"الفاو" تصدر تقريراً عن المزارعين النازحين في العراق: عوامل رئيسية تحول دون عودتهم
انفوبلس/ تقرير
أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والمنظمة الدولية للهجرة، اليوم الثلاثاء، 28 مارس/ آذار 2023، تقريراً يتحدث عن المزارعين النازحين في العراق، حيث قالت إن أُسرة معيشية واحدة فقط تقريبًا من بين كل 4 أُسر معيشية زراعية قد عادت إلى مناطقها الأصلية في عام 2020.
وقالت المنظمة في التقرير الذي يستند إلى بيانات تم جمعها في عام 2020 من 774 أُسرة معيشية كانت تزاول الزراعة قبل عام 2014 وأُجبرت بعد ذلك على النزوح بسبب دخول تنظيم داعش الإرهابي، إن "أُسرة معيشية واحدة فقط تقريبًا من بين كل أربع أُسر معيشية زراعية قد عادت إلى مناطقها الأصلية في عام 2020، أي بعد ست سنوات من إعلان البلاد النصر على تنظيم داعش الإجرامي في العراق والشام الذي عاث فسادًا يقدَّر بالمليارات في مناطق سلّة الخبز في العراق".
وأضاف التقرير، إن "نسبة المزارعين النازحين الذين تمكنوا من استئناف أنشطتهم الزراعية كانت أقل بكثير وذلك بسبب المخاوف المرتبطة بالأمن والخسائر في أصولهم إلى جانب عدد من العواقب المتصلة بالوصول إلى الأسواق المحلية للمنتجات الزراعية والغذائية والحصول على الائتمانات".
واستنادًا إلى آخر التقديرات الحكومية، تحسّن حجم العودة ووتيرتها بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية.
ويرمي هذه التقرير إلى إرشاد واضعي السياسات بصورة وافية بشأن مجالات الدعم الهامة على مستويي السياسات والاستثمارات، ومن أجل التوصل إلى حلول دائمة لصالح الأُسر الزراعية النازحة، بحسب ما أفاد به أحمد سعد الدين من شعبة اقتصاد النُّظُم الزراعية والغذائية في المنظمة والمؤلف الرئيسي للتقرير.
وتابع التقرير، إن "استعادة الأمن وإعادة بناء الأصول الزراعية والبنية التحتية تُمثّل ضرورات ملحّة للمزارعين لكي يتمكّنوا من استئناف أنشطتهم الزراعية، ولن تكون العودة مُستدامة من دون تحسين الظروف المحلية في المناطق التي فرّ منها السكان".
وركّز التقرير المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الدولية للهجرة على سبع محافظات هي الأنبار وبابل وبغداد وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين، وهي تمثل حوالي ثلثي إجمالي المساحات المزروعة بالمحاصيل في البلاد وتُنتج النسبة الأعلى من القمح فيها. وقد استخدمت بيانات طولية مستقاة من مجموعة من الدراسات الاستقصائية التي أُجريت منذ عام 2016 وشملت ما يزيد عن 800 3 أُسرة معيشية، وكذلك من دراسة استقصائية مركّزة شملت 774 أُسرة معيشية كانت تعمل في الزراعة قبل عام 2014 واضطرت إلى النزوح لاحقًا.
وبيّن التقرير، "يمثّل الدمار الهائل الذي لحق بأصول المزارع وضعف الوصول إلى التمويل والخدمات الإنتاجية في الأسواق عوامل رئيسية تحول دون عودة الأُسر المعيشية واستعادة سُبُل عيشها الزراعية، إلى جانب المخاوف الأمنية. وقد فقدت الأُسر المعيشية الزراعية في المتوسط نسبة 83 في المائة من أصولها الزراعية. بيد أنّ التقرير خلُص إلى أنها قادرة على استئناف الزراعة في حال توفرت لها قروض معقولة الكلفة وبرامج لتنمية القدرات، بل سيتمكن عدد أكبر بكثير من المزارعين من القيام بذلك إذا كانت لديهم الموارد اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وثمة عوامل أخرى تؤثر في توقعات استئناف الأنشطة الزراعية وتشمل العمر وتأثر السوق بالموجة العارمة من الأغذية المستوردة التي اعتمد عليها العراق في الفترة التي أعقبت النزاع، بحسب التقرير.
