذي يعد أحد أبرز التفاهمات الاقتصادية بين البلدين، دون الكشف عن الأسباب الرئيسية، وهو ما أثار عدة تساؤلات داخل الأوساط العراقية، فما القصة؟
وينص قرار نُشر بالجريدة الرسمية في تركيا، اليوم الإثنين 21 يوليو/تموز (2025)، واطلعت عليه شبكة "انفوبلس"، على أن اتفاقية خط أنابيب النفط الخام بين أنقرة وبغداد، المبرمة عام 1975، ستنتهي في يوليو/تموز 2026.
يأتي قرار تحديد موعد انتهاء اتفاقية نقل النفط العراقي، خلال وقت يجرى فيه الاستعداد لاستئناف ضخ نفط كردستان المتوقف منذ نحو 28 شهرًا عبر ميناء جيهان التركي.
وأوقفت تركيا نقل النفط العراقي عبر ميناء جيهان في مارس/آذار 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية، أنقرة، بدفع تعويضات لبغداد قدرها 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرّح بها بين عامي 2014 و2018.
كان العراق قد تقدّم بطلب للتحكيم في عام 2014 أمام غرفة التجارة الدولية ومقرها باريس بشأن دور تركيا في تسهيل صادرات النفط من كردستان دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد. وقال العراق إنه من خلال نقل وتخزين النفط من كردستان وتحميله على ناقلات في جيهان دون موافقة بغداد، انتهكت أنقرة وشركة الطاقة التركية الحكومية بوتاش بنود اتفاقية خط الأنابيب بين العراق وتركيا الموقعة في عام 1973.
ويعود أصل الاتفاق إلى عام 1973، إذ وُقِّع بين الدولتين لتأمين تصدير النفط الخام من العراق إلى ميناء جيهان التركي. وعُدِّلَ عدة مرات عبر السنوات، وكان آخرها في عام 2010، حين مُدِّد 15 سنة إضافية، وهي المدة التي ستنتهي العام المقبل.
أُنشئ خط نقل النفط الخام العراقي-التركي، ويتألف من أنبوبين، بهدف نقل النفط المستخرج من حقول كركوك والعراق إلى ميناء جيهان.
دخل الخط الأول الذي يبلغ طوله 986 كيلومتراً وقطره 40 بوصة الخدمة في عام 1976، فيما اكتمل الخط الثاني وقطره 46 بوصة في 1987، مما رفع القدرة النقلية إلى 70.9 مليون طن سنوياً.
تعود ملكية وتشغيل الجزء التركي من الخط الأنبوبي إلى شركة نقل النفط بالأنابيب (BOTAŞ).
تفاصيل القرار
نقلت وسائل اعلام تركية، بأن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقّع قراراً رسمياً ينهي اتفاق خط أنابيب النفط الخام المبرم بين تركيا والعراق منذ عام 1973، أي بعد 52 عاماً من توقيعه، والذي يعتبر أحد أبرز التفاهمات الاقتصادية بين البلدين"، مشيرة إلى أن القرار نُشر في الجريدة الرسمية ويحمل توقيع الرئيس التركي شخصياً.
وذكرت التقارير الصحفية، أن "القرار نُشر في الجريدة الرسمية التركية بالعدد (10113)، ويحمل توقيع الرئيس أردوغان شخصياً، وينص على إنهاء العمل بالاتفاق بشكل رسمي اعتباراً من 27 تموز 2026".
و"سيتم إلغاء الاتفاق المبرم بين أنقرة وبغداد بشكل رسمي في 27 تموز 2026، وفقاً لما جاء في القرار الصادر بالعدد 10113 من الجريدة الرسمية. وبهذا، تنتهي صلاحية جميع البروتوكولات والوثائق الإضافية المرتبطة بهذا الاتفاق التاريخي"، وفقاً لوسائل الإعلام، التي بيّنت أن "الاتفاق الذي جرى توقيعه قبل أكثر من 5 عقود، كان يهدف إلى تأمين تصدير النفط الخام من العراق إلى ميناء جيهان التركي، وقد خضع لعدة تعديلات طيلة السنوات الماضية، كان آخرها في عام 2010 حين تم تمديده لمدة 15 عاماً إضافية، وهي الفترة التي ستنتهي بشكل طبيعي العام المقبل".
وأوضحت التقارير أن "قرار الإلغاء يشمل إنهاء جميع البروتوكولات والوثائق الإضافية المرتبطة بهذا الاتفاق التاريخي، ما يضع مستقبل صادرات النفط العراقي عبر الأراضي التركية أمام خيارات جديدة قد تُعيد رسم ملامح العلاقة الاقتصادية بين بغداد وأنقرة".
ويمثل خط أنابيب العراق - تركيا أحد الشرايين الاستراتيجية لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، وقد شكّل محوراً رئيسياً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا سيما في ظل التوترات التي شهدها هذا الملف خلال السنوات الأخيرة، على خلفية النزاعات القانونية بين بغداد وأربيل، واستخدام أنقرة الخط لتصدير نفط إقليم كردستان رغم اعتراض الحكومة العراقية.