وأوضح التقرير، "إذ من غير المرجح، على سبيل المثال، أن يكثّف المزارعون الشباب الذين عادوا إلى أراضيهم جهودهم في زراعة المحاصيل مقارنةً بالمزارعين الأكبر سنًا، ويُعزا ذلك إلى قلة خبرتهم أو اهتمامهم المحدود بهذا النشاط، ويمكن أن تساعد خدمات الإرشاد المعززة في زيادة اهتمام المزارعين الشباب، وكذلك استعادة الخدمات الريفية وفرص العمل غير الزراعية".
ومن النتائج اللافتة للنظر أنّ الكثير من المزارعين العائدين قد أشاروا إلى أنّ انخفاض الأسعار المعروضة على المنتجات الزراعية يعدّ تحديًا أكبر من عدم الحصول على البذور أو العلف أو المعدات، بل وحتى الرّي. وقد تكون أسعار المواد الغذائية المستوردة المدعومة منخفضة، لكنها تفرض ضغوطًا هائلة على الميزانية الوطنية، ومع أنها توفر سلالًا غذائية رخيصة الثمن – لكن غير موجهة بصورة صحيحة – لضمان الأمن الغذائي، فإنها تساهم في خفض أسعار الحبوب للمنتجين المحليين وتُعيق الاستثمارات، وفقا للتقرير.
وباتت الآن الوظائف والأعمال التجارية غير الزراعية وغير النظامية والعمالة في القطاع العام توفر نسبة تزيد عن 80 في المائة من دخل الأُسر المعيشية الريفية العائدة، فيما انخفضت بشكل كبير نسبة الأُسر المعتمدة على الزراعة. وفي الوقت نفسه، تجاوزت نسبة البطالة في المناطق الحضرية في العراق نسبتها في المناطق الريفية، ما يبرز المنافع الأوسع نطاقًا المترتبة على استعادة سُبُل العيش الريفية، وفقا للتقرير.
وأفاد التقرير، بأنّ "الاستثمار في الزراعة من شأنه أن يُنشئ مصادر دخل أكثر استقرارًا وأن يُتيح فرصًا أمام سكان الأرياف للبقاء في مناطقهم الريفية عوضًا عن الهجرة إلى المدن".
*نقص إنتاج المحاصيل الاستراتيجية في العراق قد يبلغ 40%
إلى ذلك، أكد ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة- الفاو في العراق، صلاح الحاج حسن، في الأول من آذار الجاري 2023، أن النقص في الإنتاج الزراعي في العراق أصبح واضحاً، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الاستراتيجية، مشيراً إلى نسبته قد تبلغ 30-40% هذا العام.
وقال حسن في تصريحات صحافية، إن "على مستوى ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض متوسط الأمطار، وكثافة وزيادة عدد العواصف الرملية، ونقص كميات المياه، فهذا الموضوع لم يعد نظرياً وأصبح واقعاً، وتأثيراته باتت واضحة، ولو أخذنا معدلات الأمطار للسنوات الثلاثة الأخيرة على الأقل، نجد أن الفوارق كبيرة، والأدلة على ذلك، ما هو حاصل في الإنتاجية مباشرة، حيث ينعكس مباشرة على مستوى الإنتاج النباتي والحيواني، لأن تأثر الإنتاج بات واضحاً".
وأضاف، "كلنا نعلم أن مقارنةً بين إنتاج العراق بين عامي 2019 و2020 والعام الماضي من الحنطة على مستوى العراق وإقليم كوردستان، تبيّن أنه كان يبلغ 3 أضعاف ما بلغته السنة الماضية، أو ضعفين ونصف، وكذلك المؤشرات هذا العام ليست كما كانت مرجوّة، لذلك أصبح موضوع التأثير مباشر على البيئة، الصحة، الزراعة على الدخل، والدخل القومي".
وتابع، "ما هو متوفر من معطيات على مستوى الإنتاج والمحاصيل. النقص في الإنتاج أصبح واضحاً، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الاستراتيجية. نتحدث عن تأثيرات قد تتعدى 30-40% هذا العام".
ولفت صلاح الحاج حسن إلى، أن "العراق يستورد الجزء الأكبر من المواد الغذائية من الخارج، لكن الأهم من توفر الغذاء، هو أن النسبة الأكبر من الأشخاص يعملون في القطاع الزراعي. إذاً، القطاع الزراعي يوفر فرص عمل كبيرة، خاصة في الريف، وكلما تردّت الأوضاع، كانت هناك انعكاسات سلبية، على مستوى الأمن الغذائي من ناحية، وفرص العمل والإنتاج من ناحية أخرى". مشيرا إلى، أن "المزارع العراقي يخسر ما يتراوح بين 20-40% من إنتاجه في بعض المحاصيل لأسباب مختلفة لها علاقة بالمعاملات الزراعية وعدم وجود بنى تحتية للتخزين والتوريد والتوضيب والنقل".
*إجراءات حكومية جديدة
في العامين الماضيين، قلّص العراق مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية إلى النصف في بعض المحافظات، في حين استبعدت محافظات أخرى من الخطة نهائيًا على خلفية الجفاف الذي ضرب البلاد.
بهذا الصدد، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، إنّ "الحكومة اتخذت إجراءات عديدة لمواجهة أزمة المياه التي تخص الخطة الزراعية للعام المقبل". مبينًا، إنّ "أبرز تلك الإجراءات هي تشكيل لجان ووفود رفيعة المستوى (فنية وسياسية)، لزيارة دول المنبع تركيا وإيران".
وأضاف الخزاعي، إنّ "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بحث في تركيا ملف المياه، وحكومة أنقرة وعدت بزيادة الإطلاقات خلال الفترة المقبلة". موضحًا، إنّ "القوانين الدولية ضمنت حصة العراق من المياه خصوصًا لنهري دجلة والفرات".
وأشار المتحدث الحكومي إلى، أنّ "الموسم المطري كان جيدًا وأمن الحصص المائية لموسم زراعة الحنطة". متوقعًا في ذات الوقت "زيادة الإطلاقات المائية إلى السدود العراقية نتيجة لذوبان الثلوج في تركيا وشمال العراق".
ويختم الخزاعي حديثه قائلًا، إنّ "هناك تنسيقًا مع وزارة الموارد لضمان الحصص المائية من أجل تطبيق الخطة الزراعية الصيفية لمحصول الشلب في محافظة النجف والسماوة والديوانية".
*مصير الزراعة الصيفية
لكن وكيل وزارة الزراعة مهدي الجبوري، كان له رأي مغاير حيث أكد أنّ "حجم المياه المتوفرة والشحة الحاصلة فيها تتطلب تقليص الخطة الزراعية بنسبة قد تصل إلى أقل من نسبة العام الماضي".
ورغم الأزمة والترجيحات التي تتوقع تقليص المساحات المزروعة، يُصرّ الجبوري على وجود تنسيق مستمر لمنع دخول السلع الزراعية ممنوعة الاستيراد ومن أهمها التمور، والبطاطا، والطماطم لوجود وفرة من الناتج المحلي، وفقًا لتصريح له للوكالة الرسمية.
وفي خضم الأزمة، جاء حديث صلاح الحاج حسن، عندما قال، إنّ "النقص في الإنتاج الزراعي أصبح واضحًا، وأن نسبته قد تبلغ 30-40%، والمزارع العراقي يخسر ما يتراوح بين 20-40% من إنتاجه في بعض المحاصيل لأسباب مختلفة".
*خطر حقيقي يواجه العراق
تشير التوقعات إلى عدم قدرة العراق على تطبيق خطته الزراعية في فصل الصيف بسبب أزمة المياه التي تجتاح البلاد منذ عامين، وفقًا للمختص بشؤون المياه والزراعة، علاء البدران.
ويشخّص البدران، مشكلةً لدى المزارعين، وتتمثل بـ "استخدام طرق الرّي البدائية التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه"، وهو ما يجعل العراق "أمام خطر كبير في حال تطبيق الخطة الزراعية في ظل شحة المياه".
ووفقًا لحديث البدران، فإنّ "الجفاف الآن بدأ يهدد المياه الصالحة للشرب ما يجعل الصيف المقبل خطرًا حقيقيًا". مضيفًا، أنّ "الحكومة مطالَبة بتخصيص كميات قليلة من المياه لزراعة المحاصيل المهمة والتي يصعب الحصول عليها من الخارج والاعتماد بدرجة كبيرة على الاستيراد".
ويعتبر المختص علاء البدران، أنّ تقليص الخطة الزراعية إلى 25% هو "الحل الأمثل لتجاوز الأزمة المائية خلال الصيف المقبل. مشيرًا إلى، أنّ "هناك إجراءات تقنية واجب اعتمادها أثناء تنفيذ الخطة الزراعية من أجل ترشيد المياه".