ويمثل إنهاء الاتفاق تحولًا إستراتيجيًا في العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعراق، وقد يفتح الباب أمام مفاوضات جديدة بشأن مستقبل تصدير النفط والبنية التحتية للطاقة بين الجانبين.
الأسباب المحتملة
يكشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، اليوم الاثنين، الأسباب المحتملة لقرار تركيا بإنهاء اتفاقية خط أنابيب نقل النفط الخام مع العراق، إذ يقول المرسومي إن تركيا قررت إنهاء اتفاقية خط أنابيب نقل النفط الخام مع العراق، مستندة إلى المادة 11 من الاتفاقية المعدلة في 19 أيلول 2010. هذه المادة تجيز لأحد الطرفين إنهاء الاتفاقية الممتدة لـ15 سنة بعد إرسال بلاغ خطي للطرف الآخر قبل سنة واحدة من تاريخ انتهاء الاتفاقية.
ويشير المرسومي إلى أن العراق كان بإمكانه، استناداً لهذه المادة، العمل على تمديد أو تعديل الاتفاقية قبل سنتين من نفادها، لكنه لم يفعل ذلك.
ويرجح المرسومي أن قرار تركيا قد يكون مرتبطاً بـ:
1. الاستياء من الدعوى القضائية:
قد يكون القرار ناجماً عن استياء تركيا من العراق الذي رفع دعوى قضائية إلى محكمة غرفة التجارة في باريس، وأدت إلى تغريم تركيا 1.5 مليار دولار بسبب سماحها بتصدير نفط كردستان من خلال خط جيهان خلافاً للاتفاقية الموقعة مع العراق.
2. الرغبة في إنشاء خطوط أنابيب جديدة (السيناريو الأرجح):
وهو الأرجح، يرتبط القرار برغبة تركيا بإنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز الطبيعي من البصرة إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط. وبحسب المخطط، سينقل النفط الخام من البصرة شمالاً إلى حديثة، قبل أن يتجه نحو سيلوبي في جنوب تركيا. ويشمل هذا المسار أيضاً نقطة انتقال من بيجي العراقية إلى فيشخابور، قرب الحدود التركية.
أهمية المشروع الجديد للعراق وتركيا:
للعراق:
-تبلغ طاقة المشروع 2.2 مليون برميل يومياً.
-يُعد خط البصرة-سيلوبي مهماً للغاية للعراق من أجل تصدير النفط الخام بشكل مستدام.
-يوفر للعراق طريقاً بديلاً وسهلاً للوصول إلى أسواق البحر الأبيض المتوسط.
-يمثل امتداداً لمشروع طريق التنمية الطموح، الرامي إلى ربط آسيا بأوروبا عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق التي تمر بالعراق، ولذلك فهو يحظى بموافقة الحكومة العراقية.
لتركيا:
-يعزز المشروع مساعي أنقرة للتحول إلى مركز إقليمي رئيسي للطاقة.
-سيعود خط أنابيب الغاز من البصرة إلى سيلوبي بالنفع على المنطقة.
-تخطط تركيا في المدى القريب لتزويد العراق بالغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء إلى حين تطوير حقول الغاز المحلية.
بشأن تداعيات القرار على إقليم كردستان، يؤكد المرسومي أنه يمثل توقف خط جيهان ضربة قاصمة لكردستان، إذ أنه يمثل المنفذ الوحيد لصادراتها النفطية، ومن ثم سيضعف من اقتصادها وسيجعلها أكثر اعتماداً على بغداد.
من جهة أخرى، قال مسؤول تركي كبير لوكالة رويترز، اليوم الاثنين، إن عدم استغلال خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا أمر "مؤسف"، مضيفًا أن أنقرة ترغب في "مرحلة جديدة وحيوية" في هذا الشأن، بما يعود بالنفع على الطرفين والمنطقة.
وقال المسؤول: إن خط الأنابيب لديه المقومات التي تجعله "خط أنابيب فعّالًا واستراتيجيًا للغاية للمنطقة"، وإن تركيا استثمرت بكثافة في صيانته، مع التشديد على أهميته بالنسبة لمشاريع في المنطقة مثل "طريق التنمية"، وهو مشروع لطريق تجاري بين تركيا والعراق. وأضاف: "ستعود مرحلة جديدة وحيوية لخط أنابيب العراق وتركيا بالنفع على كلا البلدين والمنطقة بالكامل".
من جانبه، اعتبر الخبير في العلاقات الاقتصادية، حسن يوسف، خطوة تركيا بإنهاء الاتفاق النفطي مع العراق تحركاً مدروساً يعكس رغبة أنقرة في تعزيز موقعها التفاوضي واستغلال ملف الطاقة كورقة ضغط استراتيجية في علاقاتها مع بغداد وأربيل.
وذكر يوسف، أن تركيا، من خلال إنهاء هذا الاتفاق الذي يعود إلى حقبة زمنية مختلفة، تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية على أسس جديدة، تتيح لها التنوع في مصادر الطاقة وتحسين شروط التبادل التجاري مع العراق، خصوصاً في ظل التغيرات السياسية والإقليمية التي جعلت من الاتفاق القديم عبئاً على المصالح التركية".
ورأى يوسف، أن هذا القرار ليس مجرد مسألة فنية أو أمنية، بل يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة، فتركيا تريد أن تضع العراق أمام خيارات جديدة، تدفعه إلى المفاوضة بشكل أكثر جدية، وربما تضطر بغداد إلى تقديم تنازلات أو إشراك شركات تركية في مشاريع نفطية وبنية تحتية أكبر، مما يعزز الاقتصاد التركي ويحقق أهداف أنقرة في توسيع نفوذها الاقتصادي".
وأشار الخبير، إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، بما في ذلك زيادة التعاون في مجالات الطاقة، النقل، والبنى التحتية، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن التوترات السياسية قد تعيق التفاهمات السريعة، ما يتطلب حواراً استراتيجياً مستمراً لتفادي التأثيرات السلبية على قطاع النفط العراقي.
وفي تعليقه على القرار التركي، قال الخبير النفطي علي عبد الله، إن إنهاء الاتفاق يعكس رغبة أنقرة في إعادة رسم العلاقة مع العراق في ملف الطاقة على أسس جديدة، بعيداً عن التفاهمات القديمة التي لم تعد تلبي مصالحها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
وأضاف، أن "تركيا تسعى إلى إنهاء التزاماتها التاريخية التي تُقيد حركتها التفاوضية مع بغداد، خصوصاً بعد الخلاف القضائي حول هذا الخط في محكمة التحكيم الدولية، ما يجعلها تهيئ الأرضية لتفاهمات جديدة في المستقبل القريب تشمل النفط وربما مشاريع الطاقة والبنية التحتية بشكل أشمل".
وأشار عبد الله إلى أن "إنهاء الاتفاق لا يعني بالضرورة توقف الصادرات عبر جيهان مستقبلاً، لكنه يفرض إعادة التفاوض وفق أسس جديدة، بما يتماشى مع مشاريع العراق الاستراتيجية مثل خط التنمية وسعي تركيا لتعزيز مكانتها كممر إقليمي رئيسي للطاقة".
أما الخبير النفطي حمزة الجواهري، فرأى أن التصدير عبر جيهان التركي غير مربح للحكومة الاتحادية لان التصدير من جيهان معناه دفع رسوم أكثر من 6 دولارات عن البرميل الواحد او أكثر تذهب كأجور نقل". واشار الجواهري، الى ان "العراق يقوم بالتصدير من الجنوب وهو يكلف الحكومة 60 سنتا للبرميل فقط ولديه فائضا بمقدار مليون برميل وذلك لأنه ملتزم باتفاقية اوبك".
وأعلنت بغداد، الخميس الماضي، انتهاء أزمة نفط كردستان العراق، بعد التوصل إلى تسوية مع حكومة الإقليم لاستئناف ضخ الخام إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي.
ووافق مجلس الوزراء العراقي على عدّة قرارات تُمهِّد لعودة نفط الإقليم إلى الأسواق عن طريق شركة "سومو"، بالإضافة إلى الحصص المخصصة لكردستان للاستهلاك المحلي. وقرر مجلس الوزراء بدء حكومة كردستان فورًا بتسليم كامل النفط المنتج من حقول النفط في الإقليم إلى شركة تسويق النفط "سومو" لغرض التصدير.
بموجب القرارات، تلتزم وزارة المالية العراقية بتسديد 16 دولارًا (عينًا أو نقدًا) عن كل برميل نفط مستلم من كردستان وفق قانون تعديل قانون الموازنة، على ألّا تقل الكمية المستلمة عن 230 ألف برميل يوميًا حاليًا.
وتبلغ كمية إنتاج النفط في كردستان العراق حاليًا 280 ألف برميل يوميًا حسب تقارير الإقليم، يُخصَّص منها 50 ألف برميل يوميًا لأغراض الاستهلاك المحلي في الإقليم، ويُسلَّم الباقي 230 ألف برميل يوميًا.
والخلاصة، فإن قرار تركيا بإنهاء الاتفاقية النفطية التاريخية يعكس تحولاً في المشهد الجيواقتصادي للمنطقة. فمن جهة، هو رد فعل محتمل على خلافات قضائية سابقة، ومن جهة أخرى، هو جزء من رؤية تركيّة أوسع لتعزيز مكانتها كمركز للطاقة عبر مشاريع استراتيجية جديدة تخدم مصالحها ومصالح العراق الاتحادية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ستلقي بظلالها على إقليم كوردستان وتزيد من التحديات الاقتصادية التي يواجهها، مما قد يعيد تشكيل ميزان القوى بين بغداد وأربيل.